عدد رقم 4 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المشجعات للمسيحي في الأيام الأخيرة (2):  
تأملات وخواطر في (2تي1)

   رأينا في مرة سابقة أن هذه الرسالة هي رسالة الأيام الأخيرة حيث يسود الفشل العام والخراب والضعف وسط المؤمنين، وحيث الناس لا يحتملون التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين، مُستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات.  ولا شك أن هذا الجو ينعكس على المؤمنين الأمناء في صورة إحباط، ولهذا فإنهم يحتاجون إلى التشجيع.  وهذا ما فعله الرسول في هذه الرسالة حيث قدَّم لتيموثاوس، ومن خلاله يُقدم لنا بالروح القدس، المشجعات لكي نواصل المسيرة بكل أمانة، ونحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ونتمِّم خدمتنا التي أخذناها من الرب.

   وقد رأينا في الأصحاح الأول بعضًا من هذه المشجعات مثل:

مشيئة الله الثابتة التي لا تتغيَّر عندما يتغيَّر كل شيء. 

الله دائمًا عنده رسالة حية لنا، ويُسر بأن يتكلَّم إلينا، وعلينا أن نسمع ما يقول.

الإشارة إلى «وعد الحياة» والتمتع بها في كمالها هناك في المجد، هذا الوعد الذي لا يمكن أن يخيب. 

هناك «نعمة ورحمة وسلام» تتدفق يوميًا لكل مؤمن مهما كان الجو قاتمًا.  

النعمة تُبقي بقية، ولو كانت قليلة، نظير تيموثاوس الابن الحبيب والصريح ذو المشاعر الرقيقة والإيمان الفعَّال، ونظير أنيسيفورس المُكرَّس، هذه البقية تصبح مصدر تعزية وتشجيع وبركة في الأيام الصعبة.  

صلوات بولس بلا انقطاع لأجل تيموثاوس، وكم نشكر الله من أجل الذين يذكروننا في عرش النعمة نظيره.  

وفي محيط العائلة نقرأ عن أم وجدة تيموثاوس اللتين علمتاه الكتب المقدسة، وكانتا سبب بركة له.  

والله قد أعطى تيموثاوس ”موهبة خاصة“ كان عليه أن يضرمها رغم ضعف الثمار والنتائج، فالله يرى ما لا نراه نحن. 

وهو لم يعطنا روح الفشل بل «روح القوة والمحبة والنصح»، وهذا امتياز لجميع المؤمنين.  

وأخيرًا رأينا هدفًا رائعًا للحياة هو أن نشهد للمسيح الممجد في الأعالي والذي رفضه العالم.  وعلى كل مؤمن أمين أن يقف في صف الرب ولا يخجل أن يشهد عنه مهما كلفه ذلك من حمل العار، ولا يخجل من الحق الذي نادى به بولس من جهة كنيسة الله رغم تحول الكثيرين عنه.

   ونواصل حديثنا عن بقية المشجعات من خلال ذات الأصحاح الأول من هذه الرسالة:

1- قوة الله (ع8): يقول بولس لتيموثاوس: «اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله».  هذه القوة التي استُعرضت في إقامة المسيح من الأموات وتمجيده.  وهي التي كان بولس يريد أن يدركها ويمتلكها عندما قال: «لأعرفه، وقوة قيامته» (في10:3)، وكانت عونًا له في احتمال «شركة آلامه».  إنها القوة التي تسندنا في ضعفنا وتعيننا في مواجهة الصعوبات والاضطهادات والتجارب في عالم شرير.

2- الذي خلصنا (ع9): وعندما يتكلَّم عن الخلاص في صيغة الماضي فهو يتكلَّم عن المرحلة الأولى من الخلاص والتي تشمل: الخلاص من دينونة الخطية، ومن عبودية الخطية، ومن الفساد الأخلاقي المرتبط بالخطية.  فالدينونة قد عبرت عنا إلى الأبد إذ حملها المسيح نيابة عنا على الصليب، ولا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع (رو1:8).  والمؤمن قد أُعتق من عبودية وسيادة الخطية بواسطة ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، وما عادت الخطية تسوده وتتسلط عليه (رو2:8).  والله «بمقتضى رحمته خلصنا بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس» (تي5:3)، فتغيرت أخلاقنا وتطهرنا أدبيًا وأصبحنا خليقة جديدة في المسيح.

3- ودعانا (ع9): إن الدعوة هي الجانب الإيجابي من عمل الله نحونا.  فقد دعانا حسب قصد مُجزلاً نعمته، دعانا لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة، دعانا لنكون أبناء كثيرين في محضره، نسعد بعواطف الأبوة الإلهية وبالعلاقة الحميمة معه طول الأبدية.  إن إله كل نعمة قد دعانا إلى مجده الأبدي (1بط10:5).  وهذه الدعوة توصف بأنها دعوة مقدسة (2تي9:1)، ودعوة سماوية (عب1:3)، ودعوة عليا (في14:3).  ولا شك أن خلاص الله ودعوته هي أمور ثابتة ومشجعة وترينا كيف أن الله في صفنا ويعمل لخيرنا، والذي ضمن الأبدية السعيدة حتمًا سيضمن الأيام القادمة في الرحلة القصيرة.

4- القصد والنعمة (ع9): «الله خلصنا ودعانا لا بمقتضى أعمالنا (ولا حتى بمقتضى إيماننا)، بل بمقتضى القصد والنعمة».  والقصد هو المشورات الأزلية والأفكار الإلهية الصالحة التي قصدها من نحونا لكي يسعدنا ويستحضرنا كاملين ومحبوبين ولائقين بمحضر المجد والنور البهي ونحن مشابهين صورة ابنه.  هذا القصد لم يكن للإنسان أي دخل فيه ولا أي استحقاق بل هو من مطلق النعمة.  وهذه النعمة أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة أزليًا، وأُظهرت بظهوره متجسدًا في ملء الزمان.  ومع أن النعمة ظهرت جزئيًا في العهد القديم لكنها أُظهرت بكمالها وروعتها في المسيح الذي حلَّ بيننا.  لقد ظهرت في اتضاع وافتقار المسيح، وظهرت في أنه كان يقبل خطاة ويأكل معهم، وكان يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، وفي النهاية ذاق بنعمة الله الموت، ودُفن في ضريح كالبشر.  ولا شيء سوى النعمة قادته في هذه الرحلة العجيبة لأجل الخطاة.  وهذه النعمة التي ستصل بنا إلى المجد هي التي تحفظنا وتكفينا بطول الرحلة، وتحتمل أثقالنا وضعفاتنا، وتعالج أخطاءنا.

5- مخلصنا أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (ع10):  إبطال الموت  يعني إزالة رُعبه ورهبته وشوكته، إلغاء سلطانه، حيث كان عدوًا يسود على الكل.  لقد أبطل الموت بقيامته حيث صار باكورة الراقدين، ضامنًا قيامة أجساد المؤمنين عند مجيئه، وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل.  فالإعلان في العهد القديم لا يعطينا نورًا تفصيليًا عن الحالة الأبدية المجيدة أما الإنجيل فيعطينا نورًا بهيجًا واضحًا عن المستقبل.  وكلمة ”الخلود“ هنا تعني ”عدم الفساد“ بالارتباط بالجسد.  فهذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت، وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي.  هذا الإعلان وهذا النور يشجعنا ويزيل خوفنا وأحزاننا.

6- قادر أن يحفظ الوديعة (ع12): كان الرسول يحتمل المشقات ويواجه الظروف المفشلة دون أن يخجل أو يندم.  كان يعلم أنه سيواجه الموت لكنه يثق في الله الحي الذي لا تستطيع روما أن تصل إليه.  كان يؤمن ليس بعقيدة بل بشخص حي وقدير، وكان يوقن أنه قادر أن يحفظ وديعته إلى ذلك اليوم.  فالله كان قد استودع بولس حقائق ثمينة ولا سيما حق الإنجيل والحق الخاص بكنيسة الله باعتبارها جسد المسيح، وهو كان أمينًا على هذه الحقائق وتمسَّك بها وعلَّم بها وثبَّت المؤمنين فيها، وطالما كان على قيد الحياة حفظ هذه الوديعة ودافع عنها، لكنه الآن وهو على وشك الرحيل من هذا العالم، ووسط مشهد الفشل، لم يجد من يستأمنه ويودعه هذه الأمانة سوى الرب فتركها بين يدي القادر أن يحفظها.  وهذه الوديعة تشمل أيضًا نفسه، خلاصه، خدمته ونتائجها، آلامه واضطهاداته، صبره واحتماله، هجره وتركه من الأحباء.  هنا ظُلم ولم يأخذ حقه، لكنه سلَّم الأمور بين يدي الرب الذي يزن كل شيء بميزان الحق.  إنه كسيده الذي «إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يُسلِّم لمن يقضي بعدل» (1بط23:2).

7- ذلك اليوم (ع12): يتكرر هذا التعبير في الرسالة ثلاث مرات (ص12:1؛ ص18:1؛ ص8:4).  وبقوة ومجد «ذلك اليوم» كان الرسول يحتمل أحزان «هذا اليوم الحاضر».  لقد كان يتطلع إلى يوم آخر، ليس على الأرض بل في السماء، فيه سينير الرب خفايا الظلام، ويظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله (1كو5:4).  فما أعظم «ذلك اليوم» الذي فيه ستُقيَّم الحياة التقييم الصحيح الذي بحسب مقاييس الله وليس مقاييس البشر.  إنه اليوم الذي سيظهر فيه جميع المؤمنين أمام كرسي المسيح لينال كل واحد بحسب ما صنع بالجسد، ويسمع الأمناء كلمات المدح من فم السيد نفسه.  إنه الرب الديان العادل الذي لن ينسى كأس ماء بارد قُدِّم باسمه، وسيكافئ الأمانة والأمناء، والتقوى والتكريس، وكل تعب وتضحية واحتمال وصبر.  ولن نندم على شيء عملناه لأجل الرب، بل سنندم على ما لم نعمله لأجله وعلى الفرص التي أضعناها في الحياة.  ويا له من تشجيع أن نمد البصر إلى ذلك اليوم؛ يوم المجازاة، كما فعل موسى الذي «أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة» (عب24:11 -26).

8- أنيسيفورس (ع16 -18): في الوقت الذي فيه جميع الذين في آسيا ارتدوا عن بولس، وعن الحق الذي نادى به بولس، وخجلوا منه، هناك شخص أنعش بولس بمحبته واجتهاده ووفائه.  هذا الشخص هو الخادم الأمين أنيسيفورس الذي كتب عنه بولس قائلاً: «لأنه مرارًا كثيرة أراحني» (أنعشني).  إنه مثل مريم أخت لعازر من بيت عنيا، التي أنعشت الرب بمحبتها التكريسية، ولا سيما عندما كسرت قارورتها وسكبت الطيب على رأس الرب.  «ولم يخجل بسلسلتي، بل لما كان في رومية طلبني بأوفر اجتهاد فوجدني».  إنه أيضًا مثل مريم المجدلية التي ذهبت إلى القبر والظلام باق لتطلب الرب، وظلت عند القبر خارجًا تبكي حتى وجدته وأظهر ذاته لها.  وكم نتشجع ونشكر الرب لأجل الأمثلة التكريسية في وسط الفشل والارتداد.  إن أنيسيفورس يقول لكل منا: لا للفشل ولا للخجل ولا للكلل. 
                                                                                                                                                          محب نصيف                                    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com