عدد رقم 1 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هل تعيش حقًا مُتَميِّزًا؟  

تكلمنا في مقال سابق عن تقدير الرب الرائع لنا، حتى أنه سار إلينا ليفتدينا لنفسه، فنحن الفئة المستضعفة في أعين الناس، ولا قيمة لنا في أعين أنفسنا، لكن لنا كل التقدير والاهتمام من جانب الرب.  ولكن دعونا نرى المشهد من منظور مختلف.  هل حقًّا حياتنا تُعبِّر عما نحن عليه من تميُّز؟  هل لنا سمة خاصة تُظهر وتعلن بوضوح وجلاء أننا نختلف عمَّن حولنا؟ كيف يقرأ الناس حياتنا وسلوكياتنا؟ كيف يروننا حتى في إخفاقنا وضعفنا؟ بل كيف يتعرفون علينا ونحن نشهد عن المسيح؟  
سوف نحاول بنعمة الرب أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال ثلاثة مواقف لأناس عاشوا قبلنا، واستطاعوا أن يحتفظوا بتميزهم الرائع كمن ارتبطوا بالرب وصارت لهم علاقة حقيقية معه.

أليشع: «عَلِمتُ أنه رجل الله مُقدَّس» (2مل4: 9).
ما أروع الصفة التي عُرِف بها أليشع عند تلك المرأة العظيمة! إنه ”رجل الله مُقدَّس“. لقد كان أليشع باعتباره نبي الله رجلاً معروفًا ومشهورًا، ولقد عرفته امرأة من نساء بني الأنبياء كمن له القدرة على حل مشكلتها (2مل4: 1)، كما استطاعت الفتاة المسبية أن ترى فيه من له القدرة على الشفاء من البرص (2مل5: 3)، وعرفه ملك إسرائيل كمن يعرف السرائر (2مل6: 9)، إلا أن ما استطاعت تلك المرأة الفطنة أن تلاحظه في رجل الله ليس كل هذا رغم عظمته، إنها لم تنجذب لقدراته الفذَّة، بل لحياته المقدسة!

لقد كان أليشع كلما عبر إلى شونم يميل عندها ليأكل خبزًا، ولا نقرأ آنذاك عن أعمال خارقة قد عملها، لكن حتمًا كانت حياته وتصرفاته تُعبِّر عن رجل له علاقة حقيقية بالرب، رجل يفهم في الذوقيات الإلهية، رجل يعرف أن يسلك في تقوى الله، ومن ثمَّ استطاعت تلك المرأة أن تتكلم عنه مع رجلها وتشهد أنه ”رجل الله مُقدَّس“.

أخي الشاب أي انطباع يمكن أن تتركه في من يتعامل معك؟ في حياتك الطبيعية كيف يقرأ الناس تصرفاتك؟ أ يمكن أن يصفونك بأنك شابٌ مُقدَّس، أم يرونك كواحدٍ منهم لا تفرق عنهم شيئًا.  إنني لا أتكلم عن مدى لباقتك وشهامتك وحسن تصرفك في المواقف الصعبة، بل عن مدى طهارتك ونقاوتك في حياتك الطبيعية اليومية، وإلى أي مدى تحرص في تعاملاتك على رضى الرب؟ استمع معي إلى كلمات الرب المشجعة: «عيناي على أمناء الأرض لكي أُجلسهم معي. السالك طريقًا كاملاً هو يخدمني» (مز101: 6).  واعلم أننا صرنا «رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون، وفي الذين يهلكون» (2كو2: 15). 

بطرس: «أنت منهم لأنك جليليٌ أيضًا ولغتك تُشبه لغتهم» (مر14: 70).
لم يكن بطرس في حالة من النضارة الروحية كما كان أليشع، بل كان في أسوإ حالاته، ذاك الذي اعتاد على صحبة ورفقة التلاميذ، ها نحن نراه محشورًا وسط العبيد والجواري، والذي اعتاد على أعذب الأحاديث من فم الرب، نراه يملأ أذنه بكلمات الهزء والسخرية الموجهة للرب نفسه.  فلا عجب أن يفقد نضارته وتوهن قوته الروحية، بل ولا عجب أن نراه يجتهد في أن يُوجِد حديثًا مشتركًا بينه وبين العبيد ليزيد من إخفاء نفسه كتابع للمسيح، لكن هل نجح بطرس في أن يظهر نفسه كإنسان عادي لا علاقة له بالمسيح؟  هل نجح من خلال تصرفاته وحديثه أن ينفي عن نفسه شبهة أنه من أتباع المسيح؟ الإجابة المدهشة هي لا!!  دعونا ندرك أننا لسنا أمام رجلٍ ممتلئ من القوة الروحية ويحاول أن يُظهر نفسه كتابع للمسيح، بل على العكس تمامًا، أمام رجل في ضعف روحي، ممتلئ بالخوف والرعب، يحاول بكل قوة أن يخفي أية علاقة له بالمسيح، ومع هذا فشل، وقد أجمع الحاضرون أنه من أتباع المسيح، وهذا ببساطة لأن «لغته تُشبه لغتهم»!  نعم لقد اجتهد بطرس أن يخفي نفسه، لقد تبع الرب من بعيد، وفضَّل مجلس المستهزئين مع العبيد، ولكنه لم يستطع أن يُغيِّر لغته.  إن تلاميذ المسيح لهم لغتهم الخاصة والتي لا يستطيعون أن يخفوها، وهذا ما نراه هنا مع بطرس، فإن تغيَّر حاله، لم يعرف أن يُغيِّر كلامه وما أعجب ذلك!! قد تحاول أخي الشاب بحسن نية أن تمتزج مع رفقائك، وأن تجتهد في أن تتشبَّه بهم، محاولاً باجتهاد أن تخفي هويتك المسيحية، وأنك تابع للمسيح.  اعلم أخي إن كنت مؤمنًا حقيقيًّا، وقد وُلدت من الله أنك لن تستطع أن تغير لغتك، لن تستطيع أن تتكلم مثل سائر الناس، لأنك ببساطة منذ لحظة إيمانك بالرب انطبقت عليك كلمات الرب لتلاميذه: «ليسوا من العالم كما أني لست من العالم» (يو17: 16). إن أفرايم في يومه رغم أنه كان يواجه الذبح من رجال يفتاح لم يستطع أن يُغيِّر لغته (قض12: 6)!! وأنت صديقي الشاب هل تعتز بلغتك كمسيحي حتى وإن تعرضت للمخاطر والاحتقار؟ ليتك تضع أمامك على الدوام نصيحتي الرسول بولس للمؤمنين في كلٍّ من أفسس وكولوسي: «لا تخرج كلمة رديّة من أفواهكم بل كل ما كان صالحًا للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين» .. «ليكن كلامكم كل حين بنعمة مُصلحًا بملح لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد» (أف4: 29؛ كو4: 6).

بطرس ويوحنا: «فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا، فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع» (أع4: 13).
ها نحن أمام مشهد آخر رائع لاثنين من تلاميذ الرب، هما في ذواتهما جبناء.  أ لم يهربا هما وباقي التلاميذ لحظة القبض على الرب يسوع؟ وألم يَقُل الرب لهما ولباقي التلاميذ: «كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة» (مر14: 37)؟ كما أنهما في نظر الكهنة والشيوخ مجرَّد «إنسانان عديما العلم». فما أبعدهما عن كلام العلم وهما جاهلان لم يلتحقا بأية مدرسة، وما أبعدهما عن فن الخطابة وهما مجرَّد صيادي سمك، إلا أننا نراهما هنا في صورة متميزة، فلا نراهما في حالة من الخوف والتردد، بل نراهما في جرأة يُحسدون عليها، يتكلمون بكل طلاقة بأفكار مسترسلة مرتبة يثيرون بها إعجاب السامعين، ففي البداية يؤكدون أن هذا الأعرج الذي شُفي (أع3)، قد شفي باسم المسيح، ثم يؤكدون أنهم هم؛ رؤساء الكهنة والشيوخ، اقترفوا أشنع خطية ألا وهي صلب المسيح، ثم يعلنون بكل ثبات أنه قام من الأموات: «فليكن معلومًا عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات، بذاك وقف هذا أمامكم صحيحًا» (أع4: 10).  كما نجدهما وهما العاميان يثبتون بالحجة وبالمكتوب أن المسيح الذي رفضوه واحتقروه هو رأس الزاوية والذي تُنبئ عنه: «هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية» (أع4: 11 مع مز118: 22).  لقد انطبق عليهما كلمات الرسول بولس: «كلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة» (1كو2: 4).  إن حديثهما التلقائي المصحوب بقوة الروح جعل الكهنة والشيوخ يعرفوهما أنهما كانا مع يسوع!

 صديقي الشاب عندما توضع في موقف يتطلب منك الشهادة عن المسيح هل يمكنك أن تفعل ذلك بسهولة؟ أ يمكنك أن تتكلَّم عن الرب بكل طلاقة، بل بكل مجاهرة؟ أ ينطبق عليك كلمات الرسول بطرس: «مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف» (1بط3: 15)؟
نعم لقد ميَّزنا الرب بالنعمة، وعلينا أن نعيش بالأمانة مظهرين هذا التميز في سلوكنا أمام الناس.
                                                                          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com