عدد رقم 1 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
سؤال وجواب حول الخطية وماذا فعلت؟  

س1: أشعر بالضيق الشديد بسبب ما أراه حولي وسط هذا العالم الغريب الذي يمتلئ كل يوم وفي كل مكان بالمعاناة المتزايدة، فأنا لا أرى سوى الظلم والقهر والصراع والعنف والقتل، وكذلك الأمراض والمجاعات والموت.  أضف إلى هذا الفوضى التي عمَّت في كل مكان وأدت إلى السرقة والنهب والخطف، والنتيجة هي الحزن والدموع والاكتئاب.  وأشعر أن الأمور متزايدة ولا نهاية لها، حتى أنني أتمنى لو لم أكن قد خُلقت وجئت إلى العالم
      بسبب كثرة المخاوف المحيطة بي، ولماذا أعيش وسط هذا العالم المزعج
؟

ج1: أنت على حق فيما تشعر به.  فالحياة أصبحت مزعجة ومخيفة.  بل إن البيوت نفسها مهددة من الداخل بالمشاكل المرعبة، والخيانة الزوجية وتمرد الأولاد على والديهم.  هذا بالإضافة إلى مشكلة الإدمان التي أصبحت كارثة على البيوت وتهدد العالم كله.  لكني أريدك أن تعلم أن هذا ما فعلته الخطية في الإنسان.  فكل ما تراه من مظاهر المعاناة له سبب واحد هو الخطية.  وأرجو أن تلاحظ أن ما تشتكي منه هو جانب واحد من مظاهر الخطية، وهو الجانب المؤلم غير المحبب، والذي يشتكي منه غالبية البشر.  لكن هناك جانب آخر يُسمى الجانب الممتع للخطية، هناك خطايا يُسَرُّ الإنسان بأن يفعلها ويستمتع بها، والكتاب نفسه يسميها: «تمتع وقتي بالخطية» (عب 25:11).  ونادرًا ما يشتكي منها أحد، بل الإنسان يسعى إليها ولو منع منها يشعر أنه محروم.  وهي الخطايا الأكثر ارتكابًا.  وهذه الصورة موجودة في البلاد المتقدمة، وهو أحد الأسباب التي تجذب الشباب إلى هذه الدول بالإضافة إلى هروبهم من المعاناة التي ذكرتها والتي نراها حولنا.  لذلك يصف لنا الكتاب صورة متكاملة للخطايا في أيامنا الحالية، وهي ما يُميِّز الأيام الأخيرة بالقول: «وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، 2 لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، 3 بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، 4 خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ» (2تي3
:1-4).  فتوجد الشراسة وعدم الحنو، لكن أيضًا يوجد الدنس ومحبة اللذَّات.  

س2: ماذا تقصد؟ هل يتساوى ما هو مؤلم وموجع، مع ما هو مُلذ ويُدخل السرور في النفس، هل يتساوى الظلم والقتل والخطف مع الاستمتاع والتلذذ
بالملاهي المختلفة، التي ينفق الإنسان الكثير في طريق حصوله عليها؟  

ج2: هذه هي المشكلة أن الشيطان يريدنا أن نُميِّز بين خطايا وخطايا.  هناك خطايا ينفر كل الناس منها، وأخرى يُقبل الناس عليها.  يصور أمامنا الأشياء المؤلمة، بل أحيانًا يدعنا نسأل: لماذا صنع الله القتل والدمار في العالم؟ ليغرس في أفكارنا أن الله هو المسؤول عنها.  وفي نفس الوقت يبرز متعة أشياء أخرى جذابة ولا يريدنا أن نسميها خطية، ويخفف وقعها على الضمير فنحبها «مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ».  وكما ذكرت أنت فإن الإنسان مستعد أن ينفق في طريق الحصول عليها، بل أُضيف لكلامك أن تجارة العالم وأمواله أغلبها يتدفق حاليًا في اتجاهين.  الأول، تجارة السلاح والشراسة التي نشتكي منها.  والثاني، تجارة الجنس والمخدرات والقمار (المُتع التي يسعى لها الإنسان، وما يُسمَّى وسائل الرفاهية المختلفة مثل الملاهي والمواقع الإباحية والصحف الصفراء، والقنوات الفضائية التي تبث الدنس وتدمر الأولاد والبنات منذ نعومة أظافرهم، والتي أصبحت في متناول الجميع حتى الأطفال، وهذه وتلك في نظر الله خطية.

س3: فسِّر لي أكثر ..

ج3: خذ مثلاً العالم الغربي، والذي يقال عنه العالم الأول أو الدول المتحضرة، في دساتيره وقوانينه التي اتفقوا عليها، يدين بشدة كل ما يعمله الإنسان في حق أخيه الإنسان، يدين الإهانة والظلم والكذب، وعدم المساواة والقتل، ويطالب بشدة بالحرية وحق الإنسان في الحياة الكريمة، وأن يكون له مطلق الحرية في الاختيار، وهذا صحيح جدًا إنسانيًا.  لكنه لا يدين مطلقًا بل ويرفض تمامًا إدانة ممارسات أخرى مثل النجاسة والدعارة والقمار ويعتبرها حرية شخصية.  بل يوفر هذه المُتع للإنسان علنًا ولا يبحث فيها عما هو شرعي أو غير شرعي.  فكل ما ليس فيه اعتداء على حق الآخرين مباح.  وأغلب دول العالم الغربي صرَّحت رسميًا بزواج الشواذ جنسيًا، معتبرين أن هذا من حقوق الإنسان.  وهم يرفضون هذا الاسم ويسمونه ’’زواج المثليين‘‘، ويدينون كل مَنْ ينتقدهم.  وربما نتذكر ما حدث في الولايات المتحدة منذ حوالي 15 سنة مع أحد رؤسائها الذي ارتكب فعلاً فاضحًا مع إحدى العاملات معه، فقامت الدنيا ولم تقعد، ولكنها لم تُدِن الفعل الفاضح بل أدانت أنه كذب ولم يوف بالقسم الذي أقسمه.  وفي فنلندا أتذكر سنة 1955 أن صدر حُكم قضائي على قس بالسجن لمدة عام لأنه أعلن أن الكتاب المقدس يعتبر الشذوذ الجنسي خطية.  هذا هو تقييم العالم المتحضر للأمور.  وباختصار الإنسان الطبيعي في أفضل حالاته وفي أسمى مستويات تعليمه وتحضره، يعتبر أن السلطة الوحيدة هي حرية الإنسان التي لا ينبغي الاعتداء عليها.  والاعتداء عليها هو الخطية.  لكنه ينسى أو يرفض علنًا أن الخطية قبل أن تكون خطأ في حق الآخرين، هي خطأ في حق الله، هي العصيان والبعد عن طاعته.

س4: لست أوافق أن ما يسعد الإنسان ويدخل السرور في نفسه يتساوى في شناعته وفي كونه خطية مع ما يؤلم الإنسان ويحطمه ويشعره بالقهر.

ج4: أرجو يا عزيزي أن تعرف أن المسألة ليست ما أوافق عليه أنا أو توافق عليه أنت، ولو ترك الأمر لتقييم الإنسان فستجد لكل واحد رأيًا غير الآخر حسب مزاجه.  لكن هناك الخالق العظيم الذي عمل الإنسان، وهو الذي يحدد ويعرف ما هي الخطية، كما يعرف تأثيرها الحاضر على الإنسان وتأثيرها على مستقبله وعلى أبديته.

س5: إذًا هل هناك مفهوم محدد للخطية حدده الكتاب المقدس؟  

ج5: نعم هناك معنى للخطية، وهذا المعنى ليس من حق أحد آخر أن يحدده إلا الله في كتابه.  هو الذي حذر من الخطية ووصفها، ووصف طريقة دخولها إلى العالم، وماذا فعلت في الإنسان، ووصف نتائجها المريرة أيضًا.
الخطية هي البُعد عن الهدف، فإذا ابتعد الشخص الذي يصوِّب عن الهدف المُحدَّد أمامه سنتيمترًا أو عشرة أمتار، سواء لأعلى أو لأسفل، ناحية اليمين أو اليسار، فقد أخطأ، والنتيجة واحدة أو بلغة الكتاب «الخطية هي التعدي».  تعدي على الوصية الإلهية أو القصد الإلهي.  وأُذكِّرك أن أول خطية في تاريخ الإنسان التي ارتكبها آدم في الجنة، والتي أدخلت الخطية إلى العالم، لم تكن في حق أحد من البشر، ولم يكن لها شكل النجاسة المتعارف عليها، كما أنها لم تكن شراسة، لكن هذه الخطية، التي يمكن أن يعتبرها الإنسان بحسب تقييمه بسيطة، كانت تعديًا للوصية الإلهية.  ويجب أن نعرف أن كسر الوصية هو إهانة لله حيث لم يجعل له الإنسان اعتبارًا.  لكن من ناحية أخرى، بمجرد ما أكل آدم من الشجرة المنهي عنها، لم يقتصر الأمر فقط على أن آدم قد أخطأ، بل إنه بأكله من الشجرة المحرَّمة أدخل مبدأً في كيان الإنسان، توارثه كل النسل الذي أتى من آدم بعد ذلك وإلى يومنا هذا.  «بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرين خُطاة» (رو 19:5).  هناك طبيعة دخلت في كيان كل الجنس البشري، وأصبح كل مَنْ يولد من بطن أمه يحمل هذه الطبيعة، وعنده الرغبة والاستعداد لعمل الخطية.  فالإنسان لا يصبح خاطئًا بعد ارتكابه للخطية، بل يدخل الحياة خاطئًا، وعنده الاستعداد لعمل الخطية.  «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مز 5:51)، «من البطن سُميت عاصيًا» (إش 8:48).
وباختصار فتركيبة الإنسان التي كانت في حالة البراءة قبل سقوط آدم اختلت وحدث فيها تغيير، وأصبح الإنسان الذي يولد في الحياة ليس هو نفسه الإنسان الذي كان في حالة البراءة، لكنه يحمل تركيبة داخلية بها يُسمَّى خاطئًا لأن بذرة الخطية وأصل الخطية ونبع الخطية موجود في كيانه.  وبالتالي كل البشر، الطفل مثل الشاب مثل الشيخ يقال عنهم أنهم خُطاة بسبب طبيعة الخطية التي فيهم، وليس بسبب أفعالهم.  فالخطية مبدأ وطبيعة موجودة في جميع البشر، وإن اختلفوا في الأفعال التي هي ثمار هذه الطبيعة.  ولا يوجد إنسان مولود بشري لم تظهر ثمار هذه الطبيعة فيه «إذ الجميع أخطأوا» (رو 23:3).  «إن قلنا إنه ليس لنا خطية (طبيعة خطية)، نضل أنفسنا وليس الحق فينا»، وأيضًا «إن قلنا إننا لم نخطئ نجعله كاذبًا وكلمته ليست فينا» (1يو8:1، 10).

س6: لحظة من فضلك.. هل تعني أنه كان لآدم تركيبة صنعه بها الله في الجنة، ثم بعد أن أكل من الشجرة أصبح هو وكل مَنْ يأتي من نسله يحوي تركيبة أخرى مختلفة عن التي خلقه بها في حالة البراءة؟

ج6: تمامًا، لقد فهمت ما أعنيه.  هذه التركيبة اختلت وظيفتها، ولم تعد كما كانت عند خلق الإنسان.  وللحديث بقية إذا تأنى الرب.
                                                                                                                                                                                                                      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com