عدد رقم 4 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
دروس روحية من الثورة الشبابية  

منذ عامين ونصف كتبت في أعقاب ثورة 25 يناير مقالاً بعنوان "دروس روحية من الثورة المصرية"، ولم أكن أدري وقتها أنه بعد وقت وجيز ستحدث ثورة شعبية أقوى، وتنجح نجاحًا كبيرًا، وتبهر المتابعين، محليًا وعالميًا! إنها ثورة 30 يونيه، لقد نجحت هذه الثورة رغم كل المحاولات والتهديدات لإفشالها. ولا شك أنه يجدر بنا أن نقف عندها طويلاً ونحاول أن نستخلص منها بعض الدروس لنتحذر،  فالعاقل هو الذي يتعلم من كل ما يجري حوله.

1- الله هو المتحكم فى الكون: الله ملك السماء الذي كل أعماله حق وطرقه عدل ومَن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله، هكذا قال عنه نبوخذنصر (دا4: 37)، هو العليّ المتسلط فى مملكة الناس (دا4: 32)، وهو الذى يدير الكون بحسب حكمته.  مَن كان يخطر على باله أن تنتهى هذه الحقبة المظلمة بهذه الصورة وهذه السرعة، إنه "الله" الذى يسمع صراخ المظلومين، بل هو مُجري العدل والقضاء لجميع المظلومين (مز103: 6).  ولا شك أن هناك مُخلصين كثيرين، يحبون الرب ويحبون بلادهم، رفعوا صلوات لأجل الحكام والبلاد واستجاب الله، صاحب اليد القوية والذراع القديرة، هو الذي حرك الأحداث كما أراد: «بي تترأس الرؤساء والشرفاء، كل قضاة الأرض» (أم8: 16)، «وهو... يعزل ملوكًا ويُنصِّب ملوكًا. يعطي الحكماء حكمةً» (دا21:2).  ويجب أن نتأكد أن الله هو الذي أتى بهؤلاء الحكام في فترة سابقة لغرض معين، وكان حكيمًا في ذلك، وهو الذي عزلهم عندما أراد، وهو حكيم أيضًا في ذلك.  والدرس الهام هو أن السماء سلطان، وأن الرب له الكلمة الأخيرة. 

2- خطورة إقصاء الآخر ولا سيما الشباب: المتابع للأحداث يجد أن النظام السابق كان هو المتسلط على كل شيء وتجاهل الرأي الآخر، وهكذا قضى على نفسه.  فقد ضاق الشباب والشعب ذرعًا إذ رأى أن هناك قلة هى المتحكمة فى كل شيء، وليس في منهجهم قبول الآخر، وشعر الجميع بالتدهور الحادث، وهكذا أتت النهاية مسرعة.  

إن الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل، ولو استوعبت طاقات الشباب بشكل صحيح لاستطعنا أن نحدث ثورة تقدمية حقيقية فى كل المجالات.  وليتنا نتنبه إلى هذه النقطة فى كنائسنا.  والشباب لهم وضع خاص فى الكتاب المقدس، فهم قوة لا يُستهان بها "كسهام بيد جبار هكذا أبناء الشبيبة" (مز127: 4)، يجب احتواءهم وتفجير طاقاتهم بما يعود بالنفع الروحى والزمنى، فهل لكنائسنا أن تستوعب طاقات الشباب وتصقل خبراتهم.  قد يكونون أقل خبرة، لكن تواجدهم في شركة معنا سُيتيح لهم المجال للتمرن وأخذ الخبرة.  ودائمًا ما نجد أن الجيل القديم يتهم الجديد بالسطحية والجيل الجديد يتهم القديم بالرجعية.  والسؤال هنا أين الخطأ؟ دعونا نقوم بدرونا ونفسح المجال للشباب مقدمين لهم النصح والمشورة، والشباب بدورهم يخضعون للشيوخ ويطيعونهم ويستفيدون من خبراتهم ويوقرونهم كما يوصي الكتاب.

ما أروع ما نراه في تلمذة موسى ليشوع، وكان هذا فى حياة موسى، ثم يُكتب عنه بعد ذلك "ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة ووضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرَّبّ موسى" (تثنية34: 9). وبولس يكتب لتيموثاوس: "وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء يكونون أكفاءً أن يعلموا آخرين أيضًا" (2تي2: 2).  نلاحظ أن هناك أربع حلقات (بولس - تيموثاوس - أناس أمناء أكفاء - آخرون) وفقدان تأثير حلقة منهم على التالية لها يدمر الحلقة أي الجيل بأكمله ويحرم قطيع الرب من نقل الخبرات والنور والمعرفة من جيل إلى جيل. 

3- بطء التجاوب مع المطالب: أجمع المحللون على أن التعامل مع الأزمة كان بطيئًا جدًا؛ وأتت التنازلات بعد فوات الأوان فلم تلق قبولاً.  ألا يُنبه هذا المتباطئين؟ فالعدالة البطيئة ظلم، والله يمهل ولا يهمل.  "لا يتباطأ الرب عن وعده (بالمجيء الثاني) كما يحسب قوم التباطؤ"، وما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا، وأنت شخصيًا قد لا ترفض أمور الله، ولكن قد تؤجلها، فانتبه! لأن اليوم يوم خلاص، إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم! وكل الذين تجاوبوا مع دعوة الله وقبلوا المسيح بعد تأجيل ندموا وتمنَّوا لو رجعوا إليه في وقت مبكر. وأنت لا تضمن ما يأتى به الغد! 

4- عدم التعلم من أخطاء الآخرين: تجاوب الرئيس الأسبق مع ثورة 25 يناير ببطء، وكان مُستفزًا، فارتفع سقف المطالب! إلى أن سقط النظام بأكمله! وهذا ما تكرر مع النظام السابق في تعامله مع ثورة 30 يونية. 

وهنا أقول: هل لنا أن نتعلم من أخطائنا ومن أخطاء الآخرين؟ فالكتاب عندما سجل لنا سقطات الكثيرين حتى الأنبياء، فإنه لم يقصد التقليل من شأنهم بل أن نتعلم من أخطائهم، فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (1كو10: 11).

5- فقدان المصداقية: جرَّب الناس الأقوال بدون الأفعال كثيرًا، والوعود بدون تنفيذها مرارًا؛ لهذا لم يصدقوا الوعود، ولا شك أن تنفيذ الوعود يكسب الشخص مصداقية لدى الذين وعدهم.  ينطبق هذا على كل أوجه الحياة وكل أوجه المسؤولية سواء كانت كنسية أو زمنية أو حتى عائلية فى علاقة الرجل بأهل بيته.  ماذا عنا؟ هل نحظى بالمصداقية عند مَنْ حولنا؟ هل يثقون في أقوالنا؟ وهل نحرص على أن نتمم ما نعد به؟
أيضًا أريد أن أوجه نظر القراء الأعزاء إلى عدم محاولة تبرير أخطائنا عن طريق تأويل الكلام، فالهروب من الرد الواضح والصريح هو كسر لوصية الرب: «بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير» (مت5: 37). 

6- الخداع والوهم: قال أحد المنتمين للحزب الحاكم الذي سقط: "ما صُدمنا فيه من ثورة 30 يونية ليس هو كم الحشود التى خرجت، الأمر الذى لم يحدث مثله في تاريخ مصر القديم والمعاصر، بل هو كم الكراهية التى في قلوب الناس تجاهنا، لقد كنا نظن أننا محبوبون، ولنا الأغلبية لكن ما ثبت في أرض الواقع هو العكس.

 وماذا عنا يا عزيزي هل نمتحن علاقاتنا في كافة دوائرها؟ ربما نكون ثقلاً في الوقت الذي نظن فيه أننا موضع راحة للآخرين. ومن المعروف أن انفجار الغضب لم يكن وليد اللحظة بل هو تراكم مواقف كثيرة.  كان الشعب مغلوبًا على أمره وربما ظن المسؤولون أن السكوت علامة الرضا، ولم يدر بخلدهم أن السكوت علامة القهر الذي حتمًا سيولد انفجارًا، وهذا ما حدث فعلاً.

7 ذكاء الشعب: قيادة بلد كبير مثل مصر تحتاج إلى قائد حكيم يتصرف التصرف الجيد في الوقت المناسب، ويعرف كيف يتعامل مع الأزمات، ولا ينتظر إملاءات من أحد.  يتكلم بحرص، وبحساب دقيق، فلكل مقام مقال، ويعرف أن يمتص غضب الشعب.  لكننا رأينا عكس ذلك تمامًا، فكان لا بد للشعب أن يثور على رئيس ليس لديه الحس الشعبى ولا يعرف نبض الجماهير ومعاناتهم.  قال حكيم الدهور سليمان: "الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط" (أم15: 1)، وهذا ما حدث مع رحبعام ابن سليمان وجعل الشعب ينفض عنه. 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com