عدد رقم 4 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جرار قطار التكريس  
 يوناثان من الشخصيات الكتابية التي تلمع فيها المحبة المخلصة الفعالة وليست مجرد المشاعر والكلمات.  رغم أن الصورة الجميلة تكتمل لو أن يوناثان تبع داود أثناء رفضه وترك القصر.  لكن على أي حال يمكن أن نرى فيه ولو بصورة جزئية كيف تكون المحبة الحقيقية.
المحبة للرب هي أساس التكريس وهي أيضًا حافز العبادة والخدمة للرب في حياة المؤمن.
المحبة للرب هي قلب الشهادة المسيحية وهي سراجها، فإن غابت المحبة انطفأت حياة المؤمن وشهادته. 
المحبة للرب هي محرك الإيمان والرباط الذهبي لكل أركانه وهي جرار قطار التكريس.  

   العريس في سفر نشيد الأنشاد قبل أن يمتدح شفتي العروس اللتين تقطران شهدًا (أقوالها الشهية سواء في التسبيح أو الشكر في العبادة)، وقبل أن يمتدح رائحة ثيابها (شهادتها القوية سواء بالقول أو الفعل)، امتدح محبتها النقية قائلاً: ما أحسن حبك يا أختي العروس.  نعم إن المحبة النقية للرب هي جرار قطار التكريس. 

   المحبة الحقيقية ليست كلمات ونغم نقولها في الترنيم ونرددها في الصلوات.  وما أكثر الترانيم والصلوات التي تمتلئ بالحديث عن محبتنا للرب، لكن هل من برهان لهذه المحبة؟ هل حياتنا تؤكد ما نردده؟  المحبة الحقيقية هي المحبة التي تضحي وتتعب من أجل المحبوب كما قال أحدهم: إن المحبة التي لا تتعب فهي تلعب. 

   عندما جرى الحديث الحميم بين الرب وبطرس على بحر طبرية، لم يسأله لماذا أنكرتني؟ ولم يسأله كيف ستخدمني؟ بل سأله سؤالاً واحدًا من كلمة واحدة، أتحبني؟؟

في الخمسة مشاهد التالية ليوناثان وداود نرى أربعة عربات في قطار التكريس الذي يجره جرار المحبة الحقيقية .  أربعة أمور نفعلها كبراهين حقيقية أننا نحب الرب من كل القلب:    
      
1. ( 1صم 18 : 4 ، 5 )   :  نســـــلم  للرب كــــل شــــــيء     
2. ( 1صم 19 : 1 )       :  نكتفي بالرب في كـــل ظـــرف      
3. ( 1صم 19 : 4 ، 5 )   : نشهد  للرب في كـــل مناسبة  
4. ( 1 صم 20 : 4 )      :  نطيع  الرب في كـــل أمـــــــر       

       قطع داود ويوناثان عهدًا لأنه أحبه كنفسه.  ربما تعلَّق يوناثان بداود في بادئ الأمر بسبب بطولته، لكن عندما        اقترب إلى داود (المحبوب كما يعني اسمه)، أحبه بسبب صفاته (طاعته لأبيه ومحبته لإخوته، شجاعته وغيرته على مجد الله، اتكاله على إلهه ... الخ)
 نعم داود هو البطل الذي أحرز النصرة لكنه أيضًا داود الحلو الذي تحلو معه العشرة.  
ماذا عن داود الحقيقي ربنا يسوع المسيح الذي كان داود رمزًا له؟ لقد أظهر ربنا الكريم أروع الصفات رغم أن قليلين هم الذين أظهروا الحب الصادق الذي يستحقه.
    بعض الشخصيات الذين اقتربوا منه وبرهنوا على أنهم يحبونه. 

1. يوحنا المعمدان: أظهر المحبة التي تطلب دومًا مجده 
2. يوحنا بن زبدي: أظهر المحبة التي تقترب من صدره
3. المرأة الخاطئة:  أظهرت المحبة التي  تقدر عفوه 
4. مريم أخت لعازر: أظهرت المحبة التي تضحي من أجله 
5. مريم العذراء:  أظهرت المحبة التي تخضع لإرادته 
6. مريم المجدلية:  أظهرت المحبة التي تطلب شخصه 
7. بطرس: أظهر المحبة التي تتجاوب مع صوته 


براهين المحبة الحقيقية

 أولاً : نسلم للرب كل شيء
النتيجة الحتمية للمحبة الحقيقية هي تسليم الحياة بالكامل للرب
1. تسليم الجبة: المسيح سيدي الوحيد وقائدي المجيد
2. تسليم الثياب: المسيح غرضي وقلب شهادتي
3. تسليم السلاح: المسيح قوتي وضامن نصرتي
4. تسليم المنطقة: المسيح بري وسر استقامتي
تسليم الجبة:

  يتميز الأمراء أبناء الملوك عن سائر الشعب بارتدائهم جبة ملوكية يلبسونها فوق الثياب تبين مركزهم السامي بصفتهم أفراد العائلة المالكة.  الجبة تشير إلى المقام والمركز المتميز ودواعي الافتخار.  في هذا المشهد نرى يوناثان يقر بصورة حية ما يلي: 
 لست أنا الذي أستحق أن أكون الملك بل أنت يا داود، لست أنا الجدير بالافتخار والسمو بل أنت يا داود.  داود هنا صورة للرب الذي يستحق الكرامة والمجد وأن يكون السيد على الحياة.
 أهم ما يشير إليه تسليم الجبة هو إعطاء الرب مكانه كالرب والسيد وبالتالي يليق به أن يكون له الاعتبار، وموضوع الافتخار، ومن تتجه إليه الأنظار.  في هذا المشهد نرى يوناثان يخلع الجبة من تلقاء نفسه، هكذا كل من يريد أن يكون تلميذًا مكرسًا للرب، بطيب خاطر يسلم إرادته وينكر ذاته وامتيازاته ويفسح للرب المجال أن يسود على حياته.  
  تسليم الثياب :

 الثياب تعكس وظيفة الشخص وهويته.  الثياب تتعلق بالمظهر الذي يراه الناس وبناء عليه يقرر الآخرون ردود أفعالهم وموقفهم نحوه.
هكذا نعرف المزارع أو المحارب أو القاضي أو الطبيب أو حتى رجل الدين من ثيابه .
تسليم الثياب يعني التوحد معه، والاعتراف بأن الرب هو غرض الحياة وهدف أعمالنا ووظائفنا.  التكريس الحقيقي ليس بكلمات ترنيم أو صلوات تقال في فرص روحية ثم نعود لوظائفنا ونعتبرها أساس هويتنا، بل التكريس يشمل كل الحياة.  إن كنت مهندسًا تذكر أنك خادم للرب في صورة مهندس، وإن كنت طبيبًا فأنت خادم للرب في صورة طبيب، وهكذا كل واحد في وظيفته، المدرس والتاجر والمزارع ..الخ.  لنذكر أن الرب قصد أن يكون هناك مساحة كبيرة من التنوع في وظائف وخبرات المؤمنين لكي تستخدم هذه الخبرات لمجده. 

تسليم السيف والقوس

السيف هو السلاح اللازم للمواجهات القريبة (المباشرة) والقوس للمواجهات البعيدة (غير المباشرة).  مهم لمحارب مثل يوناثان أن يكون له سيف وقوس.  جاء جليات يحارب بالسيف والقوس والرمح أما داود فقد تسلح بما هو أقوى، باسم رب الجنود.  رأى يوناثان بعينيه أن شخص الرب فيه القوة وضمان النصرة فقدم السيف والقوس لداود الذي هو صورة للرب ضامن النصرة الحقيقية لنا.
 المؤمن يسلم سلاحه للرب بمعنى أنه يثق فيه أنه يتكفل بالمواجهات القريبة (الحالية) والبعيدة (المستقبلة) وهو كفيل بالمقاومة الظاهرة والمؤامرة الخفية.

تسليم المنطقة 

المنطقة مهمة للمسافر والمزارع وأيضًا للمحارب.  تلتف حول الحقوين والأحشاء، تستخدم لضبط الثياب وتسهيل الحركة.  وأحيانًا يكون ملحق بها جيب أو جراب وخاصة للمحاربين من طبقة الملوك والأمراء يضعون فيها مبلغًا من النقود وبعض المقتنيات الثمينة التي قد يحتاجون إليها. 
وبصفة عامة المنطقة تشدد الطاقات وتضبط الخطوات وتحفظ المقتنيات.  فالمنطقة تكلمنا عن الرب الضامن لتعففنا وحسن سلوكنا.  ووجودها حول الأحشاء التي تشير للمشاعر والعواطف الداخلية، فهي تشير أيضًا للرب كموضوع محبتنا الذي تتجه إليه عواطفنا ومشاعرنا.
 
 ثانياً : نفتخر بالرب في كل مجال 

 " وَأَمَّا يُونَاثَانُ بْنُ شَاوُلَ فَسُرَّ بِدَاوُدَ جِدًّا" ( 1 صم 19 : 2 )
   هنا مسرة يوناثان بداود تعني أنه مكتف ومفتخر به، هكذا يكون شعور المؤمن المكرس للرب في خلوته الشخصية وفي محافل القديسين.  يُسر به وهو يغمره بالخير والإحسان ويسر به أيضًا في الكرب والأحزان.  يُسر به وهو يجتاز امتحانات الإيمان ويسر به وهو يحتمل المشقات والظلم من أعوان الشيطان.  كتب داود مزمور 34 في ظرف صعب ومخيف من أحرج المواقف التي اجتاز فيها، لكن ما أروع ما سجله الروح القدس لنا – إذ لم ينشغل كثيرًا بضعفه أو بصعوبة الموقف أو رهبة الأعداء بل انشغل بالرب «أُبَارِكُ الرَّبَّ .. بِالرَّبِّ تَفْتَخِرُ نَفْسِي.. عَظِّمُوا الرَّبَّ ... طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ ... مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!»  ولما ترنمت حنة بدأت ترنيمتها بإعلان مسرتها بالرب فقالت: «فرح قلبي بالرب».
  
ثالثاً : نشهد للرب في كل مناسبة 

   لقد اعترف يوناثان الاعتراف الحسن أمام الملك  فقال لشاول أبيه: «لاَ يُخْطِئِ الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ دَاوُدَ، لأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ إِلَيْكَ، وَلأَنَّ أَعْمَالَهُ حَسَنَةٌ لَكَ جِدًّا، فَإِنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ بِيَدِهِ وَقَتَلَ الْفِلِسْطِينِيَّ فَصَنَعَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا لِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ»  (1صم19: 4 ،5).
أعماله حسنة لك جدًا  ( حياة عظيمة )
وضع نفسه بيده ( تضحية عظيمة )
قتل الفلسطيني  ( انتصار عظيم )
صنع خلاصًا عظيمًا ( نتائج عظيمة )
   يا لها من شهادة عظيمة لخصتها عروس النشيد في كلمتين «حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ» (نش10:5) . أبيض (حياة عظيمة) وأحمر (فاديًا كريمًا).  فسيدنا لا نظير له في قداسته، هو البار الذي بلا عيب، قدوس بلا خطية.  وهو الأحمر أي الفادي الذي سفك دماه فوق الصليب ليصنع خلاصًا عظيمًا، حمل الله الذي رفع خطية العالم.
إن شهادتنا تتلخص في إكرام اسمه الفريد المجيد وفي إعلان خلاصه العظيم.
  كيفية الشهادة: البعض يكتفي بأن يشهد بسلوكه وحياته دون أن يتكلم بشفتيه.  والبعض الآخر يعطي أولوية للكلام بينما يكون عثرة للآخرين في سلوكه! لكن الشهادة الصحيحة الكاملة تكون بالحياة العملية والشهادة الشفوية أيضًا.  هذا ما نتعلمه من ثياب رئيس الكهنة حيث نرى في أهداب الجبة الأسمانجونية رمانات (حياة شاهدة) وجلاجل من ذهب (شهادة شفوية).  كذلك كان جدعون يمسك المصابيح (شهادة الحياة المضيئة)، والأبواق (الشهادة الشفوية المسموعة).  
 
رابعًا: طاعة الرب في كل أمر

قَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ:  «مَهْمَا تَقُلْ نَفْسُكَ أَفْعله» (1صم20: 4)! يا له من استعداد للطاعة غير المشروطة!  الطاعة للرب معناها اعتراف بسيادة وربوبية الرب، فإن كان ربًا يجب أن يطاع.  هكذا نرى أول لقطة لشاول الطرسوسي بعد أن التقى به الرب في الطريق وعلم شاول أنه السيد الرب، فقال له: »يَارَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟«  ( أع 9 : 6).  لكنه يطاع أيضًا لكونه الحبيب الغالي »إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي « (يو14: 23).   
سيدي ماذا تريد     اهدني حيث تريد
 إنني لست أريد      غير فعل ما تريد

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com