عدد رقم 4 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
العطاء  
 العطاء هو برهان المحبة، وقد يكون من الممكن أن نعطي دون أن نحب، لكن من المستحيل أن نحب دون أن نعطي.  وأروع قياس هو ما قاله الرب يسوع: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد» (يو3: 16).  وإن كانت محبة الله من كل القلب ومحبة القريب كالنفس هي أعظم الوصايا (مر12: 30،31)  فيا لعظمة العطاء لله وللآخرين! فلا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (1يو3 :18).  وكما أن العطاء يؤكد وجود أعظم الفضائل أي المحبة (1كو13:13)، فعدم العطاء هو دليل على: 

1- الطمع الذي هو عبادة الأوثان (كو3 :5).   
2- محبة الذات وهي سمة الأيام الأخيرة (2تي3: 2). 
3- محبة المال التي هي أصل لكل الشرور (1تي6: 10)، لذا من المهم أن ننتبه إلى ما قاله الكتاب فيما يخص العطاء ونوعيته وكميته وكيفيته. 

   أولاً: العطاء ونوعيته: 

1- العطاء المادي: «أكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك» (أم 3: 9).  كم هو رائع استخدام المال في سداد أعوز الآخرين ونشر الإنجيل ومؤازرة خدام الله كما كان يفعل الفيلبيون مع بولس (في4: 10 – 18). 
2- العطاء المعنوي: كم من صغار النفوس الذين يحتاجون إلى تشجيع (1تس5 : 14)، والمتألمين الذين يحتاجون إلى تعزية.  وفي كثير من الأحيان يكون العطاء المعنوي أهم من العطاء المادي.  فكم أناسٍ يحتاجون ابتسامًا لا ذهب، ونفوس في انحناءٍ تحت وطأة التعب تحتاج كلمة تخفف الألم، فهل نعطي ولا نبخل بالمشاعر والحب والتشجيع والتقدير والكلمة الطيبة والسؤال والافتقاد، ناظرين إلى المثال الكامل شخص الرب يسوع المسيح الذي كان يفيض قلبه دائمًا بالحنان لكل من تعامل معه؟ 
3- العطاء البدني: وهو أن أعطي الآخرين من مجهودي وتعبي.  فيقول الرب: «من سخرك ميلاً واحدًا فاذهب معه اثنين» (مت 5 :41)، ويقول بولس فإني أُنفِق (عطاء مادي) وأُنفَق (عطاء بدني).  ومن أمثلة هذا العطاء ما فعله سمعان القيراواني حيث قبل التسخير ليحمل الصليب خلف يسوع، فقد أعار الرب بعضًا من قوته الجسدية ليخفف عنه هذا الحمل الثقيل، وبالقطع فإن الرب لم ينس له هذا العمل.  كذلك التعب فى الخدمة والسفر إلى أماكن صعبة، وزيارة الأيتام والأرامل والمساجين والمرضى والمسنين كما أوصى سيدنا. 

   ثانيًا: العطاء وكميته: 

   في العهد القديم نجد العطاء مُحدد القيمة، فأبرام أعطى ملكي صادق عُشرًا من كل شيء (تك14: 20)، ويعقوب نذر قائلاً: «وكل ما تعطيني فإني أعشره لك» (تك 28 :22). 
   أما عن العطاء في شريعة موسى فنجد عشرًا يُعطَى للرب ويُقدَّم للاويين (لا 27: 30 – 33)، كما نجد أن هناك عشرًا آخر ينفق للفرح أمام الرب (تث14: 22 – 27)، وأيضًا نجد عشرًا يخرج كل ثلاث سنين للغريب واليتيم والأرملة (تث14: 28 – 31)، أي حوالي 23.33 % كان يُقدَّم للرب، هذا بخلاف الباكورة والتقدمة وزوايا الحقل، فنجد أن اليهودي التقي هكذا كان يُعطي.  أما في العهد الجديد حيث لا ناموس ولا فرائض فلا تحديد لقيمة ما نعطيه، ولكن لنتذكر كلمات الرب «فإني أقول لكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات» (مت 5: 20). 

   ثالثًا: العطاء وكيفيته: 

«جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقي الجمع نحاسًا في الخزانة» (مر 12 :4).  نعم الناس يهتمون بالكم أم الرب فبالكيف.  الناس تنظر إلى ماذا نفعل والله ينظر لماذا نفعل؟ فها هو يراقب كيف نعطي؟ لهذا فلا بد أن يكون العطاء كالآتي: 
1- العطاء بأمانة: كم يُسر الرب بالأمانة، ولعل من أهم الأمور التي تظهر فيها أمانة أولاد الله هي تعاملهم مع المال، «فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق»؟ ( لو6 :11).  شيء حسن أن نعطي ولكن الأهم أن نعطي بأمانة.  يحدثنا الكتاب عن حزقيا عندما أمر بإعداد مخادع في بيت الرب، فيأتي التقرير عنه وعن الشعب: «وأتوا بالتقدمة والعشر والأقداس بأمانة» (2 أي31 : 12)، وهذا هو المهم فى نظر الله.  «وبعد هذه الأمور وهذه الأمانة أتى سنحاريب ملك أشور ودخل يهوذا ونزل على المدن الحصينة وطمع بإخضاعها لنفسه» (2أي 32: 1)، فماذا نتوقع من الرب إلا أن يتدخل «فأرسل الرب ملاكًا فأباد كل جبار بأس ورئيس وقائد في محلة ملك أشور فرجع بخزي الوجه إلى أرضه». 
(2أي32: 21) فبالحق «الرجل الأمين كثير البركات» (أم 28: 20)، وعلى النقيض نجد حنانيا وسفيرة حيث لم تكن المشكلة في عدم العطاء، ولكن كانت فى العطاء بعدم أمانة، فاختلسا من ثمن الحقل وكذبا (أع 5)، فماذا عن أمانتا نحن في العطاء؟ هل نختلس من حق الرب؟   
2- العطاء بسخاء: لنا إله ما أجوده! يعطي الجميع بسخاء ولا يُعيِّر، وهكذا ينبغي أن نكون.  فمن غير اللائق بل ومن غير الطبيعي أن يكون هناك مؤمن بخيل، مع ملاحظة أن السخاء لا يحسب بمقدار ما نعطيه بل بمقدار ما نحتفظ به لأنفسنا.  لذا يقول الرب عن الأرملة التي أعطت الفلسين، أنها ألقت أكثر من الجميع، حيث أنها لم تحتفظ بشيء لنفسها.  كما نجد غلامًا لم يكن معه سوى خمسة أرغفة وسمكتين ولم يحتفظ بسمكة وأعطى الأخرى بل أعطى الجميع.  من هنا نعرف أن السخاء لا يرتبط بالغنى، فها هي أرملة فقيرة، ولا يرتبط بعمر فها هو غلام صغير.  على النقيض نرى الشاب الغني الذي أراد أن يرث الحياة الأبدية، وقال له الرب: اذهب وبع كل ما لك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء، نجده مضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة.  صديقي .. الله لا يطالبنا بعدم محبة المال بل ببغضته، ولا بعدم تقديره بل باحتقاره (مت 6: 24).  فهل نُقدِّم لعمل الله من أعوازنا أم نهتم بزيادة أرصدتنا وممتلكاتنا؟ ألا نخجل من النعمة المعطاة في كنائس مكدونية إذ يقول عنهم بولس الرسول: «إنه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم لأنهم أعطوا حسب الطاقة أنا أشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم» (2 كو8 : 2، 3). 
3- العطاء في الخفاء : كثيرون يعطون لكي يُمجَّدوا من الناس، ونحن في أحيان كثيرة نسقط في هذا الفخ.  فعندما يكون العطاء غير معلن أمام الناس لا نجد حرجًا في أن يكون قليلاً، ولكن عندما يكون مُعلنًا في شكل تعهدات أو إيصالات يكون كثيرًا، فهل تظن أن عطاءً بهذا الشكل هو عطاء يرضى عنه الله.  «وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تُعرِّف شمالك ما تفعله يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية (مت6: 3، 4). 
4- العطاء بسرور: لا قيمة لعطايانا إن كانت عن حزن أو اضطرار «لأن المعطي المسرور يحبه الله» (2كو 9: 7).  فإن كنت أعطي حتى لا أخجل من الآخرين أو كنت مضطرًا لتسديد احتياج ما أو حزينًا ونادمًا على ما أعطيته، في هذه الأحوال تكون العطية للناس وليست للرب.  فهل نتذكر كلمات الرب يسوع «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ»، وهل نحسن التصرف فيما بين أيدينا لا كمُلاك بل كوكلاء صالحين، واضعين نصب أعيننا وصية الكتاب: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنزوا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون» (مت6: 19،20)، متفكرين في المبدإ الإلهي «إن من يزرع بالشح فبالشح أيضًا يحصد ومن يزرع بالبركات فالبركات أيضًا يحصد» (2كو9: 6)، فليت عطاؤنا يكون بأمانة وفي الخفاء، بسرور وسخاء، فيكون تمجيد الرب هو الدافع الحقيقي للعطاء الحقيقي قبل فوات الأوان. 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com