عدد رقم 4 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
خلي بالك يا عيني شايفه إيه  
 هناك أهمية قصوى لضبط النظرات؛ فسليمان مع أنه كان ملكًا عظيمًا، إلا أنه لم يملك روحه.  مع أنه هو الذي قال: «مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أم16: 32)، والسبب أنه لم يضبط نظراته.  لهذا قال: «ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما» (جا2: 10).  وإن دل هذا فإنما يدل على روح الطفولة والتدليل لرغبات النفس، والنتيجة الحتمية أنه أفسد نفسه.
   العين هي المدخل الرئيسي للذهن والقلب.  وما تنظره عيوننا هو ما ينطبع في أذهاننا وعلى قلوبنا، وما يخرج من قلوبنا هو من الشيء الذي استقرت عليه عيوننا.  ونستطيع أن نستنتج هذا التطبيق العملي من خلال توحم غنم لابان خال يعقوب.
   العين هي أحد المداخل للشهوة، فعن طريقها ينظر الإنسان لما حوله، وبعد ذلك يشتهيه.  قال أحد القديسين القدماء: "أيُّ شيء تشتهيه وأنت لم ترَه؟!". وهناك أشخاص قادتهم النظرة لحب التملك، مثال ذلك حواء في الجنة، ولوط، وعخان بن كرمي.  بينما سقط آخرون بسبب النظرة في الشهوات الغريزية مثل شمشون، وداود، وحمور ابن شكيم.

  وبالنسبة لشهوة امتلاك ما ليس لنا، فقد سقطت في هذه الخطية حواء؛ لهذا نستنتج أن أول خطية في التاريخ كانت عن طريق النظر، فمع أن التقرير الإلهي أن الشجرة (وكل الأشجار) كانت شهية للنظر وجيدة للأكل، إلا أن الحية جعلت لشجرة معرفة الخير والشر بريق خاص، «فرأت المرأةُ أن الشجرة جيدةٌ للأكل وأنها بهجةٌ للعُيُون وأن الشجرة شهيةٌ للنظر» (تك3). 

   لوط: نظر فرأى سدوم كجنة الرب كأرض مصر فاختارها لنفسه، مع أن لوط لم يرَ جنة الرب! لكنه يومًا نزل إلى مصر ونزلت مصر إلى قلبه، ومن إعجابه بها تخيل أن جنة الرب لن تكونَ أفضلَ منها، وخرج من مصر مع أبرام ولكن مصر لم تخرج من قلبه؛ فنظر إلى سدوم من خلال ما رآه في مصر.  وهذا يوضح لنا أن هناك بعض الأماكن قد تسبب عثرة وشركًا لمؤمن في ذات الوقت الذي فيه لا يتعثر منها مؤمن آخر.
   وعندما سكن في سدوم لم تفلحْ معه حرب عالمية سمح بها الرب لخلع قلبه منها، حيث أنه بعد أن رد أبرام سبيَه رجع مرة أخرى ليسكنَ في سدوم ولم يخرج منها إلا قبل أن يرمِّدَها الله، وكانت بداية كل ذلك نظرة لسدوم.

   عخان: بعد النكسة في عاي، قال: «رأيتُ في الغنيمةِ رداءً شنعاريًا نفيسًا ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً فاشتهيتُها وأخذتُها وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي والفضة تحتها» (يش 21:7).  لاحظ الترتيب رأيتُ، اشتهيتُ، أخذتُ، فلقد تطور الأمر معه من نظرة إلى شهوة إلى حب امتلاك.

   أما الذين تعثروا بسبب العين شهوانيًا فيمكننا أن نرى: 
   داود: فقد نظر من على السطح إلى امرأة جميلة تستحم ورغم أنه كان متزوجًا من كثيرات، وكان شيخًا متقدمًا في الأيام في ذلك الوقت، إلا أنه اشتهى لأنه سمح لنفسه بالنظر بغرض الشهوة.  نظرة ليست بريئة بل شهوانية مقصودة حركت فيه الغرائز.  هذا ما قاله الرب في موعظة الجبل: «وأما أنا فأقول لكم إن كل مَنْ ينظر الى امرأة ليشتهيَها فقد زنى بها في قلبه» (مت 28:5)، فلقد زنى داود بها في قلبه قبل أن يزنيَ معها حرفيًا.
   وقصة داود توضح لنا أن هذه الخطية غير مرتبطة بسن الشباب، فيوسف وهو في أخطر سن نجا منها، وداود المتقدم في السن سقط فيها، كذلك لا ترتبط بالزواج من عدمه، فالذي سقط هو المتزوج.

   وقصة داود توضح لنا أيضًا أن أوقاتَنا إن لم نُحسن استخدامها، سيستخدمها إبليس لتُصبح وَبالاً علينا، كما قال أحدهم: "العقل الفارغ معمل للشيطان".
   وداود تعطل روحيًا عن الشركة مع الرب لمدة سنة تقريبًا، فبقراءة مزمور32 نفهم أنه فعل الشر وسكت ولم يعترف به، فيقول: «لما سكتُّ بليت عظامي» ونتيجة لذلك جف روحيًا «تحولت رطوبتي إلى يبوسة القيظ».  إلى أن رد الرب شركتَه عندما أرسل إليه ناثان النبي.  وقصة داود تجدد لنا التحذير الكتابي: «إذًا مَنْ يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط» (أي: لئلا يسقط) (1كو 12:10).

   حمور ابن شكيم: نظرة حمور لدينة ابنة يعقوب المقترنة بالشهوة كانت بداية لسلسلة مدمرة انتهت نهاية مريرة.  فقد "رآها، أحبها، لاطفها، أخذها، اضطجع معها، أذلها".  وكانت النهاية مشاكل كبيرة جدًا له ولأسرته ولكل أهل شكيم، ولعائلة يعقوب (تك 1:34-5)، لكن البداية كانت نظرة، فلنتحذر.

   شمشون: نظرتُه كانت أيضًا هي السبب المباشر في سقوطه.  فبالنسبة لفتاة تمنة الفلسطينية قال عنها لأبيه: «إياها خذ لي لأنها حسُنت في عيني» (قض 3:14 -7)، ومرة أخرى ذهب إلى امرأة زانية وكانت أيضًا النظرة هي السبب، فنقرأ القول: «ثم ذهب شمشون إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها» (قض 1:16).  وأخيرًا أحب امرأة اسمها دليلة، والنتيجة أن هذا البطل تعثرت خطواتُه وفقد خطة الله في حياته ومات قبل الأوان، وذكر الكتاب في نهاية حياته أنه قضى لإسرائيل عشرين سنة (قض 31:16). 

   فلكي لا تعثر يا عزيزي القارئ بسبب العين عليك بقلع العين: «فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلِكَ أحد أعضائك ولا يُلقَى جسدُك كلُّه في جهنم» (مت 29:5)، وبالطبع هذا الكلام لا يُطبق حرفيًا؛ فالعادات الرديئة والرغبات الشريرة ليست متعلقة بجسم الإنسان، بل هي نابعة من العقل والقلب والتصور؛ لكن معناه: تصرَّف كما لو كانت عينك مقلوعة أي لا تنظر، فبفرض أنك رأيت منظرًا ملفتًا، حوِّل عينك مباشرة عنه، وتصرف كما لو كنت أعمى لم يَرَ هذا المنظر، فالنظرة الشريرة ليست هي النظرة العابرة بل هي النظرة المقصودة بغرض الشهوة.
   خطورة النظرة الشريرة أن العدو من خلالِها يطبع في العقل الباطن آلافَ الصور يُذكِّرنا بها ويعرضها علينا في وقت ضعفنا.

   عزيزي إن كانت الخطية مُحيطة بنا بسهولة، وإن كان العالم مملوءًا بالعثرات إذ «لا بد أن تأتيَ العثرات»، فلتكن حريصًا على عينيك ماذا تنظران.

   ومن جهة أخرى ضع أعضاءك التي تشتهي، في حكم الموت، أي لا تتجاوب مع الخطية، حيث أن الشخص الميت لا يتجاوب مع المؤثرات الخارجية.  هذا ما قاله بولس: «كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رو 11:6).                                                                                                                                                                                           

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com