عدد رقم 4 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
بيت الله الذى أصبح بيت كبيراً  

«ولكن في بيت كبير، ليس آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان»
(2تي20:2)

   رأينا في مرة سابقة ”بيت الله“ من المنظور الإلهي، كما قصده الله، والهدف منه، والخصائص التي تُميِّزه.  ورأينا أن هذه كانت رغبة في قلب الله منذ القديم أن يسكن مع الإنسان على الأرض، ويجد راحته في هذا البيت، والله يستعرض أمجاد ابنه فيه، وهو المكان الذي تُقدَّم فيه الذبائح الروحية، وهو مركز الشهادة أمام العالم، والمكان الذي يمارس فيه المسيح سلطانه ورئاسته باعتباره ابن على بيته، وهو بيت الصلاة الذي يُعبِّر عن روح الاتكال وعدم الاستقلال، كما أنه يتميَّز بالقداسة التي تليق بالقدوس الساكن فيه، كما يتميَّز بوجود رعاية روحية واعتناء بالاحتياجات المادية للقديسين والأرامل في الكنيسة.  ولا شك أن هذه المبادئ والخصائص هي عكس ما يسود في العالم المستقل عن الله والمُتمرد على مبادئه.

   كتب الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس في الرسالة الأولى عن ”بيت الله“، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته (1تي15:3)، حيث كان في البداية جميع المؤمنين يُمثلون كنيسة الله، ويحترمون مبادئ بيت الله، ولهم نفس الأفكار والقناعات، وجميعهم يُكوِّنون الكهنوت المُقدَّس والكهنوت الملوكي (1بط5:2، 9).  ولكن بكل أسف عندما سُلِّمت الأمور في يد الإنسان، ظهر الفشل ودخلت إلى المسيحية تعاليم غريبة شوهت الصورة المثالية التي قصدها الله في بيته، وكان ذلك مُبكرًا ومنذ العصر الرسولي.  وعلى الرغم من أن العدد زاد وتضخم، واتسعت دائرة الاعتراف المسيحي، وأصبح بيت الله بيتًا كبيرًا (2تي20:2)، لكنه لم يعد في الصورة الصحيحة التي كانت في البداءة، فظهرت طبقة تسود على الأنصبة وتُمثل رياسة بشرية تقود الأمور وتتحكم فيها، وتعتبر نفسها المسؤولة عن ممارسة العبادة والخدمة، وتحتهم الشعب الذي يتلقن التعليم ويخضع لسلطان هؤلاء القادة.  وبذلك اختفى دور كهنوت جميع المؤمنين وانحصر في أصحاب السلطة، وفقدوا امتياز القيادة بروح الله، والاتصال المباشر بالرأس، ودورهم كأعضاء في الجسد الواحد.  ومع مرور السنين زاد الانحراف عن الحق وعن المبادئ الأساسية لبيت الله، ودخل معلمون كذبة حاولوا خلط المسيحية باليهودية، واعتبروا أن المسيحية هي امتداد لليهودية، وطالبوا بحفظ الناموس، والعودة إلى طقوس وفرائض العهد القديم، والنظام الكهنوتي، والهيكل الأرضي، والذبائح المتكررة، ولم يقنعوا بذبيحة المسيح الكفارية وكفايتها إلى الأبد.  واستغل هؤلاء القادة نفوذهم في المصالح الشخصية والمكاسب المادية، وتحولت الأمور الروحية إلى تجارة، وانعدمت التقوى، واختفت كلمة الله من حياة الناس، وما عادت هي المرجعية التي تحكم حياتهم وعبادتهم وإنما تقليد الآباء.  والناس استسلموا لهذا الوضع، وانغمسوا في العالم تاركين الروحيات لأهل الخبرة.  وبعد فترات دخلت مبادئ وثنية إلى المسيحية الإسمية كعبادة الصور والتماثيل و...،  وكل هذا لم يكن من البدء ولكنه تسرب عبر العصور المظلمة التي انتشر فيها الضلال حتى وصل إلى الحصول على الغفران والتبرير والحياة ومكان في السماء بالأموال والأعمال، وليس بالتوبة والإيمان بعمل المسيح.

   وظل الحال كذلك إلى أن افتقد الرب الكنيسة بنهضة عظيمة قادها رجال الإصلاح وعلى رأسهم الراهب الألماني الشهير مارتن لوثر في القرن السادس عشر، الذي نادى بأن التبرير والقبول أمام الله لا علاقة له بالكرسي البابوي في روما، ولا يمكن الحصول عليه بالأموال ولا الأعمال بل بالإيمان بعمل المسيح الكفاري في الصليب.  وقد عكف على دراسة الكتاب المقدس وترجمه إلى الألمانية، وفي عصره اختُرعتْ الطباعة، وكان أول كتاب طُبع هو الكتاب المقدس.  كان رجال الإصلاح الأوائل أتقياء ومخلصين والرب صادق على عملهم وكانت يده معهم، وأجرى بواسطتهم نهضة عظيمة.  وعلى الرغم من أنهم لم يصلوا إلى كل الحق، وظلت بعض الأمور غامضة أمامهم، لا سيما الحقائق الكنسية، ووحدة الجسد، وكسر الخبز، ورجاء مجيء الرب للاختطاف، والفرق بين إسرائيل والكنيسة، وتباين التدابير، والمُلك الألفي، ... الخ، وهذا ما نادوا به الإخوة الأوائل في القرن التاسع عشر بعد ذلك، لكن ما عملوه كان في وقتهم معجزة للخروج من سيل الضلالات التي انتشرت، وأهم شيء هو العودة إلى الكتاب الذي ظل عبر القرون هو كتاب الله الذي حُفظ بقوة الله وسلطانه، ولم يتسرب له أي تحريف أو حذف أو إضافة تحت إشراف السماء رغم الاختلافات الطائفية.

   بعد رحيل رجال الإصلاح الأتقياء، قام جيل آخر حاول أن يحافظ على شكل الأمور دون أن يهتم بالجوهر، فظل النظام الكنسي دون روح أو حياة أو قوة حقيقية (رؤ1:3)، فلقد ذهبت التقوى، وما عاد الكتاب كله والكتاب وحده هو المرجعية للناس، بل دخلت مبادئ عصرية اجتماعية ونفسية وعالمية وأصبحت هي الأهم، وحدث تحول وانحراف خطير عن الحق، وما عادت القداسة هي الطابع المُميِّز لبيت الله، وأصبحت العبادة شكلية مُنمَّقة جذابة لتعجب الناس، وكثيرون ما عادوا يحتملون التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مُستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات.  صاروا يشككون في الوحي اللفظي والتعليم الرمزي، ونادوا بمبادئ تحررية، وأن بعض التعاليم التي نادى بها بولس هي مجرد أفكار وآراء، وأن بعض الأمور كانت تناسب فقط الكنائس المحلية في يومهم، ولكنها لا تنطبق علينا الآن.  واستحسنوا أشياء كثيرة في العبادة والخدمة لأنها تروق للناس وتجذبهم، وسمحوا للمرأة أن تُعلِّم في الكنيسة وتقود، ورفضوا غطاء الرأس، وأدخلوا الموسيقى الصاخبة في العبادة الكنسية، ورفضوا قيادة الروح القدس الذي يستخدم كل الأعضاء في اجتماع الكنيسة قاسمًا لكل واحد كما يشاء، وصارت العبادة والخدمة مُرتبة مسبقًا ترتيبًا بشريًا، ورفضوا أن يكون الرب هو الرأس والرئيس في الاجتماع، ورفضوا أن يكون كسر الخبز في أول كل أسبوع، بل حسبما اتفق، ولا يمكن أن تستشعر كهنوت جميع المؤمنين، ولا أن الهدف الأول هو إكرام الرب الذي نُقدِّم له سجودنا في طاعة وتقوى وزينة مقدسة، بل الهدف الغير مُعلَن هو إرضاء الناس.  وتحول القادة من هدف إطعام الخراف إلى مداعبة الجداء، وعوضًا عن تقديم الطعام الجيد من كلمة الله الصافية للنفوس، صاروا يقدمون الفتات من الطعام مع أكبر قدر من التسليات والموضوعات العلمية والفلسفية والنفسية والاجتماعية، وهذا ما يروق للسامعين ويجذبهم.  وتحولت الكنيسة التي مات المسيح لأجلها إلى مؤسسة اجتماعية تساهم في خدمة البيئة، وهدفها تحسين حالة المجتمع، دون النظر إلى أهمية الخلاص الأبدي ونوال الحياة الأبدية.  لقد صار من العسير أن تُميِّز المؤمن عن غير المؤمن، واختلطت أواني الكرامة مع أواني الهوان، والزرع الجيد مع الزوان.

  هذا وقد جنح فريق آخر إلى الاتجاه الكارزماتي والمعجزات والآيات وكل الظواهر الغير عادية لاجتذاب الناس وراءهم، وطلبوا انسكاب الروح القدس من جديد كما حدث يوم الخمسين.  وهكذا اختلطت الأمور والمبادئ داخل البيت الكبير.  فهناك لا زال الأتقياء والأمناء الذين يتمسكون بالحق ويحبون الرب يسوع في عدم فساد ويبحثون عن مجده وسط كنيسته، وهناك من تحولوا عن الحق إلى الخرافات لأجل مصالحهم الشخصية وإرضاء الناس.  وهناك من يعرجون بين الفرقتين دون أن تفرق الأمور معهم، وينطبق عليهم خطاب الروح لملاك كنيسة لاودكية: لست باردًا ولا حارًا، هكذا لأنك فاتر (رؤ15:3).  وعلى الشخص الأمين أن يقف في صف الرب ضد تيار الانحراف، ويتمسك بالحق في جو المحبة والسلام مع الجميع بكل تواضع، في انتظار مجيء الرب القريب لينال المدح من فمه الكريم. 
وللحديث بقية إذا تأنى الرب
                                                                                                                                                                                          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com