عدد رقم 1 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون شعب كثير على الرب!  

«فَبَكَّرَ يَرُبَّعْلُ، أَيْ جِدْعُونُ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَنَزَلُوا عَلَى عَيْنِ حَرُودَ ... وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي.  وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلاً: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ. فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ.  وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ ... وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ.  وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل.  وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ. فَأَخَذَ الشَّعْبُ زَادًا بِيَدِهِمْ مَعَ أَبْوَاقِهِمْ... وَكَانَتْ مَحَلَّةُ الْمِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي» (قض1:7 -8).

هل صدمك العنوان عزيزي الشاب؟! وهل يمكن لشعب أن يكون حقًا كثيرًا على الرب؟ يقينًا لا يعني ذلك أن الرب بكفايته غير المحدودة لا يسع شعبًا مهول العدد ولو بقدر سكان العالم بأسره في أية لحظة في التاريخ.  كما أنه بالقطع لا يعني أن الرب لا يريد الكل أو لا يرحب بالجميع فهو يريد أن «جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تي 2: 4) لأنه «هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو3: 16).  بل وحتى في أضيق الدوائر، دائرة الاجتماعات والشركة والكنيسة؛ يقول «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (مت18: 20).  لاحظ اثنان أو ثلاثة وليس (ثلاثة أو اثنان)، فالرب يسر بأن يبارك الكل ويفرح بأكبر عدد من أتقيائه الذين يحيطون من حول اسمه الغالي الكريم.

ولكن الرب عمومًا، وفي خدمته خصوصًا؛ يهمه الكيف قبل الكم.  والمسألة هنا – كما رأينا في الحلقات السابقة- هي محاربة المديانيين؛ أعداء الرب وشعبه.  وبالتالي فإن عددًا كبيرًا مع جدعون سلبياته أكثر من إيجابياته كما يلي:

أولاً: الرب وعد جدعون بمعيته له وبالنصرة (ص6: 16)، وفي حالة العدد الكبير الذي تقدم للحرب مع جدعون (32 ألفًا) فإن الخطر يكمن في أن يفتخر إسرائيل على الرب قائلاً: «يدي خلصتني»، وهو السبب المباشر والرئيسي والذي أعلنه الرب لجدعون (7: 2).

ثانيًا: الرب يريد أصحاب الدوافع المقدسة، وليس فقط أصحاب الأيادي العاملة، وكان منطقيًا أن تكون الرغبة الطبيعية في الانتقام ممن أذلوهم لنحو سبع سنوات (المديانيين) محركًا لدى الكثيرين ممن تقدموا للحرب مع جدعون.

ثالثًا: الرب يريد أصحاب التدريبات الإلهية السابقة على الخدمة العلنية وهي تدريبات كشفها امتحانان متواليان من الرب لهذه المجموعة الأولية قلَّلت العدد كثيرًا، والواقع أن هذا أمر في منتهى الأهمية، فالرب ليس فقط يهمه ماذا نقول، أو حتى ماذا نفعل، بل من نحن في ذواتنا وتدريباتنا السرية قبل الظهور للخدمة الجهارية.

ولنلاحظ أن صاحب ملاحظة العدد الكثير لم يكن هو جدعون.  فالنظرة البشرية الطبيعية ترحب بالأعداد الضخمة، وقد تعتبرها من مظاهر النجاح الروحي أو المصادقة الإلهية على العمل.  وهي بالقطع ليست بالضرورة كذلك في عيني الرب.  حتى ولو بدا الأمر مريحًا أو مشجعًا للخدام والقادة أو لعامة شعب الله.  وهو درس حري بنا أن نستوعبه وبالأخص في أيامنا الحاضرة.

كما نلاحظ أن من وضع الامتحانات لتصفية الأعداد والحشود الضخمة التي مع جدعون كان هو الرب كذلك وليس جدعون أو غيره من الشعب، فليس سوى الرب الذي يعرف السرائر، وهو فاحص القلوب ومختبر الكلي.  وهو الإله العليم، والوازن الأرواح، ووازن الأعمال كذلك.
الامتحان الأول: (الخائفون والمرتعدون) «وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلاً: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ.  فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ» (ع3).

أمر عجيب! يوضح أن غالبية من كانوا مع جدعون ’’ظاهريًا‘‘ كانوا خائفين ومرتعدين ’’داخليًا‘‘.  وهذا يؤكد ما سبق أن ذكرناه من أن الرب وحده هو الذي يعرف ’’قلوب الجميع‘‘ وليس جدعون! نعم وليس أفضل الخدام أو أعظم القادة!! إن نحو سبعين بالمائة رجعوا لهذا السبب!!
الامتحان الثاني: (امتحان الماء) 

كان الامتحان الأول شفهيًا وإن اخترق دوافعهم، أما الامتحان الثاني فكان عمليًا يكشف تدريباتهم.  قال الرب لجدعون: «لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ. وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا يَذْهَبُ مَعَكَ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ. وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا لاَ يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ لاَ يَذْهَبُ.  فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ.  وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل» (ع4-6).  وبهؤلاء  الثلاث مئة رجل خلص الرب شعبه كما سنرى لاحقًا.

والآن ما هي الدروس؟ ما هي أهم الخصائص والصفات التي يريد الرب أن يراها فيمن سيستخدمهم لخلاص شعبه وبركتهم في أيام شريرة كأيام القضاة؟ (وهي نفس مبادئ الله الثابتة دائمًا) ويمكننا أن نوجزها في الآتي:

1. التخلي عن الأنانية وقبول التضحية (ليرجع الخائفون والمرتعدون).

2. التخلي عن حياة الراحة والاسترخاء والمتع المشروعة (أما باقي الشعب جميعًا –أي باقي العشرة آلاف- فقد جثوا على ركبهم لشرب الماء، وهو الوضع الطبيعي المريح للشرب).

3. تقدير قيمة الوقت غاليًا، فمن كان يلغ بلسانه ليشرب دون أن يجثوا، برهن على تقديره الكبير لقيمة الوقت فنحن في ميدان معركة وحرب وليس ميدان هزل ولعب. وعلينا أن نتذكر السؤال الفاحص الذي سأله أليشع لجيحزي: "أهو وقتٌ"؟!

وفي النهاية، كما قلَّص الامتحان الأول العدد لنحو 30%، قلصه الامتحان الثاني لنحو أقل من واحد بالمائة!! ثلاثمائة رجل من أصل 32 ألفًا! فيا للعجب!
إن الرب وحده هو المخلص «للرب الخلاص» (يون2: 9)، وهو دائمًا ليس عنده مانع أن يخلص بالكثير أو بالقليل (1صم14: 6)، والإيمان - الذي يطرد المخاوف ويقبل التحديات والتضحيات- جعل من رجال بمفردهم يقال عنهم: «قَهَرُوا مَمَالِكَ» (عب11: 33)، ويقينًا فإن خلاصًا كهذا من عدو لدود كهذا بجدعون ومعه ثلاث مئة رجل فقط، يجعل كل الفضل والفخر والمجد يعود للرب وحده.

وأمسك الثلاث مئة الرجل بــ (ال) التعريف.  إن مثل هذه العينات التي اجتازت تدريبات إلهية، حري بنا أن نمسك بها لا سيما في أيام الضعف.  وقد كانوا معه من البداية على «عين حرود» وهي عين الماء التي تشير إلى كلمة الله، والتي معنى اسمها (عين الخوف والرعدة)، وحري بكل من يخدم الرب أن تكون مادة خدمته كلمة الله، وأسلوب تقديمها نظير خدمة الرسول بولس: «وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ،» (1كو4:2).  والرب ينظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامه (إش2:66).

 ترى -أعزائي الشباب- أين نقف نحن من هذه الدروس الهامة والجميلة اليوم؟ ليتنا جميعًا نكون نظير هؤلاء الثلاث مئة الرجل لمجد الرب وبركة شعبه.
                                                                                                                                                        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com