عدد رقم 4 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الضمير الصالح  
  الاستقامة في الحياة المسيحية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على الضمير الصالح.  والاستقامة  هي التطابق التام بين الظاهر والباطن، بين أقوالي وأفكاري أو أفعالي ونياتي.  لذا فالضمير الصالح لا غنى عنه للحياة الصحيحة. 

 ما هو الضمير ؟ 
   الضمير هو الملكة الذهنية التي بها نحكم على سلوكياتنا أو هو ذلك الإحساس الداخلي الفطري بالصواب والخطأ ـ وقد أسماه أحد الدارسين: هو النفس متفكرة مليًا في نفسها.

   والكتاب وصف دور الضمير فقال: «لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ،الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً» (رو2: 14،15 ). وفي الترجمة التفسيرية "ويشهد لذلك ضميرهم وأفكارهم في داخلهم إذ تتهمهم تارة وتارة تبرئهم". فالإنسان إذًا متى فعل ما يتفق مع شريعة الله الأدبية يشعر بالسلام والراحة والهدوء  بل وتقدير الذات، ومتى تصرف ضدها شعر بالانزعاج والقلق والحزن بل والعار أيضًا.  وكلمة ضمير باليونانيةSuneidesis   وقد وردت أكثر من 30 مرة في العهد الجديد.  وتعني معرفة باطنية أي معرفة الإنسان بذاته بدوافعه وأفكاره . . أما في العبرية فكلمة ضمير Leb   . ترجمت قلب Heart . لأن الضمير في لب النفس الإنسانية لم يتمكن الفكر اليهودي من أن يُميِّز بين الضمير وبقية الكيان الداخلي للإنسان وهذا يتضح من الآتي : صلاة داود «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» ( مز51 : 10 )، أي اشتاق أن يكون له ضمير مطهر من الإثم.  «وكان بعد ذلك أن قلب داود ضربه على قطع طرف جبة شاول» (1 صم 24 : 5)، أي عانى من وخزات الضمير بسبب فعلته. 
   "القلب الرقيق" (2 أي34 : 27) هو ”الضمير الحساس“
   ولنلاحظ أن الضمير لا يمكن أن يقوم بدوره صحيحًا دون أن يستنير ويتشكَّل بكلمة الله.  ومن الخطإ أن نعول عليه بديلاً عن الكلمة أو نعتبره أنه صوت الله والفيصل في الحكم على الأمور. فلا بديل عن كلمة الله.  لا يصلح أن أقول إن ضميري مستريح لهذا الأمر، بل إني في ضوء ما تُعلِّمه الكلمة وإزاء إرادة الله المعلنة فيها، إن ضميري مستريح لهذا الأمر أو غير مستريح. 

   الضمير والحياة المسيحية 
   للضمير دور أساسي في كل نواحي الحياة المسيحية  
1. هو ضروري للشهادة القوية.
2. وضروري للمحبة الحقيقية.
3. وضروري للخدمة المؤثرة.
4. وضروري للحياة الصادقة.
5. وضروري للحرب الروحية.

   الضمير والحياة المسيحية الصحيحة

1-إنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا برغبة المؤمن أن يكون له سلوك حسن جميل في عيون الآخرين وشهادة قوية تمجد الله وتُسكت المناقضين.  «صَلُّوا لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا نَثِقُ أَنَّ لَنَا ضَمِيرًا صَالِحًا، رَاغِبِينَ أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَنًا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (عب 13 : 18).
«قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ» (1 بط 3 : 14 ، 15).
   يا لها من مسؤولية إخوتي المؤمنين أن تكون لنا شهادة مسيحية قوية في بلادنا وسط من لا يعرفون المسيح خاصة في هذه الأوقات الصعبة والحرجة !!
 2- لا توجد محبة مسيحية حقيقية دون ضمير صالح.  هكذا علَّم بولس: «وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ» (1تي 1: 4)، فالضمير الصالح هو أحد القنوات الأساسية التي تنساب من  خلالها المحبة للآخرين.  هل لاحظنا أن ما يسميه الكتاب ”المحبة“ مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالة الروحية الداخلية.  إنه ليس شكليات أو كلمات وقبلات والتي أخشى أن أقول إنها محبة برياء.
 3- الخدمة المسيحية المؤثرة والضمير الصالح صنوان لا يفترقان.  «هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الابْنُ تِيمُوثَاوُسُ أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا الْمُحَارَبَةَ الْحَسَنَةَ، وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، الَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ، انْكَسَرَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ أَيْضًا» (1تي1 : 18 ، 19). 
   يقول وليم ماكدونالد مُعلقًا على هذه العبارة: ”كان بعض الذين عاشوا في أيام بولس  قد ألقوا  جانبًا الضمير الصالح فانكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان.  إنه يشبههم بربان سفينة أحمق قد رمى بوصلته في البحر.  هؤلاء كانوا مؤمنين حقيقيين لكنهم لم يحافظوا على ضمائرهم رقيقة وحساسة.  بدأوا حياتهم المسيحية كمركب شجاع يبحر عبر اليَم.  لكنهم عوضًا عن أن يرجعوا إلى المرفإ مُحملين بالبضائع والأعلام مرفرفة ارتطموا بالصخور وجلبوا العار على نفوسهم وعلى شهادتهم.  الدرس لنا هو أن مجرد المعرفة الكتابية الصحيحة أو الانشغال في الكرازة والتعليم والوعظ دون الاهتمام بحياة التقوى السرية خطير للغاية“. 
 4- كان الرسول بولس حريصًا كل الحرص على أن يحتفظ بضمير طاهر فقال: «إنِّي أَشْكُرُ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِر..ٍ.» (2 تي 1 : 3).  لم يتنجس قط بفعل شيء كان يعلم أنه خطأ وفي كل مراحل حياته حرص أن يسلك حسب ما عنده من نور - هذا معنى الضمير الطاهر.  ونحن تستوقفنا هذه الحقيقة: هل نسلك بحسب النور الذي لدينا؟؟
   نعرف وندرس ونستمع ونعظ، هل يا ترى نسلك  بموجب هذا؟ إن لم نسلك بحسب ما لدينا من نور فإننا بحالة روحية خطيرة.  إنها حالة من الفصام الروحي أي الانفصال التام بين ما نعرف وما نعيش.  
   نعرف نحن أن مائدة الرب تستلزم حالة نقاوة عملية لكننا نذهب إليها والبعض في قلبه مرارة نحو إخوته الذين له شركة معهم، فهل هذا يليق؟!!
   نعرف جيدًا ونعظ أننا غرباء ونزلاء وقلوبنا غارقة في محبة المال والتكالب على جَمْعِه!!
   نعرف أن الكتاب نهانا عن ذم بعضنا بعضًا والأنين على إخوتنا، لكننا لا نتوقف عن أكل بعضنا بعضًا والنهش في بعضنا البعض!!
   نرنم كثيرًا عن أشواقنا لمحبة الرب ولا نحرك ساكنًا في خدمة المسيح والشهادة للهالكين، وللأسف أحيانًا لا نتوقف عن نقد الذين يتعبون في الخدمة لأنهم ليسوا على هوانا!! 
   آه .. نحتاج لوقفة صادقة مع أنفسنا. 
 5- الضمير الصالح هو الدرع الذي يلبسه كل خادم للمسيح فهو أحد الأسلحة الروحية التي لا يمكن الاستغناء عنها في معاركنا الروحية.  «إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ» (2كو10 : 4).  إنه يحمي الخادم من هجمات العدو العنيفة ضده.  
   كيف واجه بولس المعلمين الكذبة في كورنثوس الذين اتهموه بالكذب لأنه بلا مصداقية، له وجهان ويغير كلامه؟ لقد تصدَّى لهم من أول الرسالة قائلاً: «لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ»(2كو 1 : 12).
  كان ضميره يشهد له أنه تصرف بقداسة ودوافع نقية في كل معاملاته معهم.  لم يستخدم حكمة جسدية، ولم يلجأ إلى الوضوح في الكلام أو التلاعب في الكلام أو التحايل أو الالتفاف حول الحقائق.  كلا.. بل تصرف في نعمة الله بأساليب روحية والإخوة هناك كانوا يعلمون ذلك.  «وَأَمَّا اللهُ فَقَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ لَهُ، وَأَرْجُو أَنَّنَا قَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ فِي ضَمَائِرِكُمْ أَيْضًا» (2كو 5 : 11)، بل حتى لغير المؤمنين كان حريصًا أن ضمائرهم تشهد لهم بمصداقية بولس «لقَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا الْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلاَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللهِ، بَلْ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ، مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ اللهِ» (2 كو4 : 2).
 
   والآن إخوتي وأحبائي كيف ندرب أنفسنا ليكون لنا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس (أع 24 : 16).  دعونا نسأل أنفسنا بعض الأسئلة ونكون صادقين في إجابتها: 

1- هل نعترف بكل خطية يكشفها الرب لنا بكلمته ونسرع بتركها فورًا؟ (أم 28 : 13)، (1يو 3 : 20).
2- هل نطلب الغفران ممن أخطأنا في حقه ونتصالح معه قبل أن نرفع صلوات أو نقوم بخدمات؟ (مت 5 : 23 ، 24). 
3- هل قمنا برد المسلوب إن كنا قد أخذنا شيئًا ليس من حقنا؟ وهل عوَّضنا عنه أيضًا؟ (عد 5 : 6 ، 7).
4- هل نحن صادقين في استحضار أنفسنا بشكل مستمر في نور محضر الله طالبين منه أن يفحصنا ويشير إلى ما لا يرضيه فينا؟ (مز 139 : 23 ، 24).
5- هل نواظب على دراسة الكلمة إلى الحد الذي به كأننا نغمر أذهاننا فيها حتى تشكل أفكارنا وتحكم ضمائرنا؟ (عب 4 : 12 ، 13)، فلا نعود نعثر ضمائرنا بفعل شيء نعلم أنه خطأ ولا نرتاب أو ننزعج بشيء لا يذكر الكتاب أنه خطأ.  إنه تدريب لازم للنضوج.                                                          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com