عدد رقم 4 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون نُصرة الطاعة وحكمة الاتضاع  


«وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا.  وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ، وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ.  فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ.

فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ.  فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ.  وَأَمْسَكُوا أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا، وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَأَمَّا ذِئْبٌ فَقَتَلُوهُ فِي مِعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَتَوْا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. وَقَالَ لَهُ رِجَالُ أَفْرَايِمَ: مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلْتَ بِنَا، إِذْ لَمْ تَدْعُنَا عِنْدَ ذِهَابِكَ لِمُحَارَبَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ؟. وَخَاصَمُوهُ بِشِدَّةٍ. فَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا فَعَلْتُ الآنَ نَظِيرَكُمْ؟ أَلَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْرًا مِنْ قِطَافِ أَبِيعَزَرَ؟ لِيَدِكُمْ دَفَعَ اللهُ أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا. وَمَاذَا قَدِرْتُ أَنْ أَعْمَلَ نَظِيرَكُمْ؟. حِينَئِذٍ ارْتَخَتْ رُوحُهُمْ عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ» (قض7: 21-8: 3)

---
سبق في العدد الماضي أن تحدثنا عن نصرة جدعون ومعه الثلاث مئة رجل، تلك النصرة الفريدة تحققت بأسلوب إلهي عجيب على المديانيين ورأينا كيف أن طرق الله التي قد تبدو أحيانًا محيرة، وعادة عجيبة، هي دائمًا صحيحة! وفهمنا المدلولات الروحية والأدبية من الجرار والمصابيح وأسلوب النصرة ذاتها، ثم توقفنا أمام شرف ومسئولية الخدمة مع العمل مع الله «سيف للرب ولجدعون».

وفي هذا العدد نريد أن نتوقف أمام فكرتين تعالجان بصورة كافية ووافية أكبر مشكلتين تواجهان شعب الله دائمًا في كل عصر وجيل.  وأعني بهما: العداء الخارجي والحسد والخصام والانشقاق الداخلي.  فالجزء الأخير من قضاة 7 يوضح علاج الأولى، في حين تتناول الثلاثة أعداد الأولى من قضاة 8 العلاج الناجح للثانية.

أولاً: الطاعة الكاملة:
بدون شروط أو تحفظات، بلا فلسفة أو مناقشات أطاع جدعون كلام الرب حرفيًا وبصورة كاملة، فماذا كانت نتيجة هذه الطاعة البسيطة. نصرة كاملة وغير منقوصة على المديانيين حتى أنهم أمسكوا أميري المديانيين: غرابًا وذئباً (لاحظ أن الغراب يكلمنا عن النجاسة إذ يعيش على الجيف، والذئب يحدثنا عن الشراسة في افتراس فرائسه.  كم يمكن أن نجد في هذه الصورة المزدوجة صورة للشيطان باعتباره واضحًا في قسوة هجومه أو ماكرًا في الإيقاع بضحاياه على الترتيب).

والسؤال اليوم: كيف لشعب الله أن ينتصروا على أعدائهم ’’الروحيين‘‘، مملكة الظلمة في حروبهم الروحية (أف6)؟ أليس بطاعة كلمة الله التي هي «سيف الروح»؟

أحبائي الشباب: إن كنا نتوق إلى نصرة حقيقية (لا خيالية عاطفية) على إبليس وجنوده ومخططاته، فليس سوى الطاعة الكاملة غير المشروطة لكلمة الله ووصاياه هي التي ستمنحنا الانتصارات وستجلب لنا البركات دون فلسفة أو مناقشات ودون ذلك هيهات هيهات! إن الطاعة للرب، كانت ولازالت، وستظل هي أساس كل نهضة روحية حقيقية لشعب الله أفرادًا، وبيوتًا، وكنائس.
لقد كان بوسع جدعون ومن معه أن يعترضوا على كلام الرب الواضح في حديثه عن الجرار، والمصابيح في معركة حربية مع المديانيين، ويسوقوا عشرات الحجج والبراهين (الإنسانية المنقوصة) من نوع: لم نسمع عن هذا من قبل، وكيف؟ ولماذا؟ ولماذا لا نستخدم الأسلحة المعروفة وقتها فقط كسائر الجيوش....الخ، والمؤكد أن الله لا يريدنا أن نلغي عقولنا وتفكيرنا.  لكن المؤكد كذلك أنه يريد أن يرى طاعتنا المعبرة عن ثقتنا فيه ومحبتنا له وولائنا لكلمته حتى لو لم نفهم كل طرقه.

ثانيًا: حكمة الاتضاع:
قيل: إن أعظم التجارب وأخطرها هي التي تأتينا عادة بعد الانتصارات العظيمة، وهذا صحيح.  «وَقَالَ لَهُ رِجَالُ أَفْرَايِمَ: مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلْتَ بِنَا، إِذْ لَمْ تَدْعُنَا عِنْدَ ذِهَابِكَ لِمُحَارَبَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ؟ وَخَاصَمُوهُ بِشِدَّةٍ» (8: 1).  فدائمًا للهزيمة كبش فداء واحد، وللانتصار كثيرون بلا عدد يريدون أن يظهروا في المشهد عنده! لقد كان المديانيون متسلطين على إسرائيل سبع سنين (6: 1)، فأين كان أفرايم طوال هذه المدة؟ وهل ما عمله جدعون كان في الخفاء؟؟ ألم يهدم مذبح البعل والسارية التي له في بيت أبيه أولاً وقد رأى وسمع الجميع؟ (6: 8).  وهل عندما دعا جدعون وضرب بالبوق وأرسل رسلاً إلى «منسى وأشير وزبولون ونفتالي» كان يتعمد احتقار «أفرايم»؟ وهل كل من أتى إلى جدعون سمح له الرب أن يحارب المديانيين معه؟ الإجابة هي بكل يقين كلا كما رأينا.  لكنها ’’الغيرة‘‘ و ’’الحسد‘‘ وهما من أعمال الجسد: الطبيعة الرديئة التي فينا حتى كمؤمنين «وخاصموه بشدة».

أحبائي الناجحين روحيًا والمستخدمين من الرب بوضوح: هل خاصمكم أحد من شعب الله «بلا سبب» سوى نجاحكم وتقدمكم الروحي؟ احذروا فخ إبليس إذًا فهو «زَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ» (أم6: 19).  إن الأمر يحتاج إلى حكمة الاتضاع التي استخدمها جدعون المنتبه لنفسه جيدًا وهو في قمة انتصاره على المديانيين.  فقال لهم: «مَاذَا فَعَلْتُ الآنَ نَظِيرَكُمْ؟» وكأن ما فعلوه هم أعظم مما فعله هو! «أَلَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْرًا مِنْ قِطَافِ أَبِيعَزَرَ؟» وكأن نسبهم وحسبهم هم أفضل من حسبه ونسبه هو «لِيَدِكُمْ (وليس ليدي) دَفَعَ اللهُ أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا.  ثم يقول: «وَمَاذَا قَدِرْتُ أَنْ أَعْمَلَ نَظِيرَكُمْ؟ حِينَئِذٍ ارْتَخَتْ رُوحُهُمْ (المحتدة قبلاً) عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ».

أحبائي: كم كان الأمر سيتحول إلى مأساة – كما يحدث مرارًا بيننا كإخوة بكل أسف - لو أن جدعون واجه الجسد بالجسد! لو أنه احتد بروحه عليهم بأنهم ما ضحوا بشيء ولا فعلوا شيئًا نظير ما فعل هو والرجال الذين معه، بينما وقف أفرايم بعيدًا يتحجج بأنه «لم تتم دعوته» وكأن عمل الله يحتاج دعوة من أحد من البشر!!

لكن حكمة الاتضاع في التصرف وفي الحديث، «الْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ» (أم 15: 1) أديا إلى تفويت الفرصة على الشيطان وتحقيق نصرة في الداخل لا تقل أهمية أبدًا على النصرة التي تحققت في الخارج على المديانيين.  لقد تمجد الرب باتضاع جدعون وحكمته، وارتخت روح أفرايم عنه، وانتهت مخاصمة لم يبدأها جدعون ولم يكن طرفًا فيها لكنه نجح بامتياز في أودها في مهدها! هذا أدى إلى فرح شامل بالنصرة لكل شعب الرب سواء شاركوا أو لم يشاركوا في المعركة، بدلاً من أن يسود الخصام والاحتقان بين الإخوة فتضيع الفرحة ويشمت الشيطان.  ولعلنا نتذكر التصرف الروحي لإبراهيم عندما حدثت المخاصمة بين رعاة مواشيه ورعاة مواشي لوط ابن أخيه، وكيف تصرف بحكمة وكان حريصًا على الشهادة أمام الكنعانيين، فترك حرية الاختيار للوط، حتى لو كان سيتحمل الخسارة، لتظل المحبة قائمة ويسود السلام وتنجح الشهادة. 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com