عدد رقم 4 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون إرساليةٌ إلهية ... وذهنٌ مُفكِّر  

لازلنا بصدد شخصية جدعون؛ الشاب الصغير الذي دعاه الرب لعمل كبير في أيام القضاة العصيبة وفي زمن المجاعة والصراع مع المديانيين.  ورأينا كيف أن الله لا يدعو مؤهلين ولكنه يؤهل مدعوين لشرف خدمته، وتوقفنا المرة الماضية أمام حيرة منطقية وتساؤل مشروع من جانب جدعون لملاك الرب؛ الذي هو الرب نفسه؛ الذي ما أن قال له: «الرب معك يا جبار البأس» حتى تساءل جدعون مُتحيرًا «إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ» (قض6: 12، 13).
  وهنا نتوقف أمام أمرين نحسب أنهما في غاية الأهمية – أحبائي الشباب - لكل من يريد أن يكون نافعًا للسيد وللنفوس الغالية وهما : الإرسالية الإلهية، والذهن المفكّر.
أولاً الإرسالية الإلهية المباشرة (أما أرسلتك؟)
لم يرسل جدعون نفسه، ولا أرسله الشعب، ولاهيئة دينية مهما علا شأنها، ولكن الرب هو الذي دعاه وأرسله بصورة مباشرة وواضحة تمامًا له وللمحيطين به.  ويمكننا أن نلاحظ في كل التاريخ المقدس أصالة هذا المبدأ الإلهي: أن الخدمة ينبغي أن تُقبَل من الرب يسوع شخصيًا وبشكل مباشر (أنظر كو4: 17).  إن جولة سريعة في كلمة الله ترينا هذا المبدأ في كلا العهدين: القديم والجديد؛ فموسى وصموئيل وداود وإرميا والتلاميذ وبولس وأرخبس، بل وكل الذين استخدمهم الله بصورة واضحة عبر التاريخ الطويل، قبلوا إرسالية مباشرة ودعوة شخصية لعملهم وخدمتهم من الرب رأسًا.

أعزائي الشباب..
كثرت في أيامنا الأنشطة والخدمات، وتنوعت وتفرعت الاجتماعات، ومعها زادت الحاجة إلى من يشارك ويملأ الفراغ من جهة، كما صارت المسألة مجالاً لاختيارنا كشباب من الجهة الأخرى.  فمن جهة المسئولين – ونظرًا لكثرة المسئوليات – صاروا يحاولون بكل طاقاتهم "الاستحواذ" على أكبر قدر ممكن من الشباب لتنجح الخدمات والاجتماعات الفرعية التي هم مسؤولون عنها، وهذا السعي الحثيث يتجاوز عادة مبدأ البحث الدقيق وانتظار إرشاد الرب لمن يريد أن يستخدمهم في هذا المجال أو ذاك.  ناهيك عن التجاوز، في أحيان كثيرة، عن الحالة الروحية لهؤلاء الشباب أو حتى عن إيمانهم في الأساس!!

أما من جهتنا كشباب فصرنا ننظر إلى الخدمات نظرة البحث عن تحقيق الذات، وحب الظهور في كثير من الأحيان، واستلطاف الأنشطة، أو المجموعة التي نود أن نرتبط بها أكثر من الخدمة التي نحن مدعوون من الرب إليها.
والنتيجة الواضحة بكل جلاء: كمّ هائل من الخدمات والأنشطة والاجتماعات، مع أعداد غفيرة من الشباب والشابات مشغولون دائمًا (حتى عن حضور الاجتماعات الكنسية!)، وإن دققت ربما تجد الأكثرية لا تجد وقتًا حتى للخلوة الفردية!! كل هذا وما أضعف المحصلة، وما أقل الثمار.  وإن دققت أكثر تكتشف أن نسبة المدعوين من الرب فعلاً لهذه الخدمات ربما لا تصل إلى واحد من عشرة في أفضل التقديرات!!
أحبائي: هل هذا هو عمل الله؟ هل هذه هي خدمة الرب العظيمة والشريفة والتي قُبِلَتْ من الرب شخصيًا؟ إن الرب يهمه شخص الخادم قبل خدمته!
إننا من كل القلب نشجع كل نشاط وخدمة في المجال الروحي النقي، لكننا – من كل القلب أيضًا- نخشى من ضياع أقوى الطاقات، وأفضل الامكانيات، وأحلى السنوات في غير المجال أو الاتجاه الذي يريده الرب فهذه أحبائي: مأساة! ماذا سنقول للسيد عندما نقف أمامه قريبًا جدًا لنعطي حساب وكالتنا؟ وآه إن اكتشفنا أننا كنا خارج الإطار ونسعى بشكل غير قانوني، ونجاهد في مضمار ليس لنا!!

صحيح أن الرب كثيرًا ما يستخدم تشجيع المتقدمين، وحاجة المخدومين ليدفعنا للحركة في هذا الاتجاه أو ذاك.  لكن دعونا نكون صادقين مع أنفسنا ونقول أن هذا وذاك – مع تقديرنا له – لا يكفي مطلقًا كدليل على أن هذا هو – بالتحديد - المجال الذي يريدنا الرب أن نخدمه فيه، فلا شيء في الوجود كله يعوضك – عزيزي الشاب وعزيزتي الشابة – عن أن تقبل خدمتك بإرسالية مباشرة من الرب شخصيًا.  وإن تسألني وكيف؟ أقول لك ارجع إلى الكتاب وارجع إلى تاريخ الأتقياء المستخدمين من الرب، واسأل الرب مُخْلصًا باتضاع وستعرف أنه ما أبسط الصورة وما أسهل الطريق الذي صعبناه على أنفسنا بهذا الشكل!
ثانياً: الذهن المُفكِّرالمُتَّضع (أسألك يا سيدي!)
صحيح أن الرب ليس عنده مانع أن يستخدم ذوي العقول الجبارة، أو البسطاء في عمله كما رأينا في مرة سابقة.  لكن صحيح أيضًا أن الله لا يستخدم الكسالى لا في أجسادهم، ولا في أذهانهم!!
لقد بدا جدعون شابًا نشيطًا بدنيًا وهو يخبط حنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين وبدا نشيطًا ذهنيًا وهو يفكر في الرب وفيما وصل إليه حال الشعب.

إننا نعتقد أن تساؤلات جدعون عبَّرت عن ذهن حاضر ومفكِّر قَدَّره الرب ورحب به فبعد تساؤل جدعون الأول عن «لماذا أصابتنا كل هذه»؟ يقول الكتاب: «فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ:اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي» (ع14، 15).

وهنا نجد جدعون مرتين يقول لملاك الرب: «أسألك يا سيدي» (ع13، 15)، وفي كل مرة أردف بتساؤلات منطقية ومشروعة، مرة عن حال الشعب، ومرة عن حاله هو وكيف سيُخلِّص إسرائيل؟ 

والواقع فإن التساؤلات هي دائمًا أول طريق الوصول إلى الحقيقة، وهي وسيلة المُتعلِّمين المُتَّضعين، ولغة المُفكِّرين والباحثين.  وهذه كلها نحسب أنها صفات هامة لكل من يريد أن يستخدمه الرب: الذهن المُفكِّر (أسألك) مع الاتضاع (يا سيدي)، والتساؤلات التي لا تستعرض المعلومات أو تثير المباحثات أو تستدعي الفلسفات بل تبحث عن الحق والصواب.  «فَاقْتَرَبْتُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْوُقُوفِ وَطَلَبْتُ مِنْهُ الْحَقِيقَةَ فِي كُلِّ هذَا. فَأَخْبَرَنِي وَعَرَّفَنِي تَفْسِيرَ الأُمُورِ» (دا 7: 16).
أحبائي الشباب:
إننا نعيش في مجتمع يطبع الكسل الذهني والبدني قطاعًا واسعًا فيه، لاسيما من شبابه، فلنحذر، كما ولنتشجع بأمثلة كتابية جميلة نظير جدعون المُفكِّر والمُتسائل، فلا نُعطِّل عقولنا، ونكتفي إما بقناعة سطحية بموروثات دينية دون فحص، أو برفض عاطفي ووجداني غير مُبرَّر لتعاليم وحقائق دون تفكير نتيجة أننا رأينا بعض المنادين بها يعيشون بالانفصال التام عنها.  إن ثقافة الاستسهال الفكري نتاجها دائمًا الوقوع في أحد هذين الفخَّين.  فلنجتهد في إعمال عقولنا – باتضاع - سواء في درس كلمة الله، أو فهم مشيئته، أو محاولة فهم الواقع الروحي الذي نعيش فيه برغبة صادقة في أن نحيا مؤثرين في جيلنا كما عاش جدعون وأثَّر في جيله، في بيته وشعبه كما سنرى بعد ذلك إن أذن الرب.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com