تحدثنا فيما سبق عن رفقة؛ العروس التي توافرت فيها كل الصفات الروحية والأدبية الرائعة التي تجعل منها عروسًا تليق بإسحاق. وتكلّمنا عن:
(1) رفقة المؤمنة (تك24: 4)
(2) رفقة المُعيَّنة (تك24: 14)
(3) رفقة المُخصَّصة (تك24: 16)
(4) رفقة المُزَيَّنَة (تك24: 22، 47، 53)
(5) رفقة الخادمة الفاضلة المضيَّافة (تك24: 14-25؛ 42-46)
ونواصل تأملاتنا بتحذيرين عن رفقة الزوجة والأم، ونقاط ضعفها التي شوَّهت كل هذا الجمال الذي كنا نتأمل فيه:
أولاً: رفقة الزوجة
(تكوين27)
كانت «رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أُخْتَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ» (تك25: 20). ونحن نعتقد أن “بَتُوئِيل” أبا رفقة لم يكن مُقَدَّرًا التقدير الكافي في بيته، وأن أمها هي التي كانت تقود الأمور في البيت حسبما تريد، والأدلة متوافرة:
(1) بعد مقابلة رفقة للعبد عند عين الماء «رَكَضَتِ الْفَتَاةُ وَأَخْبَرَتْ بَيْتَ أُمِّهَا» (تك24: 28) ... وهل البيت بيت الأب أم بيت الأم؟!
(2) وفي البيت، بعدما تحدث العبد عن هداية الرب له في طريق أمين ليجد الفتاة المُعيَّنة لابن سَيِّده «أَجَابَ لاَبَانُ وَبَتُوئِيلُ» (ع50). لقد تحدَّث “لاَبَانُ” الابن قبل أن يتكلَّم “بَتُوئِيلُ” الأب ... وهل هذا هو الترتيب اللائق؟!
(3) «وَأَخْرَجَ الْعَبْدُ آنِيَةَ فِضَّةٍ وَآنِيَةَ ذَهَبٍ وَثِيَابًا وَأَعْطَاهَا لِرِفْقَةَ، وَأَعْطَى تُحَفًا لأَخِيهَا وَلأُمِّهَا» (ع53) ... «تُحَفًا لأَخِيهَا وَلأُمِّهَا»! وماذا عن “بَتُوئِيلُ” الأب؟! ألا توجد له هدية؟! لا شيء، وكأنه نسيًا منسيًا!
(4) وعندما طلب العبد: «اصْرِفُونِي إِلَى سَيِّدِي ... قَالَ أَخُوهَا وَأُمُّهَا» (ع54، 55). كانت الكلمة الفيصل للأخ وللأم! ... وماذا عن رأي الأب؟! لا يَهمّ!
(5) وقبيل الرحيل «صَرَفُوا رِفْقَةَ أُخْتَهُمْ ... وَبَارَكُوا رِفْقَةَ وَقَالُوا لَهَا: أَنْتِ أُخْتُنَا ...» (ع59، 60). وأين الأب ليُبارك ابنته ويقول لها: “أنتِ ابنتي ...”؟! كأن لا وجود له!
ويبدو أن ما طبعت عليه رفقة في بيتها القديم؛ «بَيْتَ أُمِّهَا»، عادت إلى تكراره في بيتها الثاني؛ بيت زوجها إسحاق. ويبدو أن معاملة أمها لأبيها تكررت في معاملتها لزوجها (حز16: 44).
إن نقطة ضعف رفقة الأولى، بل ومأساتها الحقيقية كزوجة، أنه بمرور السنين، لم يعد احترامها لزوجها يأخذ نفس الصورة الأولى والطابع القديم. كان إسحاق رجلاً هادئًا ساكنًا قابعًا في خيمته، وكانت هي شخصية قوية قيادية مُسيطرة بحكم نشأتها. وتدريجيًا أصبح لها دور القيادة والكلمة المسموعة في البيت. ومع ضعف إسحاق وشيخوخته، فقدت احترامها وتقديرها له، ولم تعد تهابه (أف5: 33).
ورغم علمها بأن هذا الزوج هو رأس الأسرة (قارن من فضلك تك18: 12؛ 1بط3: 5، 6)، ورغم معرفتها أن في يده البركة، يستطيع – بحسب السلطان المُعطى له من الله – أن يُعطيها لمن يشاء، ويحرم من يشاء، إلا أن الرجل الطيّب، وقد أحاطت به الشيخوخة، وجلس هادئًا في مكانه لا يتحرك، وقد فقد بصره تمامًا، لم يعد ينال نفس الصورة القديمة من المهابة والاحترام. وها هي زوجته رفقة تشجع ابنها المخادع المتردد على أن يخدعه، وابتكرت بمكر خطة التقمص للشخصيات، لحرمان عيسو من بركة أبيه (تك27: 5-17). ومع أنها ربما التمست لنفسها عذرًا، أنها تُتمّم إرادة الله الذي وعد من البدء يعقوب بالبركة (تك25: 23)، ولكن هل كان الله بحاجة للخداع والغش لإتمام وعده؟! وهل الله تُعوزه الحكمة أو القدرة ليُتمّم مقاصده، بما يراه هو مناسبًا، وفي وقته؟!
على أي حال فإن رفقة في هذا لا تعطينا إلا صورة المرأة التي استهانت بشيخوخة زوجها وضعف وقلة حركته ورؤيته، وقد حصدت سريعًا الثمار المُرّة لسلوكها هذا.
ابنتي الغالية: دعيني أدق لكِ جرس إنذار؛ إن المرأة التي لا تهاب رجلها، وتتولى رئاسة البيت احتقارًا لزوجها، هي تعيسة وبائسة، وستحصد بلا شك ثمار تمردها في آثام أولادها الذين ينشأون بلا ترتيب. فانصتي طائعة لتحريض كلمة الله «أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ ... وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا» (أف5: 22، 33)، «كَذَلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ ... فَإِنَّهُ هَكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ سَيِّدَهَا. الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ» (1بط3: 1-6).
بقيت لنا كلمة تحذيرية أخرى عن رفقة الأم، وهي موضوع عددنا القادم، إن شاء الرب وعشنا.