عدد رقم 1 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الشيطان يكشَِّر والإنجيل ينتشر  

1- الأعمال الشيطانية والمعاملات الإلهية. 
نشهد في هذه الأيام أحداثًا متوالية غير مسبوقة، هبت على المنطقة العربية كلها كالعاصفة.  ومهما كانت أسبابها من منظور الناس لكننا نعلم أنه لا يحدث شيء صغير أو كبير خارج نطاق سلطان الله.  هذه الأحداث تحمل المزيج من صور التغيير لكن أحد عواقبها المؤسفة، أنها تسببت في خسائر فادحة لا تقدر بمال ولا تصف هولها مرثاة إذ راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشباب.  لم تصرعهم كارثة طبيعية ولا أمراض مستعصية ولا حتى نزاعات دولية بل قتلوا على أيدي بني شعوبهم بأبشع صور العنف.

الشخص الوحيد الذي يرى هذه المأساة أنها نهضة تاريخية هو الشيطان، القتال منذ البدء.  فهو العدو الذي لا يفوت فرصة للعمل، ولم يتوقف عند هذا الحد من سفك دماء البشر وإثارة الرعب في الأحياء منهم، لكنه يسعى بكل قوته أن يبعدهم عن طريق الخلاص الأبدي.  وضع الشيطان في أجندة أعماله أن يقاوم الإنجيل  ويضيق على المؤمنين ويهددهم من خلال وكلائه الأشرار على الأرض، سواء بالأسلوب الصريح أو بالتلميح، بالقلم أو باللسان، مستخدمًا كل الوسائل الممكنة مثل الوسائل الإعلامية أو المطبوعات بمختلف أشكالها.  يحيك الشيطان مؤامراته الشريرة ويشن هجومه الشرس على رجال الله فيظهر للناس في بادئ الأمر أن العدو قد نجح، لكن سرعان ما يتدخل الله بسلطانه ويستخدم نتائج تلك المكايد الشيطانية ليصنع منها خيرًا لعبيده ويحصل مجدًا لاسمه. 
 
عندما يشمر العدو عن ذراعه ويكشر عن أنيابه، حينئذ نرى الرب وهو يظهر روائعه ويصنع عجائبه. سلطان الله يتألق ويتجلى في الظروف الحالكة.

2-بولس يتألم والإنجيل يتقدم

أدعوك عزيزي القارئ أن تتأمل معي في ظرف مشابه، نرى فيه سلطان الله وكيف يستخدم شر الشيطان ليخرج منه نور الإنجيل.  هذا ما أراد الرسول بولس أن يشجع به المؤمنين في فيلبي وهو في السجن فكتب إليهم قائلاً: «ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ الإِنْجِيلِ»( في12:1).
علم بولس أن كل الأشياء تعمل معًا للخير، وإن كان الرب في مشيئته الصالحة وسياسته الحكيمة شاء لرسوله أن يدخل السجن، فيقينًا سيخرج من هذا البلاء بركات كثيرة.  لم يكن بولس مشغولاً بآلامه وسجنه بل أراد أن يشجع إخوته في فيلبي الذين سمعوا عن الظروف التي يمر بها، فخشي أن يتسلل الخوف إلى قلوبهم أو تتزعزع ثقتهم في الرب، لأنه ترك خادمه يقاسي هذه الآلام، وربما ظنوا أن هذا سيؤثر سلبًا على تقدم الكرازة بالإنجيل، فشرح لهم كيف أن الظروف غير المواتية في نظر الناس والتي يعتبرونها ضربة مدمرة لخدمة بولس هي بعينها المجال الذي يظهر فيه الرب قدرته الفائقة وسلطانه المطلق أن يخرج من الموت حياة، وفي آلام المقاومة ترفرف أعلام الإنجيل وتعلو أناشيد النصرة. 
في كل مرة يكثف الشيطان جهوده وهو يضطهد الكنيسة كان اسم المسيح يتعظم وا
لإنجيل ينتشر، هذه هي دواعي سرور بولس وسر فرحه.

 3ـ نور الحق الثمين يشرق في قلوب المقاومين

 كان بولس متيقنًا أن الرب هو الضامن لاستمرارية الشهادة، وهكذا آلت قيود بولس إلى انتشار أوسع لرسالة الإنجيل.  كلمة "أكثر" تصف حجم انتشار الإنجيل وكيفية وصوله، وأيضًا تعني «بالأحرى» ،أي أن النتائج خيبت ظنون المقاومين، فالرياح العنيفة التي اعتقدوا أنها ستعصف بالإنجيل هي بذاتها التي دفعته وحملته إلى أماكن وأفراد ما كان ممكنًا أن يصل إليهم.  هذه هي ملابسات قيود بولس التي تألقت فيها أصابع القدير، صاحب السلطان الذي يصنع الأحداث ويرتبها، وفي النهاية رأيه يقوم ويفعل كل مسرته.  كلمة "تقدُّم" تأتي باليونانية: «بروكوبيه» προκοπ  والفعل المشتقة منه الكلمة  « بروكوبتاين» يعني : يشق طريقه وسط الصعاب.  ويستخدم هذا الفعل عندما تجتاز فرقة أمام الجيش لتشق طريق وسط الغابات والطرق الوعرة لتمهد سبيلاً لجنود المشاة.   كأن الرسول بولس أراد أن يقول للمؤمنين في فيلبي: إن كان لدي خطة وتصور معين به تصل رسالة الإنجيل للنفوس فالرب قد أنجز ذلك بصورة أروع جمالاً وأوسع مجالاً مما رجوت.

 تعبير "أريد أن تعلموا" يبين أهمية الحقيقة التي يريد أن يلفت انتباههم إليها.  كما أنها تكشف لنا عما في قلب بولس . إن جل مراده لا أن يستعفي من الألم بل أن يتقدم الإنجيل.  تتكرر كلمة الإنجيل ستة مرات في الأصحاح الأول في ع 5، 7، 12، 17، ومرتين في ع 27. فالإنجيل يشغل فكره وقلبه.  كما أن بولس كان واثقًا أن هذه الأخبار العظيمة سوف تبث في قلوبهم شجاعة وفرحًا كما أنها تعظم الرب الذي يخرج من الجافي حلاوة.  ومن (في1: 13) نفهم أن الجميع علموا بقيود بولس، لا بسبب جريمة أو ذنب بل بسبب كرازته بالمسيح.  ويا له من هدف جليل لكل خادم للمسيح وغرض يستحق الجهاد واحتمال المشقات. هذا ما يصبو إليه بولس ويستهلك طاقته ووقته، وهذه هي رغبته الدائمة حيثما توجه.

4ـ سفير في ثياب الأسير 

نستطيع أن نرى أولوية التبشير بالإنجيل في برنامج أعمال بولس من قوله: «إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (1كو 9: 16) 
قال الرب يسوع: "حيث يكون كنزك فهناك يكون قلبك أيضًا".  ما هو ثمين في أعيننا سيشغل قلوبنا.  بالنسبة لبولس لم تكن نفسه ثمينة عنده (لم يحتسب لذاته وما تطلبه نفسه) بل الذي كان ثمينًا على قلبه هو إنجيل المسيح.  يا ترى ما هو الذي نحسبه ثمينًا؟ ما الذي نروم أن ننجزه؟ ما هي نوعية الأشواق التي تلتهب بها قلوبنا وتسود على مشاعرنا؟  

هل نتصور أن تلك الفترة من الوقت ظل فيها بولس صامتًا؟ كلا، فإن بولس لا يفوت فرصة للكرازة بالمسيح إلا ويستغلها.  وبدون شك كان يتحدث مع كل جندي في دار الولاية، في نوبة حراسته، عن سبب سجنه، وهكذا كان يبشره بإنجيل المسيح.  وفي غضون عامين صار الأمر معلومًا للجميع هناك.  يا لها من طريقة عجيبة للكرازة الفردية حيث لا يستطيع الشخص أن يتهرب من سماع صوت النعمة بل كان مُلزمًا أن يستمع للرسالة كاملة وواضحة، كما أنه ملزم أن يرى سجينًا مختلفًا، كل كلامه بنعمة مصلحٌ بملح، يعطي أقولاً تنبع من قلب عامر بالمحبة الصادقة للرب، وكلماته ممتزجة بقوة الروح القدس.  إنها فرصة لكل جندي في دار الولاية أن يرى سجينًا غير متذمر بل صابرًا وشاكرًا، سعيدًا ويتمنى أن يكون الجميع مثله ما عدا آلام القيود.
  الناس ترى بولس مأسوراً مع جندي روماني بينما الحقيقة هي أن جنود دار الولاية جميعاً قد صاروا أسرى مقيدين في يد كارز عظيم  للمسيح، هو سفير في سلاسل ليصل إليهم صوت نعمة الله ممتزجاً بصوت صليل القيود.

   5ـ يد الرب لم تقصر عن أن تخلص من بيت قيصر

 ما أعجب الطريقة التي يعمل الله بها كي يطلق أسرى بائسين من سجون الخطية مرسلاً إليهم رسول المسيح الذي كان مدركًا للحقيقة أنه سفير في ثياب الأسير، فهانت عليه كل أتعابه في سبيل إتمام إرساليته.
ربما حدث ذلك، جوابًا من الرب لصلوات كثيرة رُفعت من أجل خلاص هذه النفوس من بيت قيصر.  وما أعجبها استجابة! إنها بحسب الظاهر تحسب  قهرًا للإنجيل لكنها في الحقيقة نصرًا له.  لا شك أن الذين آمنوا صاروا مبشرين محليين في دار الولاية أيضًا كما ارتبطت قلوبهم بإخوتهم في المسيح حتى أننا نرى بولس في نهاية الرسالة يبلغ المؤمنين في فيلبي تحيات القديسين الذين من بيت قيصر. 

«وَفِي بَاقِي الأَمَاكِنِ أَجْمَعَ» هذه العبارة تشمل جميع الذين من بيت قيصر بالإضافة إلى جميع سكان روما. روما ليست كبيرة بالدرجة التي يخفى على أحد خبر له تأثيره وأهميته.  على الأرجح كانت شهادة بولس موضوع حديث كل المدينة لدرجة أن البيت الذي استأجره كان يعج بالجموع الغفيرة التي تأتي كي تستمع له. 

عزيزي.. الرب يسمع الصلوات التي نرفعها بإيمان من أجل خلاص النفوس المسكينة، والرب لم يزل يجتذب نفوسًا كثيرة من بيت قيصر وهذا ما نراه اليوم.
 نعمة الله تعترض أمثال شاول الذي كان يومًا مضطهدًا للكنيسة ومقاومًا للمسيح وتجتذبهم بصور تفوق تصوراتنا. معرض نعمة الله يمتلئ بالأواني الكريمة التي تشهد عن خلاصه العظيم و تستخدم لمجده بكل قوة . 
يمكنك أن تشارك في هذا الحصاد العظيم إن أردت، بصلاتك وباستعدادك أن تشهد عن مخلصنا الوحيد سواء بجوابك على أسئلة الباحثين أو بالسلوك المسيحي القويم. 
                                                                                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com