عدد رقم 4 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
آه لو تريثتُ قليلاً!  
                                 
  ذكرَ طبيب مؤمن، أخصائي أمراض النساء والولادة في إحدى البلاد الغربية هذه الحادثة قائلاً:

    كنتُ أقود السيارة بسرعة في طريقٍ طويلٍ مُظلم في ساعة متأخرة من الليل حيثُ أُبْلِغتُ بحالة ولادة في منطقةٍ بعيدة عن بيتي. 
    كان البردُ في تلك الليلة شديدًا جدًا والجو عاصفًا.  وفجأة وجدتُ رجلاً عجوزًا يبدو عليه رقة الحال (الفقر)، يرتعش من البرد ويشير إليَّ بيده المرتعشة لكي أتوقف ... توقفتُ في الحال وسألته عن مقصده، ولما عرفتُ أنه يقصد نفس الطريق سمحت له بالركوب والجلوس إلى جواري، وشكرت الرب أنه دبَّر هذه المصادفة لأنقذ الرجل المسكين من تلك العاصفة الشديدة والبرد القارس الذي قد يودي بحياته.

    جلس الرجل بعد أن شكرني شكرًا حارًا على معروفي معه.  لم يكن يتكلم كثيرًا ولكنه كان يختلس النظر إليَّ من حينٍ لآخر.  لم يهمني ذلك في شيء  فواصلتُ رحلتي إلى مقصدي.

    بعد فترة - إذ كنت أخشى أن أكون قد تأخرتُ عن موعدي – بحثتُ عن ساعتي في جيبي لأعرف الوقت، فلم أجدها.  كانت ساعة ثمينة جدًا وكنت أعتز بها للغاية.

    بسرعة توقفتُ في الطريق وسألت الرجل بحدة: "أين ساعتي؟.. أعِدْها لي بسرعة وإلا ألقيتُ بك في الشارع"

    نظر إليَّ الرجل وقد ارتسمت على وجهه علامات الدهشة وقال: "كلا .. أنا لم آخذ ساعتك"

    قلتُ بحدة وغضب شديد لم أستطع التحكم فيه: "أخرِج ما في جيبك حالاً"

    أطاعني الرجل وأخرج كل ما في جيبه، وإذْ بي أرى – رغم الظلام – ساعتي تبرقُ أمامي

    خطفتُها بسرعة وهتفتُ في غيظ:  "أيها الجبان أعمل معك معروفًا فتسرقني؟"

    هتف الرجل باستنكار:  "أنا لم أسرقك إنها ساعتي"

    صرختُ في وجهه:  " شخص مثلك يمتلك ساعة ثمينة كهذه الساعة؟"

    حاول الرجل أن يتكلم ولكن إذ كان الغضب قد بلغ مني مبلغه فتحت باب السيارة ودفعته بعنف خارجها حيث الظلام والعاصفة الثلجية القاتلة جزاءً عادلاً على فعلته الخسيسة. 

   أكملتُ سيري وأكملتُ مهمتي بسلام وعدتُ إلى بيتي مع انبلاج الفجر.

   قبل أن آوي إلى فراشي أخرجتُ ساعتي لأتحقق من الوقت .. لاحظتُ أن لون عقارب الساعة مختلف بعض الشيء، فقلَّبتُ الساعة الثمينة في يدي ... ويا لدهشتي، بل يا لأسفي وندمي! لم تكن ساعتي!

  تلفتُّ حولي بانزعاج فرأيت ساعتي هناك على المنضدة حيث تركتُها.  شعرت بالحزن والندم كما لم أشعر به من قبل.

  لكن ما جعل الألم يعتصرني بشدة هي تلك الكلمات المحفورة بخط جميل على ظهر ساعة الرجل المسكين ... كان مكتوبًا:

       "هدية من القوات المُسلَّحة للسيد "فلان" من أجل أمانته ونزاهته وتضحياته الكثيرة ومجهوده الرائع لمدة خمسٍ وعشرين سنة متواصلة".

    لم أستطع أن أضبط مشاعري فركعت على ركبتيّ باكيًا نادمًا حزينًا من أجل الرجل ومن أجل تسرعي طالبًا من الرب أن يخلصني من الاندفاع والحُكم السريع على الأمور وعدم ضبط النفس.  

    آه لوكنتُ فقط تريّثتُ قليلاً وأعطيتُ الرجل فرصة للدفاع عن نفسه، لما تسببتُ له في ضررٍ بالغ أرجو ألا يكون قد وصل إلى حد الموت.
                                                                   














© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com