عدد رقم 4 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أخطر أنواع الطفيليات  

   هناك أخطار كثيرة تهدد سلامة الإنسان، منها ما هو كبير أو صغير جدًا لدرجة أنه لا يُرى بالعين المجردة، لكنها تكون سببًا في الإصابة بأمراض قاسية وربما قاتلة.  الطفيليات هي أحد هذه التهديدات وهي كائنات حية دقيقة تدخل جسم الإنسان، حيث تعيش وتتكاثر فيه بل تستهلكه، إذ تشاركه غذاءه وتقتات على دمائه كما تؤدي أخيرًا إلى إصابته بأوبئة خطيرة مختلفة.

   عزيزي الشاب: لا أقصد أن أتكلم عن هذا النوع من الطفيليات التي تصيب أجهزة الجسم المادي، لكن أريد أن أحذرك من طفيليات من نوع آخر تعتبر أكثر خطرًا وأبلغ ضررًا، تكمن خطورتها في أنها تأخذ ولا تعطي، بل تستهدف وتستنزف نفس الإنسان، تصيب الذهن والقلب، تغزو الفكر والمشاعر، وتستهلك الوقت والطاقات.  طفيليات تنمو وتتكاثر سريعًا وتدمر ضحاياها إن استفحلت.  لا أكون مبالغًا إن قلت إنها يمكن أن تصيب الكيان كله روحًا ونفسًا وجسدًا، بأدواء قاتلة.  سأسرد بعضًا منها على سبيل المثال لنطلب من الرب، مستندين على نعمته ومعونته، أن نقرر التخلص منها ومن كل ما يشابهها.   

   (1) طفيليات الإنترنت:
   توجد مزايا كثيرة للإنترنت، وأعلم أنه من جوانب كثيرة يعد سبب بركة للإنسان.  شبكة الإنترنت تشبه مائدة كبيرة يقدم عليها أنواع كثيرة جدًا من الأطعمة المختلفة.  فقط أريد أن أذكرك بأمرين: قد يكمن الخطر في نوعية الطعام، وقد يأتي الضرر بسبب الإفراط في تناوله.  ليس لدي شك أن أعزائي الشباب والشابات الذين لهم فكر الرب يعرفون كيف يميزون بين الطعام الفاسد المسموم والطعام المغذي والصحي.  أما الأمر الذي أريد التحذير منه هو الإفراط في استخدام الإنترنت خاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي تستهلك من الوقت والطاقة والمشاعر ما يصل إلى حد الإدمان.

   أسمع عن شباب يفتتحون به يومهم ويختمونه به، لدرجة أن هذا الأمر يأتي على حساب التواصل مع أعظم صديق، إذ يؤثر بشكل قوي على وقت الخلوة مع الرب.  مرات كثيرة يكون على حساب التواصل مع أقرب الناس إذ يلتهم حق أفراد الأسرة في قضاء وقت معهم.  هذا بشأن الإفراط في الاستخدام وأعتقد أني لست في حاجة أن أتكلم عن سوء الاستخدام وتأثيره السلبي لا على الوقت والطاقة فقط بل على الحواس.  ما نقرأه وما نسمعه أو نشاهده، ذات المصدر الذي قد نستقي منه الماء العذب وقطرات الشهد يمكن أن يكون نبعًا للنجاسة وبئرًا للشهوات.  

   أخي الشاب، أختي الشابة: هل أصبح الإنترنت كالطفيليات التي تستهلك وقتك ومشاعرك؟ هل تتحدث مع الرب بذات القدر الذي تقضي فيه أوقات الدردشة مع الأصحاب والأحباب؟ هل تعلم أن وقتك ومواهبك وممتلكاتك هي وكالة ينبغي أن تكون أمينًا في استخدامها؟ مع أنني أستخدم الإنترنت في التواصل مع أحباء كثيرين وشركاء الخدمة ويعينني كثيرًا في دراساتي كمصدر غني للمعرفة، لكني أخشى كثيرًا من أن يكون الإنفاق المبذول أكثر من العائد المحصول، فأكون خاسرًا في نهاية المطاف.  دعونا ندرب أنفسنا بنعمة الرب أن نستخدم هذه الوسيلة باتزان وتعقل،  نضبط نفوسنا ولا نسمح لطفيليات الإنترنت أن تستنزف مواردنا وطاقاتنا أكثر مما ينبغي.  

   (2) طفيليات العلاقات:   
   جيد أن يكون للمؤمن علاقات مع الآخرين.  الاعتزال عن الآخرين يجعل الشخص يدور في فلك ذاته ورغباته فقط.  الوضع الصحي والصحيح أن يكون للمؤمن أصدقاء مؤمنون، يحبون الرب ويسلكون حسب كلمة الرب، يحبهم ويحبونه ويجد سرورًا في قضاء وقت معهم، يستمع لهم  ويتحدث إليهم فيبنونه ويشجعونه وينصحونه وهو أيضًا يكون سبب بركة لهم.  «رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ» (مز119: 63).  أما الأصحاب الذين يستنزفون وقتك في أحاديث تافهة ويشغلون فكرك بموضوعات قليلة القيمة والنفع فأعرض عنهم قبل أن تندم على ما فاتك، فالوقت ينقضي والعمر يمضي سريعًا.  أقول كلمة تحذير لأخواتي الفاضلات: احذرن من طفيليات ”الابتزاز العاطفي“، احذرن من الشباب الذين  يتوددون إليكن ويلاطفوكن ولو على سبيل التسلية (كما يبدو للبعض)، فيستنزفون مشاعركن الثمينة بدون أي حق.  العدوى قد تبدأ بكلمة مجاملة لكن حين يتمكن الأمر من صاحبه لا يمكن التخلص منه دون أن يخلف وراءه وجعًا كبيرًا وجرحًا مبرحًا.  

   عزيزي الشاب (خاصة في المرحلة الجامعية) كن رجلاً في الإيمان ولا تسمح بأن هذه الفترة الثمينة من عمرك تُستهلك بطفيليات العلاقات العاطفية التي تلتهم مشاعرك وتمتص دماء قلبك وإمكانياتك المادية وتركيزك الدراسي وشهادتك الروحية كمسيحي وعلاقتك بأهلك بلا داع. 

   لماذا تسمح لهذه العلاقات أن تقوض حياتك وتطفئ شهادتك.  كن يقظًا واعرف الفرق بين الصديق الحقيقي وبين الشخص الذي يتطفل عليك ليستهلك طاقتك ومشاعرك.  لا تستهن بتأثير الأصحاب عليك مهما كانت قوة شخصيتك.  لا تظن أن جهازك المناعي يمكنه أن يقاوم أو يتخلص من طفيليات العلاقات بهذه السهولة.  كم من مؤمنين ندموا أشد الندم لأنهم سمحوا لجيران أو زملاء أو حتى أقرباء في فترة من عمرهم أن يستهلكوا أغلى ما عندهم سواء أوقاتهم أو طاقاتهم أو عواطفهم.

   (3) طفيليات العادات:
   عندما أقول ”عادات“ أقصد السلوكيات التي اعتاد الشخص أن يقوم بها فصارت جزءًا لا يتجزأ من برنامج حياته، لدرجة أنه يجد صعوبة في التخلص منها.  العادة سواء كانت جيدة أو سيئة، يغذيها الزمن فتنمو وتتأصل بمرور الأيام.  قال واحد: إن توانيت ولم تبادر باقتلاع الحشائش الصغيرة ستتحول مع الأيام إلى غابة كبيرة.  من أمثلة العادات السيئة التي يمكن أن نسميها "طفيليات العادات" والتي لها عواقب بالغة الضرر: الثرثرة وعدم ضبط الشفتين في الكلام،الأمر الذي يؤدي للانزلاق في مزالق النميمة وفخاخ الخصام.  كلما ضعفت المحبة كلما كان الشخص عرضة للإصابة بهذه الطفيليات اللاذعة والحارقة التي تسيء إلى بعض أعضاء جسد المسيح.  ومن العادات التي تأخذ شكل طفيليات تعيش داخل الكيان، عادة الشفقة على النفس أو الرثاء للنفس بصورة دائمة الأمر الذي يصاحبه – في أغلب الأحيان – اتهام الآخرين بالتقصير وعدم المبالاة، سواء في مد يد العون أو في عدم التشجيع بالكلام وتقديم المديح والإطراء.  هذا النوع من الطفيليات يفسد العلاقات أيضًا ويجعل صاحبه يغالي في المشغولية بذاته وأموره وآلامه الشخصية.  ألا تتفق معي أن النهم والإفراط  في الأكل يحسب أيضًا من العادات السيئة التي تغلب بعض المؤمنين، والتي بمرور الأيام تؤثر على حالته الصحية والنفسية.  ماذا عن عادة التعجل في اتخاذ القرارات دون طلب وجه الرب؟ ماذا عن التسرع في الحكم على الأمور أو الأشخاص بدون حكمة أو تريث؟ ماذا عن عادة الاتكال على المنظور أو القريبين عند حلول الأزمات؟ وماذا عن عادة السهر أمام الكومبيوتر أو الفضائيات والمسلسلات والاستيقاظ المتأخر وضياع الوقت الذي يمكن أن يُستفاد به؟ وماذا عن عادات أخرى مرتبطة بالشهوات الجسدية ستؤثر حتمًا على حياتك الروحية والزمنية؟ لماذا تسمح لنفسك أن تتأصل في كيانك هذه العادات السيئة عبر الوقت الطويل؟ ولماذا لا تقول مع أفرايم: «ما لي وللأصنام؟» فتسمع جواب الرب عليك: «من قبلي يوجد ثمرك» (هو8:14). 
   كل ما سبق ليس سوى أمثلة، فطفيليات العادات متعددة في صورها ومداها.  ولا سبيل للتخلص من هذه العادات السيئة إلا بعادة مباركة وهي فحص القلب وامتحان النفس بصورة مستمرة والتوبة والحكم على كل تصرف أو فكر غريب لا يتوافق مع فكر المسيح، دون إشفاق على النفس أو تدليلها.  راجين من الرب العون «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (في2: 13)، مدركين العواقب الوخيمة في حالة تسلط هذه العادات علينا. 

   «قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ.  لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ.  بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رو13: 12- 14).

   عزيزي الشاب: بقدر ما ندرك طبيعة إلهنا وسمو المقام الذي دعانا إليه، بقدر ما نبذل كل اجتهاد كي نتخلص من أي أمر يهين سيدنا ويطفئ شهادتنا.  لكن لنذكر أن أقوى ترياق للشفاء من هذه الطفيليات الروحية هو حالة الامتلاء بالروح القدس والشبع بالرب يسوع المسيح، وإذ نسلك في منهج القداسة، تحفظنا النعمة ويأخذ الرب حقه في السيادة على كل الكيان. 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com