عدد رقم 4 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
آفات الضعف الروحي (3)  

سبق وتكلمنا عن آفتين للضعف الروحي وهما، كيف نفقد قوتنا عندما نفقد طهارتنا، وهذا ما رأيناه في شمشون، وكيف نفقد نضارتنا عندما نفقد تمييزنا، وهذا ما رأيناه في أفرايم، ولنتقدم للآفة الثالثة والأخيرة:

3- نفقد حماسنا عندما نفقد عزيمتنا، وهذا ما نراه في رجال يهوذا (قض15: 11)
ولعلنا أمام أخطر الآفات الثلاث، فأن نفقد قوتنا أو نضارتنا، ومن ثم نتعرض للسقوط والزلل، وإن كان هذا في حد ذاته أمرًا مؤسفًا، إلا أننا يمكننا أن نقول عندئذ «لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم» (ميخا7: 8). أما الطامة الكبرى عندما نقع في الخطأ، ونفقد حماسنا، فنسقط في بالوعة اليأس والإحباط، ولا يكون لدينا أي رغبة في النهوض مما نحن فيه من استسلام وخنوع للضعف والهزيمة.  إننا ندرك حالتنا وأننا فقدنا كثيرًا من طهارتنا وتمييزنا، ومع ذلك فقدنا كل رغبة حقيقية لتصحيح مسارنا والعودة من جديد لجو الأفراح المقدسة.  ولكن ما الذي أوصلنا في نهاية سفر القضاة، ذلك السفر الذي يستعرض أمامنا أسوأ حالات شعب الرب من ضعف وهزيمة، من عبودية وإذلال، إلى هذه الحالة المأساوية؟ لقد كانت هناك خطوات من الضعف والانحدار نتتبعها من بداية هذا السفر حتى نصل في نهايته إلى فقدان كل رغبة وحماس لحياة صحيحة مليئة بالقوة والنضارة.  دعونا نتتبع معًا هذه الخطوات في عجالة سريعة:

1. ضعف الإيمان
يُستهل سفر القضاة بسؤال بني إسرائيل للرب: من منهم، أي من الأسباط الاثني عشر، يصعد أولاً للحرب تمهيدًا لامتلاك الأرض، وكان جواب الرب: «يهوذا يصعد. هوذا قد دفعت الأرض ليده» (ع2)، وكنا نتوقع بعد كلام الرب الصريح هذا أن يصعد يهوذا للحرب مستندًا على أقوال الرب، إلا أننا نجده يطلب من شمعون أن يصعد معه! أ يحتاج الرب مساعدة شمعون ليهوذا ليحقق كلامه بدفع الأرض ليهوذا؟! هذا ما توهَّمه بكل أسف يهوذا، وكم نُضجر الرب بضعف إيماننا، كما كان الأمر مع آحاز (إش7: 12)، ومع يوآش (2مل13: 14-19).

2. الالتجاء للبشر
نتعجب من بيت يوسف وهم صاعدون ليحرِّموا مدينة ”لوز“ أن يستعينوا برجل من ذات المدينة ليُعرِّفهم مداخل المدينة في مقابل أن يستحيوه هو وعشيرته، فكانت النتيجة أنهم فعلاً حرَّموا لوز، غير أن من استحيوه بنى مدينة أخرى ودعا اسمها ”لوز“ (قض1: 22-26)! فإن كانت الاستعانة بالبشر فيها إهانة للرب، الأمر الذي وقع فيه موسى عندما أراد أن يستعين بحميه يثرون (راجع عد10: 29-36)، غير أن هناك خطرًا آخر وهو ما يمكن أن يترتب على ذلك!

3. التهاون في امتلاك ما لنا من بركات
لقد تحقق حلم الشعب بالدخول إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً، وكلمات الرب المشجعة ترن في أذهانهم: «كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته» (يش1: 3). وكنا نتوقع أن يكون سفر القضاة امتدادًا لسفر يشوع فنقرأ عن مزيد من الانتصارات، وعن تمتع الشعب فعليًا بنصيبهم في الأرض، ولكننا بكل أسف نقرأ من أول أصحاح من سفر القضاة عن تخاذل معظم الأسباط في طرد سكان الأرض وامتلاك أراضيهم، وإن كان يهوذا وجد لنفسه مبررًا في عدم طرد سكان الوادي لأن لديهم مركبات حديد (ع19)، وإن كان هذا المبرر ذاته ثبت بطلانه، فلقد كان لدى يابين 900 مركبة من حديد والرب أعطى نصرة عظيمة للشعب (قض4: 3)، فباقي الأسباط أي عذر لهم في تخاذلهم وتقاعسهم؟! ففي الواقع عندما يكون هناك تقدير لبركات الرب، سيكون هناك حرص كبير لامتلاكها والتمتع بها!

4. الاستضعاف والتقوقع
ماذا نتوقع من شعب تخاذل عن أن يُحارب ليمتلك ميراثه؟ ماذا نتوقع من شعب استضعف نفسه، سوى أن نراه مدافعًا بدلاً من أن يكون مهاجمًا، منكمشًا بدلاً من أن يكون منتشرًا ومتوسعًا، وهذا ما حدث مع بني دان: «وحصر الأموريين بني دان في الجبل، لأنهم لم يدعوهم ينزلون في الوادي» (قض1: 34).  لقد انعكس الوضع وبدلاً من أن نرى سكان الأرض يتراجعون أمام شعب الرب، ها نحن نرى شعب الرب هم الذين يتراجعون وينكمشون أمام سكان الأرض (راجع 1صم13: 6)!! وبدلاً من أن ترتعد الشعوب من شعب الرب (1صم14: 15)، نجد شعب الرب هو الذي يرتعد (1صم13: 7)!

5. عدم سماع وصايا الرب
لأن الرب يعرف مدى تأثير سكان الأرض على شعبه أوصاهم قائلاً: «لا تقطعوا عهدًا مع سكان الأرض. اهدموا مذابحهم»، ولكن يستطرد الرب قائلاً: «ولم تسمعوا لصوتي» (قض2:2). كان على الشعب أن يعرف أنه في عداوة مع سكان الأرض، ولذلك لا يستقيم أن يقطع معهم عهدًا.  تمامًا كما نحن الآن بالنسبة للعالم، إذ أن محبة العالم عداوة لله، ومن يحب العالم فقد صار عدوًّا لله (يع4: 4).  كما كان عليهم أن يهدموا مذابحهم، فيتجنبوا التأثير الديني المدمر على حياتهم.  غير أنهم لم يفطنوا لذلك، ولم يسمعوا لصوت الرب، ولم يدركوا أن «الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش» (1صم15: 22).

6. عمل الشر في عيني الرب
أن نعمل الشر، هذا أمر مؤسف، وأن نعود نعمل الشر بعد أن نتوب للرب، فهذا أمر محزن بالأكثر، وأن يتكرر هذا منا ليس مرة أو مرتين بل مرات، فهذ أمر مقلق ومحير.  أن نتعمد فعل الشر في عيني الرب، هذا أمر مفزع ومرعب!! هذا بكل أسف ما وصل إليه الشعب هنا!! فما أكثر المرات التي تُذكر فيها هذه العبارة: «وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب».  لقد تهاونوا في حق الرب وفي حق أنفسهم.  وكم نتعجب من موقف الشعب هنا. كيف يعملون الشر وهم بذلك يدركون أنهم يغضبون الرب؟ وكيف يرتضون أن يتعرضوا لتأديب الرب، والذي حتمًا سيكون قاسيًا ومذلاً. حتى أنهم كانوا يصرخون للرب من شدة وثقل يده التأديبية؟ بل كيف بعد أن يستجيب الرب لهم ويرد قضاءه يعودون مرة أخرى لفعل الشر؟! أقول إن هذا أمر مدهش ومحير إلى أقصى درجة، ونندهش أكثر عندما نعرف أن هذا ما اعتاد عليه الشعب، حتى أنه تكرر في سفر القضاة 7 مرات. وبالأسف هذا ما يحدث معنا نحن أيضًا في أوقات كثيرة.

7. فقدان العزيمة
وهنا نأتي إلى قمة المأساة عندما يفقد الشعب حماسه وعزيمته.  في طريق انحراف الشعب تعرَّض لأعداء كثيرين ومتنوعين، وعندما كانوا يصرخون للرب كان يُرسل لهم مخلصًا؛ قاضيًا ليخلصهم، وكانوا معتادين عندئذ أن يلتفوا حول القاضي ويحاربوا وراءه فتتحقق لهم النصرة، غير أن الأمر اختلف تمامًا هذه المرة، إذ نقرأ: «ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة» (قض13: 1). إننا نجد الفترة هنا طالت حتى وصلت 40 سنة، فكل الفترات التي اُستعبدوا فيها قبلاً لم تتعدَّ 20 سنة، كما أن رقم 40 له مدلوله في كلمة الله، إذ يكلمنا عن فترة امتحان الإنسان (راجع يش5: 6؛ 1صم17: 16؛ يون3: 4).  وعبثًا نبحث عن أن الشعب صرخ للرب ليخلصه، وكأن الرب كان ينتظر أن الشعب يشعر بوطأة الاستعباد للفلسطينيين فيصرخون له، فيرسل لهم مخلصًا، إلا أنهم بكل أسف هذه المرة لم يصرخوا!! ورغم ذلك، فقد أشفق الرب عليهم وأرسل لهم شمشون مخلصًا دون أن يطلبوا، وكنا نتوقع أنهم سيفرحون به، غير أننا نتعجب عندما نجد 3000 رجل من يهوذا يجتمعون لا ليخرجوا وراء شمشون ليحررهم من سطوة الفلسطينيين، بل ليسلموا مخلصهم للفلسطينيين، قائلين له: «أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا» (قض15: 11)؟!! ويبدو أنه من تكرار فعلهم الشر، وكثرة ما عانوا من ذل وهوان تبلَّدت مشاعرهم وحواسهم، وما عادوا يكترثون بذل العبودية، وهوان الاستعباد. وتعجبنا يزداد عندما نزل شمشون معهم وواجه الفلسطينيين وضرب ألف رجل، إذ لا نقرأ شيئًا عن الثلاثة آلاف رجل من يهوذا أنهم اشتركوا معه، بل عندما عطش شمشون لم يجد واحدًا منهم يُقدم له جرعة ماء؟!! أين ذهبوا؟ ولماذا لم يحاربوا وراء مخلصهم؟ نعم لقد فقدوا حماسهم، وأصيبوا بحالة من الفشل والإحباط، وانطبق عليهم ما قيل عن يساكر: «يساكر حمار جسيم رابض بين الحظائر. فرأى المحل أنه حسن، والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدًا» (تك49: 14، 15)!! 
وأخيرًا أقول أي من الآفات الثلاث أكثر ضررًا: هل عندما نفقد طهارتنا فنفقد قوتنا، أم عندما نفقد تمييزنا فنفقد نضارتنا، أم عندما نفقد حماسنا فنفقد عزيمتنا؟ في الواقع لكل آفة تأثيرها الضار والخطير، لكنني أعتقد أن أكثرهم ضررًا وخطورة هو أن نصاب بالفشل والإحباط، ونفقد كل رغبة في النهوض من كبوتنا، فنقنع بالذل ونرضى بالهوان.  ليتنا ندرك أن «الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح» (2تي1: 7). 
                                                                                                                                                  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com