عدد رقم 6 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هل نظيري ينفع لسيدي؟  
 كان الليل هادئًا وأنا أمتطي جوادي في طريقي إلى إحدى القرى.  كنت أستمتع بلسعة البرد الخفيفة، بينما أتفكر فيما قاله لي بعض المقربين عندما عرفوا أنني سأقوم الليلة بالذهاب إلى هذه القرية، كما تعدوت في أول كل شهر، لكي أوصل بعض المرتبات إلى أصحابها، حيث كنت أعمل صرافًا بإحدى المصالح.  لقد حاولوا بكل قوة أن يمنعوني، خوفًا من قُطاع الطرق الذين انتشروا في تلك الأيام، ولكنهم لم يثنوا عزمي، فقد كنت أثق في الحماية والعناية الإلهية.

   كنت مُعتادًا أن أحضر الاجتماع مع المؤمنين هناك في هذه الزيارة الشهرية.  وفي طريقي أخذت أرنم بصوت منخفض، وكنت أشعر بحضور الله معي، مما زاد من تعزيتي وسلامي.  وظللت هكذا إلى أن وصلت إلى منطقة تزدحم بها الأشجار العالية، فإذ بي أشعر بخوف باغت يجتاحني.. ما هذا؟ .. يا إلهي! إنني أشعر بخطر يتهددني.  حاولت بكل وسيلة أن أتغلب على هذا الشعور ولكنه كان يزداد قوة.  إذًا فقد كان الذين حذروني على حق.  لذلك قررت أن أترجل عن الجواد لكي أصلي.  اتجهت إلى شجرة كبيرة عالية وربطت بها الجواد، وركعت أصلي بصوت مسموع: يا ربي يسوع .. أنت إلهي، فادي ومخلصي وراعي الأمين.  أحطني بذراعيك واحمني من كل شر يتهددني.  إنني ضعيف، ولو هجم عليَّ أحد قُطاع الطريق لأنهى حياتي.  يا رب، تعامل أنت مع قُطاع الطرق الذين لم يعرفوك، عرِّفهم شخصك وحبك وفداءك.  بين يديك أترك نفسي وأثق أنها في أمان معك. آمين.

   قمت وحللت الجواد واستكملت طريقي في سلام وهدوء.

   مرت على هذه الحادثة سنتان وأنا ما زلت على عادتي في زيارة القرية، وكنت أنا المتكلم في الاجتماع في تلك الليلة، ثم قام أحد الشبان بعد انتهاء الخدمة وطلب أن يأذن له الإخوة ببضعة كلمات.  تعلقت الأبصار به وهو يقول: منذ عامين كان هذا الرجل (أشار نحوي) يمتطي جواده وهو يحمل حقيبة المرتبات، كنت أنتظره خلف إحدى الأشجار، وكنت أحمل عصا لأهوي بها على رأسه فيسقط مغشيًا عليه، ثم أخطف الحقيبة وأهرب، وكان هذا منهجي في الحياة.  وبينما كنت أتأهب للهجوم عليه، فوجئت به يقبل نحوي ويقترب مني.. غمرني شعور بالاضطراب والخوف لم أعهده من قبل.  وبينما أنا أرتجف منه، وجدته ينزل عن جواده ويربطه في الشجرة التي أنا مختبئ وراءها، ثم رأيته يركع على ركبتيه ويصلي طالبًا العناية به والرحمة لمن هم مثلي.  استمعت إلى صلاته المؤثرة ولم أقو على الحركة.  وما إن قام لحال سبيله حتى أجهشت بالبكاء، ووقعت تحت تبكيت شديد لعمل الروح القدس، فظللت أبكي وأطلب من الله أن يغفر خطاياي ويعطيني حياة جديدة نافعة.  وقد قبلني الله وغيَّرني.  ومن يومها وأنا أحيا حياة كريمة، وكل غرضي أن أخدمه وأمجده في حياتي.

   جلس الشاب، ونظرتُ حولي، فرأيت الدموع تملأ عيون الإخوة تأثرًا وابتهاجًا حتى أنهم أخذوا يعانقون بعضهم بعضًا، ثم بدأوا اجتماعًا آخر للشكر والسجود، استمر حتى منتصف الليل، وهم يمجدون النعمة التي تتخطى كل الحدود لتصل إلينا حيث نحن، في بعدنا وشرنا مهما عظم.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com