عدد رقم 1 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كنيسة الله الحي  


   حريٌّ بنا ونحن في هذه الأيام الأخيرة، وقد اختلطت الأمور داخل البيت الكبير، وسادت السطحية وتاه كثيرٌ من الشباب بين العالم بجاذبياته ومبادئه، وبين ما يُسمَّى بالأنشطة والخدمات التي تملأ الأوساط الروحية والكنسية دون مرجعية كتابية أو تقوى حقيقية.  حريٌّ بنا أن نقف على الطرق وننظر، ونسأل عن السُبل القديمة: أين هو الطريق الصالح لنسير فيه (إر16:6).  فلقد استُبدلت كنيسة الله بمجموعة من الهيئات والمنظمات المسيحية والخدمات الاجتماعية والاجتماعات الفرعية.  لم يعد المسيح هو المركز، ولم يعد مجده هو الهدف الحقيقي لكل نشاط، ونادرًا ما نسمع قول المعمدان، ذلك الخادم الأمين الذي قال: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يو30:3).  حريٌّ بنا أن نعود وننبش الآبار القديمة وندعوها بنفس الأسماء القديمة كما فعل إسحاق في يومه.  إننا بحاجة أن نعود إلى المفاهيم الكتابية الصحيحة التي تعلمناها وتأسسنا عليها، ونُقيِّم ما يحدث في الساحة حولنا لنعرف: «هل هذه الأمور هكذا»؟ وهل بالحقيقة هذا ما يريده الرب منا؟ وهذا ما يُفرح قلبه؟ إن الحق هو القياس الصحيح لكل شيء، ولسنا بحاجة أن نفند ونحلل الخطأ ونناقشه، لكننا بحاجة ماسة أن نعرف الحق وماذا يقول الكتاب، وليس ما استحسنه الناس حتى لو كان مُبهرًا.  دعونا لا نكون أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بل لنقف على أرض صلبة ثابتين.  وأتمنى أن نتعمق في معرفة ما عمله الله لأجلنا قبل أن نهتم بما نعمله نحن لأجله. 

   والآن هل تعرف عزيزي الشاب، لماذا جاء المسيح إلى العالم متجسدًا؟ ولماذا مات فوق الصليب؟ لماذا قام وصعد وجلس في يمين العظمة في الأعالي؟ ولماذا نزل الروح القدس إلى الأرض؟ قد تبدو هذه الأسئلة بديهية وقد تتهم من يسألها بأنه ساذج.  وأرجو ألا تُصدََم إذا عرفت أن الإجابة هي: ليس لكي يُخلِّص الخطاة في المقام الأول، وإنما ليحقق القصد الأزلي الذي خططته حكمة الله الأزلية من جهة الكنيسة التي هي عطية الآب للابن، والتي ستظل بطول الأبدية ”مسكن الله“ و”عروس المسيح“.  إنها أغلى مشروع عمله الله لمسرته، وكانت كُلفته هي حياة ابن الله التي بُذلت على الصليب.  لقد عمل الله الخليقة وأبدعها في ستة أيام، ولكن مشروع الكنيسة استغرق نحو ألفي عام حتى الآن وسيكتمل قريبًا.  بهذا نعرف قيمة الكنيسة.  ولتعلم يا صديقي الشاب أن أول إشارة لموت المسيح في رموز الكتاب كانت في تكوين 2، قبل أن تدخل الخطية إلى العالم ويسقط الإنسان في تكوين 3.  ولم تكن من أجل حل مشكلة الخطية، وستر الإنسان العاري بكفارة عملها الله بواسطة الذبيحة الرمزية في الجنة، وإنما عندما قال الرب الإله: «ليس جيدًا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيره».  ولكي يحضر العروس لآدم أوقع الرب الإله عليه سُباتًا فنام.  هذا هو أول ظل لموت المسيح في الكتاب المقدس، ومنه نتعلم الفكر السامي أن المسيح مات لكي تتكون الكنيسة عروس المسيح، وبدون موته ما كان ممكنًا أن تخرج الكنيسة إلى الوجود.  لقد «أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها ... لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مُقدَّسة وبلا عيب» (أف25:5 – 27).

   إننا في كل العهد القديم لا نقرأ عن الكنيسة لأنها كانت سرًا مكتومًا في الله ولم يُعرَّف به بنو البشر.  ولم يكن ممكنًا أن تتكون إلا بعد أن جاء المسيح ومات وقام وصعد وجلس ونزل الروح القدس يوم الخمسين.  في ذلك اليوم وُلدت الكنيسة على الأرض لأول مرة، وكان يومًا مجيدًا حقًا، وستظل الكنيسة على الأرض إلى لحظة الاختطاف حيث ترتفع إلى المجد.

   أول إعلان عن الكنيسة نجده في إنجيل متى 18:16 بعد الإعلان الذي نطق به بطرس عن شخص المسيح ابن الله الحي، عندئذ أعلن المسيح لبطرس أنه على هذه الصخرة سيبني كنيسته وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.  على أن هذا البناء قد بدأ فعلاً يوم الخمسين بعد نزول الروح القدس.
   إن الكنيسة مُشبهه في الكتاب بعدة تشبيهات، فهي جسد على الأرض وعروس في السماء، وهي بيت أو مسكن على الأرض وهيكل مُقدَّس في السماء، وهي منارة على الأرض ولؤلؤة في السماء، وهي رعية على الأرض ومدينة في السماء.

   ومعنى كلمة كنيسة هي ”جماعة خارجة ومدعوة“، فإن عليها طابع الانفصال عن العالم وعن إسرائيل، فهي سماوية وليست أرضية.  وفي الرموز نرى خروج رفقة من حاران ورحلة تغربها في البرية لتذهب إلى إسحاق في كنعان (تك 24)، وخروج العذارى لملاقاة العريس (مت25)، وخروج بطرس من السفينة وسيره على الماء لملاقاة الرب يسوع (مت14)، كلها تصور لنا طابع غربة ورحلة الكنيسة في العالم حتى ملاقاة الرب في الهواء.
   عزيزي الشاب: هل تشعر بالفخر أنك تنتمي لكنيسة الله التي مات المسيح لأجلها، ونزل الروح القدس لكي يكونها؟ أم أنك تنتمي إلى كيان آخر تجد فيه راحتك وسرورك حيث يوجد أصدقاؤك وتمارس نشاطك؟ هناك فارق كبير بين ما عمله الروح القدس وبين ما عمله ويستحسنه الناس.  إن الروح القدس قد أسس كيانًا واحدًا هو الكنيسة وسكن فيها.  وقد تكونت لكي يتمجد ويتعظم المسيح فيها.  وهل نستكثر على المسيح أن نعطيه مكانه وكرامته وسلطانه ومجده في وسط كنيسته التي اقتناها بدمه؟ إن هذا لا يتوفر في العالم الرافض للمسيح.  وفي العالم نجد الصراع والمنافسة على من يكون الأعظم.  فكلٌّ يبحث عن ذاته وعن مكان لنفسه وليس عن مكان للمسيح.  لكن المحزن أن تكون هذه الروح وسط من دُعي عليهم اسم المسيح.  إننا نشعر بالخطر لأن كثيرين من الشباب فقدوا الشعور بالانتماء إلى كنيسة الله، وفضلوا الانتماء إلى اجتماعات فرعية أو مجموعات يقودها أفراد، تضم شريحة معينة من الأصدقاء والأحباء، يتحقق فيها التوافق في العمر والثقافة والميول والمستوى الاجتماعي والفكري، ولا يستريحون لوجود آخرين مختلفين عنهم بشكل أو آخر.  إنها نظرة اجتماعية ونفسية بحتة وليست روحية.  هذا يمكن أن يكون صحيحًا ومقبولاً إذا كان ما يربطنا هو نادي اجتماعي، أو إذا كنا نخطط لرحلة ترفيهية أو خروجات للتنزه.  لكننا نتكلم عن كنيسة الله التي تضم جميع المؤمنين ويجمعهم الروح القدس حول مركز واحد هو المسيح، والهدف المشترك الذي نتكاتف ونتحد فيه هو إكرام وتعظيم المسيح.  إن الفكر الذي يسود في هذه الأيام هو الاستقلال عن الكيان الواحد الذي هو شهادة الله على الأرض ممثلة في الكنيسة، واستحسان أنظمة وأنشطة جذابة تعظم الإنسان وتشبع رغباته، وهي جزء من العالم الديني، وهذا تحول خطير عن الهدف.  ومهما كانت الأسباب والدوافع فإن هجر كنيسة الله يمثل فشلاً حقيقيًا.  لهذا فإننا نحتاج أن نعود إلى السُبل القديمة باحثين عن الفكر الإلهي في المكتوب فنطيعه بكل حب واحترام.  وأتمنى أن يحدث ذلك قبل أن نكتشف متأخرًا أن ما عملناه لسنوات طويلة، وتعبنا فيه، لم يكن هو ما يريدنا الرب أن نعمله، وأننا عملنا أشياء لأنفسنا، حققنا فيها ذواتنا واستعرضنا مهاراتنا، وكانت في النهاية بحسب المقاييس الإلهية: ”خشبًا وعشبًا وقشًا“.  سيأتي يوم الامتحان قريبًا عندما نقف أمام كرسي المسيح، وأتمنى ألا نخجل منه في مجيئه.  كان من الممكن أن نكون أكثر نفعًا للسيد وللقطيع لو أننا لم نترك مكاننا الصحيح، ولم نتحول عن الهدف ونفقد البساطة التي في المسيح.

   وفي الأعداد القادمة بمعونة الرب سنتناول بإيجاز فكرة عن الكنيسة، وسنبدأ بالحديث عنها باعتبارها بيت الله على الأرض، وهذا هو موضوعنا في العدد القادم بمشيئة الله.
                                                                                
          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com