عدد رقم 4 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون إله الترتيب في عالم الفوضى  

«وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَثَوْرًا ثَانِيًا ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ، وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى رَأْسِ هذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ، وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلاً» (قض6: 25-27).

تأملنا في العدد الماضي في طاعة جدعون الفورية للرب في مسألة «هدم» كل ما هو خطأ، مهما قابل في ذلك من معارضة.  وفي هذا العدد نتأمل طاعته للرب في مسألة «البناء».  ويظل المبدأ الإلهي قائمًا: هدم الخطأ يسبق بناء الصحيح، والتوبة تسبق الإيمان، وملء الله يتطلب وعاءً فارغًا ومُطهرًا... وهكذا.
ويعتقد الكثيرون خطأ أن الخدمة هي فقط هدم الظنون والتعاليم الخاطئة.  هذا جانب هام ولا شك، لكن الجانب الآخر وهو الغرض النهائي من الخدمة: بناء ما هو صحيح وإعلاء شأن كل ما هو حقيقي، وهذا ما نتعلمه من جدعون في هذا المشهد المزدوج الجميل، أعني الهدم، ثم البناء.
«وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى رَأْسِ هذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ»

على أن هناك من يظن أن البناء للرب يمكن أن يتم في أي مكان، وبأية طريقة، سواء كان هذا البناء: عبادة أو خدمة أو......إلخ.  وهذا خطأ كبير بكل تأكيد.
فبناء المذبح – الذي يشير بصورة ما إلى التقاء الله بالإنسان، ينبغي أن يكون في المكان الذي يختاره الرب لا الإنسان، والعبادة المشار إليها بتقديم «الثور الثاني» ينبغي أن تكون «بترتيب».

ولعل هذا يذكرنا مثلاً بما حدث عندما امتحن الله إبراهيم وأمره قائلاً: «خذ ابنك ... وأصعده محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك» (تك22)، وكان المكان الذي اختاره الرب هو المريا.  كما أن إبراهيم أعد حطبًا لمحرقة، ورتب الحطب على المذبح ... أي عمل الكل بترتيب، حتى رتب له الرب البديل: الكبش المُمسَك في الغابة بقرنيه.

والواقع أن المذبح يشير إلى المسيح وإلى عمله الكامل على الصليب، وهنا النقطة الوحيدة التي يمكن فيها للإنسان الخاطئ أن يلتقي بالله القدوس.  وعبثًا يبحث البشر عن مكان آخر صحيح بخلاف المكان الذي اختاره الله وعينه لذلك، «على رأس هذا الحصن».  ثم يأتي دور «ثور المحرقة».  « وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلاً» (قض6: 26، 27).

 إن ثور المحرقة الذي قُدِّم على حطب السارية المقطوعة يعني أمرين: 

الأول: أن المحرقة تشير إلى المسيح الذبيح لأجل مجد الله، فحقوق الله يجب أن تأتي أولاً.  والمحرقة تُحدثنا عن العبادة والسجود وينبغي أن تتم بترتيب.  يعتقد الكثيرون من المسيحيين، وأكثرية من الشباب، أن المهم هو القلب أما الترتيب فهو ليس له نفس الأهمية لدى الله، وهذا خطأ جسيم.  فإلهنا إله ترتيب وليس تشويش، وكل شيء عنده يجب أن يكون «بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ» (1كو14: 40).  وبيت الله ينبغي أن يتسم بالترتيب، لا الذي يستحسنه الناس، ولو كانوا أفضل الناس، بل الذي يقرره الرب، صاحب البيت.

الثاني: أن حطب السارية المقطوعة المرتبطة بيرُبَّعل وعبادة الأوثان تحول إلى حطب للمحرقة التي تصعد بتمامها للرب، وهذا أمر جميل.  فإن كل ما ارتبط بنا وارتبطنا به في الماضي قبل أن نختبر المسيح مخلصًا شخصيًا لنا ينبغي أن ندرك أنه قد تحولت ملكيته – مع تحول ملكيتنا نحن- إلى المسيح.
لقد قدم «الثور الثاني»، «ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ» (ع25)، وهو الثور الذي ولد يوم أن دفعهم الرب ليد مديان، فقد استعبدهم المديانيون «سبع سنين» (قض6: 1)، وكأن الرب قد رتب مع التجربة المنفذ، ومع الضيق الخلاص، ومع التأديب البركة ... وهو أمر صحيح دائمًا.

أحبائي الشباب: ما أثمن هذه الدروس!

أن نهتم ليس فقط بهدم الخطأ بل أيضًا ببناء الصحيح.

أن المكان الصحيح مهم عند الرب، ليس فقط مكان التقاء الإنسان بالله في صليب الجلجثة، بل في كل عبادة أو خدمة أو أي أمر آخر.

أن العالم الفوضوي الذي نعيش فيه، لا يمكن أن يؤثر على حقيقة أن إلهنا هو إله ترتيب وله وحده الحق في ترتيب بيته.  ومحبتنا للرب نعلنها في احترامنا والتزامنا بهذا الترتيب الإلهي، ومن المهم لدى إنسان الله أن يعي أنه في عالم ينادي بحقوق الإنسان (بل وحتى الحيوان) عليه ألا ينسى رسالته السامية في المناداة بحقوق الله.

أن كل ما نسب إلى ماضينا علينا أن ندرك أن ملكيته انتقلت إلى المسيح «كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (2كو5: 15).
لقد عمل جدعون ذلك ليلاً، لسبب الخوف، أما نحن فإننا نعلم أننا نشهد لإلهنا في «ليل» غياب المسيح عنا، فنضيء بينهم كأنوار في العالم، في انتظار أن يوافينا قريبًا وسريعًا سيدنا «كوكب الصبح المنير» (رؤ22: 16) الذي يعقبه ظهوره، له المجد، بقوة ومجد كثير لهذا العالم «كشمس البر والشفاء في أجنحتها» (ملا 4: 2).
                                                                   


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com