عدد رقم 5 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المبادئ السبعة لاتخاذ القرار  
The “Seven C’s” Of Decision-Making

 «وَأُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ.  اسْلُكُوا فِيهَا.  حِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَمِينِ وَحِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَسَارِ» (إش30: 21).

مصطلح “البحار السبعة” يستخدم عادة لوصف كل محيطات العالم.  وأن نقول إن شخصًا ما قد أبحر عبر البحار السبعة يعني حرفيًا أنه طاف عبر كل بحار العالم.  إلا أنه في مرات عديدة يستخدم هذا المصطلح بصورة مجازية تصويرية ليشير إلى شخص سافر كثيرًا، وأدخر كنزًا من الخبرة.  وليس ثمة ارتباط بين مصطلح “البحار السبعة” وبين المبادئ السبعة التي يتضمنها هذا المقال.  ولكن إذا وسَّعنا هذه اللغة المجازية التصويرية قليلاً، نستطيع القول إنه كما أن الشخص الذي طاف عبر بحار العالم السبعة يعرف كيف يُبحر في محيطات العالم، هكذا المسيحي الذي يتبع هذه المبادئ السبعة الكتابية في صنع القرارات يعرف كيف يُبحر عبر بحر الحياة.

 الإبحار عبر بحر الحياة لا يُنظر إليه على أنه مخاطرة قد تصيب وقد تخطئ في صنع القرار.  فبينما يمكن أن تكون الحياة المسيحية مثيرة إلا أنها ليست سلسلة من القرارات التي تتطلَّع إلى الأفضل، بل إن كل قرار يمكن أن يُتخذ بملء الثقة أن الله هو المُتحكِّم والمُسيطر.  ورغم أن حياة أي شخص تتكون من مُجمَل قرارات عديدة إلا أن المؤمنين لهم أن يتيقنوا أن الله سيساعدهم في اتخاذ القرارات الصحيحة (يع1: 5، 6).  وعلى الرغم من أن القرارات الرديئة يمكن أن تُتخَذ عبر طول الطريق، إلا أنني أود أن أؤكد بأن الأخطاء لن تطوح بنا بصورة دائمة إلى غير هدى لنتشتت في بحر الحياة، فعندما نضع أيدينا على أخطائنا ونتطلع إلى الله، فإنه يمدنا بمعونات بها نُقوّم ونُصلح مسارنا.

وإشعياء30: 21 المُقتبس في صدر المقال واحد فقط من الوعود العديدة التي أعطانا الله في كلمته لتهدينا عبر بحر الحياة.  وهذه الآية تؤكد لنا أنه عندما نأتي إلى قرارات مصيرية، عند مفترق طرق، فإنه كما ينظر البحار إلى البوصلة، فإن الرب سيخبرنا: «هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ.  اسْلُكُوا فِيهَا».  وفي حين أن هذا الوعد موجَّه لأمة إسرائيل التي سترجع إلى الرب بالإيمان، إلا أنه يمكن تطبيقه على المسيحيين؛ فالروح القدس يسكن فينا، ولنا الوعد أن الله لن يتركنا ولن يرفضنا (عب13: 5).  لذلك لا يسعنا إلا أن نثق أنه سيرشدنا عند اتخاذ قرار ما! قد لا نسمع صوته حرفيًا، إلا أنه بمقدورنا أن نثق أنه لن يتركنا نهبًا للريح لتطوحنا عندما يحين وقت اتخاذ قرار أثناء إبحارنا في بحر الحياة.  وهذه المبادئ السبعة هي:

(1)    الشركة (Communication):

 المبادئ السبعة هي وسائل يستخدمها الله لهدايتنا في عملية اتخاذ قرار ما، ويُمكننا أن نُسميها معونات للطريق لتدبير أمور حياتنا وتقويم مسارنا عبر بحر الحياة.  والسبعة مبادئ كلها مهمة، وبإمكاننا البدء بأي منها في عملية اتخاذ القرار.  ولكن الشركة بالذات هي أهمها على الإطلاق.  وبادئ ذي بدء فإن وسيلة الله الأولى للتكلّم إلينا هي كلمته.  ووسيلتنا نحن الأساسية للتواصل معه هي الصلاة.

فالمكتوب ليس فقط يحوي خرائط للإبحار، بل إنه يُدعِّم بقية المبادئ السبعة.  فعندما نأتي إلى صنع قرارات معينة، فإن جُلَّ ما نحتاج معرفته واضح تمامًا في المكتوب.  فالتساؤل بشأن الكذب في ملء طلب توظف، والاقتران بفتاة غير مؤمنة لا يتطلب بحثًا عميقًا ومعقدًا لأن الإجابات سهلة وميسورة وواضحة في المكتوب، ولكن عندما نأتي إلى التساؤل بشأن أية وظيفة سأتقدَّم إليها، أو أية فتاة مؤمنة سأتزوجها؟ فإن الكتاب المقدس يُعطينا خطوطًا إرشادية عريضة من شأنها أن تعيننا في اتخاذ القرار الصحيح.  

 على سبيل المثال فإن الخطوط الإرشادية المُعطاة في تثنية6: 7؛ عبرانيين10: 24، 25 تنصح بأن لا تتقدم لوظيفة تحرمك من الاضطلاع بمسؤولياتك العائلية والكنسية.  وإذا كنت أعزب وتؤمن أن الله يريدك أن تخدم كمُرسَل في أرض غريبة، فإن الفتاة التي لن تشاركك مسؤولية الخدمة المُرسلية، لا تصلح لأن تكون ضمن المرشحات لك كزوجة، إذا أخذنا في الاعتبار تكوين2: 18؛ عاموس3: 3.  وكلما ازدادت معرفتك الخطوط الإرشادية في المكتوب، كلما اتضحت الرؤية أمامك بشأن طريقك ومسارك عند اتخاذ قرار.

ومن نافلة القول إن الصلاة جوهرية أيضًا عند اتخاذ قرار.  في1بطرس5: 7 يُخبرنا الوحي: «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ».  هل هذا الوعد يتضمن الإرشاد بخصوص اتخاذ القرارات الصحيحة؟  بالطبع نعم! فإذا كان الله قد وعدنا في المكتوب بأنه يعتني بنا، فبالتأكيد سوف يُجيب صلواتنا التي ترجو معونته بشأن اتخاذ قرارات بخصوص أمور مثل: الوظيفة، الكلية، مجال التخصص، الكنيسة، الزواج، العائلة، الخدمة، الأمور المالية ... إلخ.  ولكنه يريدنا أن نصلي! فرغم أن الله يعرف كل شيء عنا وعن القرارات المزمعة أن نأخذها، إلا أنه ما يزال يريدنا أن نشاركه بأفكارنا، ونعبر عن اتكالنا عليه من جهة صنع القرارات.  فالآباء الصالحون يعرفون ما هو الأفضل بالنسبة لطفلهم، ولكنهم لا يزالون يريدون أن يشاركهم طفلهم بحاجته للمساعدة.  فالله يريدنا أن نشاركه أفكارنا بخصوص قراراتنا.

 (2)    القناعات – همسات الروح القدس (Convictions):    

إلى جوار الشركة يستخدم الهه بقية المبادئ السبعة ليُعطينا معونة إضافية بشأن الإبحار في بحر الحياة.  وهي لازمة وجوهرية لأن أي مبدإٍ منفردٍ يمكن أن يُساء استخدامه، بما في ذلك المكتوب.  فنظرًا لطبيعتنا الخاطئة، نحن نميل لأن نجعل الكتاب يُصادق على القرار الذي أخذناه! ومع ذلك فعندما نأخذ في الحسبان بقية المبادئ السبعة فإن إساءة استخدام المكتوب ستُقيَّد.  وذات الأمر حقيقي بالنسبة لإساءة استخدام بقية المبادئ الأخرى.  فمثلاً قناعات الروح القدس في الداخل كمبدإ ضمن مبادئ صنع القرار، ينبغي أن يُفحص فحصًا دقيقًا.  فكل مؤمن له قناعات داخلية لأن الروح القدس يسكن فيه.  هذه القناعات تكون دائمًا في اتساق مع مشيئة الله الكاملة، ومن ثم فهي تكون حاسمة عندما نكون بصدد اتخاذ قرار صحيح (يو14: 26؛ 16: 13؛ 1يو2: 27).  ولكن المشكلة تنشأ عندما تُشوِّش شهوات الطبيعة الخاطئة على قناعات الروح القدس.  إذ ذاك نكون قادرين على إقناع أنفسنا أن الله هو الذي يقودنا لاتخاذ قرار معين، في حين تكون الحقيقة هي أن رغباتنا الخاصة الأنانية هي التي تقودنا.  ولكننا نحاول إضفاء المصادقة الإلهية عليها.  كم من المرات استخدمنا تعبير: “الرب أخبرني” قِناعًا للحقيقة التي هي: “أنا أخبرت الرب”.  فالقناعات ينبغي أن تُمحَّص بشدة في ضوء بقية المبادئ السبعة لدرء أية ضلالات ذاتية. 

 (3)    الذوق العام (Common Sense):

 الذوق العام هو مبدأ يُراعى عادة على أنه مُسلَّم به، بينما هو تحديدًا وسيلة فعالة من الله لاتخاذ القرارات.  والحقيقة إن معظم القرارات تُقرَّر وفقًا للذوق العام.  فالله لا يطلب من المؤمنين وداع عقولهم عند رجوعهم إليه! هل ينتظر الله منا أن نستشيره بشأن أي حذاء نلبس، أو ما إذا كنا نغسل أسنانا بالفرشاة من عدمه؟ لا أظن! ولكن الله يتوقع أن نستخدم الذوق العام الذي أعطانا بشأن الأحذية والأسنان.  لذا دعونا نتركه يملأ إطار حياتنا بهذه القرارات الصغيرة وفقًا لهذا الذوق.  فالذوق العام جزء من نظام الإبحار الذي منحنا الله، ومسؤوليتنا تنحصر في العمل به لاتخاذ قرارات حكيمة في شئون حياتنا اليومية.

 (4)    التكوين أو التركيب (Composition):

 وما أعنيه بالتكوين أو التركيب هو كيف صنعنا الله.  فالطريقة التي شكَّلنا بها الله وفقًا لسلطانه المُطلَّق من جهة ما نُحبّ، وما نكره، وكيف نبدو، وعقولنا، وقدراتنا، ومواهبنا الروحية، هي بالفعل الوسيلة التي يستخدمها الله ليساعدنا في اتخاذ القرارات.  فمثلاً هل سيرشدك الله لأن تصير مُرنمًا أو عازف بيانو لمجده إذا لم يباركك بهذه الموهبة؟ انظر مزمور33: 3 ولاحظ كلمة “أَحْسِنُوا” «غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. أَحْسِنُوا الْعَزْفَ بِهُتَافٍ».  ومع ذلك فإن الله قد يرشدك لأن توافق على الانضمام إلى خدمة الشباب الناشئ لأنك تحب الصبية وتمتلك القدرة على التواصل معهم.

يخبرنا 1بطرس4: 10 «لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ».  ففي بحر الحياة يُحصِّل الله أقصى نفع ممكن من كل من الزوارق البخارية والحاويات وقوارب الصيد إذا استُخدِم كلٌ في الغرض الذي صُمِّم لأجله.
                                                 
(5)    المشورة (Counsel):

 استشارة المؤمنين الناضجين أحد المبادئ السبعة التي يستخدمها الله لمعونتنا في اتخاذ القرارات.  يقول أمثال 11: 14 «أما الْخَلاَصُ فَبِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ».  وبينما يوجد دائمًا خطر أن يعطيك أحد الْمُشِيرِين رأيًا مغرضًا يكون بمثابة “قراءة خاطئة للبوصلة” قد تجرفك عن المسار الإلهي، إلا أن الفكرة المحورية هنا هي استشارة عدد من المؤمنين الروحيين الأتقياء ممن لهم خبرة في الإبحار في ذات المنطقة التي تريد اجتيازها؛ أعني فيما له صلة باحتياجك لصنع القرار.  إنهم مثل مرشدي القناة الذين يُحذِّرون من الأخطار المحتملة، ويرشدون إلى الطريق الآمن.  

(6)    الظروف (Circumstances):

 الظروف إحدى مبادئ نظام الإرشاد الإلهي.  فإذا كان الله كلي المعرفة، وكلي القدرة، وكلي الاطلاع والرؤية، فهل يهرب ظرف ما عن ملاحظته وسيطرته؟ فليس ثمة شيء يحدث بمحض الصدفة.  فإذا كان أبونا السماوي مطلق العظمة، أَ ليس بإمكانه التحكم في الظروف ليقودنا لاتخاذ القرارات الصحيحة؟ بلى! إن الله يعرف المرفأ الصحيح الأمثل في حياة كل منا، وبمقدوره أن يرسل الرياح المناسبة عبر بحر الحياة ليقودنا إليه.

فالأبواب “المفتوحة” أو “المغلقة” التي يتحدث عنها المؤمنون حقيقة واقعة، ليس مجرد النظرة الساذجة السطحية للظروف، بل بالأحرى تعريف فعَّال للظروف كما رتبها الله.  ولكن مجددًا أُحذر من صنع القرار بناءً على الظروف وحدها.  فما قد يبدو بابًا مغلقًا قد يكون بالفعل بابًا ينتظر أن نقرعه (مت7: 7).  وما قد يبدو بابًا مفتوحًا قد لا يكون بالفعل كذلك.  فإذا عرضت عليك وظيفة براتب أعلى فذلك ليس معناه أن الله يوجهك نحو موقع جديد، فمن المحتمل أن يلفق الشيطان الظروف.  هذه هي إستراتيجيته ليجرفنا بعيدًا عن المسار الإلهي (2كو2: 11؛ 11: 14).  دعونا لا نخشى من تحليل الظروف مُصلين؛ الظروف التي وضعها الله ضمن منظومة إرشاده الإلهي، والاستخدام الأمثل لمبادئ الإرشاد الأخرى ستحفظنا من التعويل المبالغ فيه على الظروف.

 (7)    التحكم والسيطرة (Control):

أخيرًا، توجد أوقات عندما يتداخل الله ويمسك بزمام الأمور ويوجه عملية صنع القرار، فأحيانًا لا يكون ثمة شك أن الله يُملي علينا القرار الذي يؤيدنا أن نتخذه.  فالقطار اللعبة يسير بمفتاح التحكم عن بعد (الريموت كونترول)، إلا أننا أحيانًا قد نضطر إلى تسييره باليد، وبنفس الطريقة أحيانًا يصل الله إلينا ويمسك بزمام الموقف بحيث لا يدع لنا الفرصة لاختيار القرار.  مثلاً في الأحوال الاعتيادية إذا تلقينا عرضًا سخيًا مغريًا لشراء منزلنا، فقد لا يكون هذا مؤشرًا أن الله يريدنا أن نتركه إلى منزل آخر.  ولكن إذا احترق منزلنا وسُويَّ بالأرض، فبمقدورنا التحقق أن الله يريدنا أن نتحرك إلى منزل آخر بغض النظر عن سبب الحريق! ورغم أن هذا المثال لا يُعَدُّ مُسرًا، إلا أنه يشرح كيف أن الله أحيانًا يضطرنا لاتخاذ قرار ما، حيث أن الموضوع يكون قد خرج من أيدينا.

 عندما نجد أنفسنا فجأة قد نُقلنا من وظيفة إلى أخرى دونما قرار من جانبنا فربما يكون ذلك مؤشرًا طيبًا أن الله يرشدنا بالتحكم في أمورنا.  وقد يتداخل الله بهذه الطريقة عندما تكون بقية مبادئ الإرشاد تبدو كأنها تُشير إلى السلوك في سبيل ما بينما يريدنا الله أن نرتاد طريقًا مختلفًا.  ولقد استخدم الله مبدأ التحكم والسيطرة في حياة الرسول بولس بخصوص الذهاب إلى بيثينية أو مكدونية (أع16: 6-10).  وفي أحيان أخرى يتحكم الله في قرارنا لتجنب أخطار محتملة قد يُؤدي إليها مبدأ الذوق العام في اتخاذ القرارات.  وأحيانًا يتداخل الله وفقًا لمبدأ التحكم فقط لأنه في مطلق نعمته اختار أن يخلصنا من الشك الذي يكتنف عملية اتخاذ القرار.

إن بحر الحياة قد يكون مضطربًا في أحيان كثيرة، وثمة مخاطر علينا تجنبها.  ومعرفة واستخدام نظام الله للإرشاد، وهو ما عبَّرنا عنه بالمبادئ السبعة السالفة، من شأنه أن يأخذ بيد المؤمن النامي ليوجهه نحو قرارات صالحة تُعينه على تفادي أية كوارث، وتقوده ليعيش خطة الله لحياته.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com