عدد رقم 5 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ثمار عادية في أيام غير عادية  
رأينا في المرتين السابقتين كيف بدا نحميا رجلاً عاديًا، ولكن نافعًا للرب ولشعبه في أيام غير عادية من الفشل والضعف.  كما رأينا كذلك خدمة هذا الرجل الأمين كيف كانت خدمة بدت عادية، ولكنها كانت صحيحة ومتميِّزة.  وفي هذا العدد نتوقف أمام ثمار هذه الخدمة لنرى كيف أنها ثمار عادية ولكن حقيقية.

ثمار خدمة نحميا:

يمكننا إيجازها في ثلاثة أمور أساسية:

1-    بناء الأسوار والأبواب لمدينة أورشليم.  وهذا بالحق عملٌ رائع قياسًا إلى ظروف ذلك الوقت روحيًا وأدبيًا حيث كانت غالبية الشعب ما زالت في السبي، والذين رجعوا هم «في شر عظيم وعار».  لقد ظهر نحميا في المشهد بروح بعيدة عن روح ’’الانتقاد‘‘، أو ’’اللامبالاة‘‘، أو ’’الفشل‘‘، وهي جميعها تنتاب القديسين جميعًا في هذه الأيام عندما نرى الأحوال الروحية للذين هم ’’من داخل‘‘ والذين رجعوا ليمثِّلوا البقيَّة.  ولكنه على العكس، تسلَّح بنية مقدَّسة خالصة لأن يعمل شيئًا إيجابيًا لمجد الرب ولبركة إخوته، فكان رجلاً يطلب خير شعبه.  ويقينًا امتدت آثار هذا البناء لأجيال وأجيال.

2-    إقامة البوَّابين لحفظ الشهادة في المدينة المقدَّسة، وتطهير الخادمين من شر النير المتخالف والزواج بأجنبيات.  ولا شك أن ذلك جزءٌ هام جدًا من العمل الراعوي اللازم لحفظ شهادة الله من اللفيف والفساد.  على أننا ينبغي أن نتذكَّر أن أسوار الانفصال الأدبي عن الخارج، وأبواب الترحيب فقط بالذين يُثبتون انتسابهم لشعب الله للدخول إلى ’’الداخل‘‘، هي مجرد جزء من العمل الراعوي المتسع الأرجاء، لا سيما كما نفهمه من العهد الجديد.  ولا يمكن اختزال خدمة الرعاية إلى الأبواب والبوَّابين فحسب، وهو الخطأ الذي وقعنا فيه كثيرًا في كنائسنا المحلية.  فالرعاية اعتناء بالفرد؛ بكل فرد، وبكل أحوال هذا الفرد، ولا يمكن أن نتحوَّل إلى مهمة ’’الشُّرطي‘‘ أو ’’المُحقِّق‘‘ أو وكيل الادعاء، (مثلما حكم عالي الكاهن في يومه على حَنَّة بأنها سَكْرَى دون أن يُكلِّف نفسه مشقة التحقق من الأمر – 1صم 1).

3-    حركة إيجابية بين الراجعين من السبي، ليُرمِّم كل واحد أمام بيته.  وهي حركة وَلَّدَتْها إيجابية وقدرة رجلٍ واحد هو نحميا.  وهنا نرى كيف يمكن لشخص واحد تقي، وضع الرب على كتفيه مسؤولية روحية مُحدَّدة، كيف أن نهضته الشخصية يمكن أن تتسبب في نهضة بقية بأسرها.  إننا كثيرًا ما يحزننا كسل شعب الله، ولكننا أيضًا كثيرًا ما ننسى أن نُصلِّي لكي يقيم الرب أُناسًا نظير نحميا لديهم رؤية، وعندهم قدوة، يمكنهم من خلال هذا وذاك قيادة شعب الرب نحو أعمال عظيمة.  وليتنا إذا وُجِدَ بيننا مثل هؤلاء، أن نفسح لهم المجال ليُعبِّروا عن رؤيتهم بل وأحلامهم الروحية المشروعة طالما بقيت في نطاق كلمة الله وتعاليمها النقيَّة.  ويا ليت الأجواء الروحية في اجتماعاتنا تتهيأ أكثر فأكثر لأصحاب مثل هذه الرؤى، فنشجعهم ونُفسح لهم المجال.

 ثمار عادية:

تلك كانت هي أبرز خدمة نحميا، وهي ثمار نحسب أنها عظيمة وإن بدت عادية جدًا في نظر الكثيرين الذين لا يرضيهم مثل هذا ’’الحجم‘‘ أو ’’النوع‘‘ من الثمار ’’المنطقية‘‘ في الأيام الأخيرة، ويعتبرونها نوعًا من أنواع المحدودية الروحية، وأحد نتائج الكسل الروحي والرخاوة في عمل الرب، فيسعون بكل قوة إلى خدمات برَّاقة في عناوينها ومظاهرها، وتوحي بأن ثمارها متسعة تصل إلى آلاف كثيرة.
ونحن – للأمانة الروحية – ينبغي من الجانب الواحد أن نقر بحجم الكسل والفشل بين القدِّيسين اليوم، والذي لا يتناسب أبدًا مع كم المعرفة الكتابية المُفْرِط في جيلنا، ووسائط إعلان كلمة الله بصورها الشيِّقة والمتعددة.  ومن الجانب الآخر يدفعنا الإنصاف إلى تقديم الشكر الجزيل للرب لأجل عمله بالروح القدس في نفوس كثيرة، وبالأخص البعيدة في هذه الأيام، وبقوة غير عادية لا يمكن أن تقل عن قوة عمل الروح التي نراها في سفر الأعمال .. ولكن!

ولكن المؤكَّد كتابيًا، والواقع فعليًا أن أيام قوة ومجد شهادة الله في كل عصر وجيل في بدايتها شيء، وقرب نهاية أيامها شيء آخر تمامًا.  وهذه الصورة عينها نتعلَّمها من أيام نحميا نفسه ونوعية خدمته.  ففي أيام بدء الشهادة اليهودية لله، والمجد الأول رأينا كيف «سقطت الأسوار»، أسوار أريحا أمام الإيمان (يش 20:6؛ عب 30:11).  أما في أيام نحميا حيث ضعف الشهادة نرى كيفية «بناء الأسوار»؛ أسوار الانفصال.  لقد ارتبط سقوط أسوار أريحا أيام يشوع باستعلان القوة (البسيطة) (رؤ 8:3) ويوم الأمور الصغيرة أيام البقية (زك 10:4) التي لا ينبغي قط أن نزدري بها.  فهم عايشوا المجد الأول، أما نحميا والبقية فعايشوا أيام الفشل والخراب، وفي الحالتين كان الرب يعمل مع الإيمان.

وهوذا الأمر الذي ينطبق على الشهادة الكنسية لله اليوم على الأرض، فأيام القوة الروحية الجماعية في سفر الأعمال غير موجودة الآن، ولن توجد على مستوى العموم ثانية حسبما نفهم من رسائل فردية هنا وهناك.  وهذه ’’العينات‘‘ لا تقل في قوتها وتأثيرها عن تلك العينات التي رأيناها في الكنيسة الأولى.

وهنا نتوقف لنقول: هل عدم رضائنا عن ’’شكل‘‘ ثمار الخدمة، و’’حجم‘‘ النتائج الذي يبدو عاديًا، هل وراءه فعلاً مجرد غيرة مقدَّسة على مجد الرب؟

وهل هذه غيرة حسب المكتوب والمُعلن في كلمة الله؟ وهل هي غيرة واقعية فعلاً؟ أم أن الأمر لا يخلو من كبرياء القلب البشري الفاسد، ورغبات الكيان الإنساني المسكين في حب الظهور في مَشاهد براقة، وتحقيق الذات بالتأثير على آلاف محتشدة أو ملايين متابعة على شاشات التلفاز، حتى ولو كان تأثيرًا نفسيًا لا أكثر ولا أقل! إن هذا هو بالحقيقة السؤال الفاحص لكل منا، والذي يستلزم إجابة متأنية بعد جلسة فحص إلهي لدوافعنا وتوجهاتنا في محضر الرب أولاً، وحتى لا نكون قد سعينا باطلاً أو نسعى عبثًا.

ما هو الثمر؟

من يوحنا 15 نفهم أن الثمر هو ظهور حياة المسيح (الكرمة الحقيقية) فينا نحن المؤمنين (الأغصان الثابتة في الكرمة).  كما يمكننا اعتبار النفوس التي نالت بركة روحية حقيقية من الله ثمرًا للخدَّام الذين تعبوا معها، الذي غرس، والذي سقى ... إلخ (1كو 6:3).  ومن هذا المنظور بشقيه يمكننا أن نرى نحميا مُثمرًا على كلا الجانبين.

فحياته الشخصية بدت قدوة حسنة وعظيمة في كل شيء، وبالأخص في استناده على الرب واتكاله على قيادته في كل خطوة، واحترامه لسفر الشريعة، وعدم اهتمامه بما يُقال عنه أو عن خدمته من كلام سلبي .. إلخ.  مما يمكن أن نعتبره – بمقياس العهد الجديد – ظهورًا مُبارَكًا لثمر الحياة الإلهية في نفس الخادم.

وعلى الجانب الآخر، فإن إتمام نحميا لمهمته، وخدمته لجيله بمشورة الله في بناء الأسوار والأبواب هي الخدمة المثمرة.  وهذا مقياس صحيح دائمًا: إتمام مشيئة الله.  فليس اتساع الخدمة بالضرورة برهانًا، ولا الشهرة للخادم ولخدمته دليلاً، ولا الصيت الذائع تأكيدًا على وجود الثمر الحقيقي والصحيح.

فلكم رأينا – ولا زلنا نرى – ثمرًا هزيلاً لأسماء رنانة في مجال الخدمة، الأمر الذي هو بمثابة جرس إنذار قوي لنا، وإن كنا في جميع الأحوال مدعوين إلى انتظار تقييم السيِّد وحده «في ذلك اليوم» عندما يُعطي كل منا حساب وكالته، وذلك قد اقترب موعده بشدة.  فقريب هو اليوم الذي فيه تعلن السماء – صاحبة الحق الوحيد – التقييم الصحيح لكل شيء.  

تُرى: ما هو تقييم ثمر وخدمة الكاتب والقارئ من الجانب الإلهي في ذلك اليوم؟

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com