(تكوين24)
تحدثنا فيما سبق عن رفقة؛ العروس التي توافرت فيها كل الصفات الروحية والأدبية الرائعة التي تجعل منها عروسًا تليق بإسحاق. وهي في هذا نموذج يليق أن تنسج على منواله كل فتاة تتهيأ للارتباط، وأيضًا يليق أن يُصلي من أجله كل رَجُل يبحث عن «مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تك2: 18). وتحدثنا في عددنا السابق عن:
(1) رفقة المؤمنة (تك24: 4).
ونواصل في هذا العدد تأملاتنا، فنقول:
ثانيًا: رفقة المُعيَّنة (تك24: 14)
لم تكن مهمة العبد في أور الكلدانيين هي أن يجد فتاة مناسبة لإسحاق؛ فالمناسِبَات كن كثيرات، ولكن كانت مهمته هي أن يجد العروس المُعيَّنة لإسحاق، ورفقة كانت معروفة ومُعيَّنة سابقًا (تك22: 23). فليست أية فتاة مؤمنة تصلح لأن تكون ضمن المرشحات للمؤمن كزوجة (تك2: 18؛ عا3: 3).
لقد صلى العبد وقال: «فَلْيَكُنْ أَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي أَقُولُ لَهَا: أَمِيلِي جَرَّتَكِ لأَشْرَبَ فَتَقُولَ: اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضًا، هِيَ الَّتِي عَيَّنْتَهَا لِعَبْدِكَ إِسْحَاقَ» (14، 44).
ونحن نتذكر أن مراسيم الزواج الأول قد تمت في جنة عدن لراحة آدم وسعادته. وفي الوقت الذي أخضع الرب كل شيء لإرادة آدم ولسعادته، إلا أنه ظلَّ وحيدًا، وفي حاجة إلى رفيق ليملأ الفراغ، لهذا «قَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تك2: 18).
ولاحظ دقة التعبير «مُعِينًا نَظِيرَهُ (شريكًا)»، والكلمة ترد في هامش ترجمة داربي «Partner or Counterpart »، أي “الجزء المُكمِّل” أو “الجزء المُتمِّم”. ويُستخدَّم هذا التعبير لوصف آلة مكونة من قطعتين؛ كل قطعة هي الجزء المُكمِّل للآخر بحيث لا يمكن أن تعمل الآلة بفاعلية إلا بوجود القطعتين متَّحدتين وملتصقتين معًا. وبالتأكيد لا يصلح أي جزء من أي آلة ليُكمِّل جزءًا من آلة أخرى.
لقد كانت حواء هي معونة الخالق العجيبة لآدم؛ زوجة مُعدَّة بدقة لتَكْمِلة وسَدّ احتياجاته غير المُشبَعة حتى الآن، ولكي تكون مستودعًا لعواطفه وأسراره وأفكاره، ولكي تكون شريكته في الاستمتاع بكل ما أعده الله له. وهكذا يمكننا أن نقول أنه في الزواج يُصبح الاثنان جسدًا واحدًا فيُكمِّل أحدهما الآخر، «لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (تك2: 24).
وزواج آدم هو النموذج الأصلي الذي عليه يُرتب الرب كل زيجة على حده، فإذ ليس جيدًا أن يكون الإنسان وحده، فقد أعدَّ الرب زوجة لتُكَمِّله. ولم يكن لآدم أن يختار هذه الزوجة، إذ كانت هناك واحدة أُعدَّتْ خصيصًا له. فلم يكن هناك منافسون لحواء، بل إن كلاً منهما وجد في الآخر كل ما يحتاج إليه لخيره وسعادته. ولم يكن لأيهما خيار في الأمر. ومن هنا نفهم أن في الزواج الصحيح لا يختار الطرف الواحد شريكه، بل بالحري يقبل اختيار الرب له.
ولقد كان الزواج الأول يتميَّز بالبساطة والتفرد؛ ثلاثة فقط ساهموا في ذلك المشروع السعيد: آدم، وحواء، ومن خلفهما الرب. وهذا مثال للزواج المسيحي؛ فشخصان يُصبحان واحدًا، الواحد مندمجًا في الآخر. وفي كل زواج يتكون عالمٌ صغير من فردين ولكنهما واحدٌ فعليًا. ونستطيع أن نقول أن ثلاثة يتعاونون ليجعلوا الاثنين واحدًا «وَالْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا» (جا4: 12). ويا لها من بركة فريدة!
ابني الشاب .. ربما قد تسألني: وكيف أعرف المُعيَّنة لي من بين كل المؤمنات اللواتي أعرفهن؟!
وإجابتي لك كالآتي: في قصة تكوين 24 نرى قيمة وفاعلية الصلاة وبخاصة “الصلاة في الروح”. فإن إرشاد الروح القدس وقيادته هو ما يُميِّز أبناء الله في يوم الروح القدس. فما أن رفع العبد قلبه في صلاة حتى استجابها الله «وَإِذْ كَانَ لَمْ يَفْرَغْ بَعْدُ مِنَ الكَلاَمِ، إِذَا رِفْقَةُ الَّتِي وُلِدَتْ لِبَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ امْرَأَةِ نَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ، خَارِجَةٌ وَجَرَّتُهَا عَلَى كَتِفِهَا» (ع15، 45)، الأمر الذي جعله يتفرَّس في الفتاة صامتًا (ع21). لا شك أنه تأثر تأثرًا بالغًا من الاستجابة العاجلة، لكن ليس في دهشة عدم الإيمان، بل في أناة المؤمن الواثق، ومن هنا كان «صامتًا» تحقيقًا للقاعدة المباركة «مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ (أي لا يستعجل)» (إش28: 16). ولا يفوتني أن أُذكّرك أن الوقت المناسب لزواج إسحاق كان قد حان.
أخي المحبوب .. لا تخطو خطوة واحدة، خصوصًا في تلك الأمور التي لا يمكن نقضها أو الرجوع فيها، دون رفع صلاة حارة لكي يكون الاختيار لله، دون أن يكون لك دخل فيه على الإطلاق، ولكي يحفظك من كل الأخطار، ولكي يُعلن لك إرادته. إنه العارف القلوب والعارف المستقبل، وقد سبق وعيَّن لك الشريكة المناسبة والتي تفي بكل احتياجاتك. لقد سمعت أحد الشبان الأتقياء يُصلي من أجل هذا الأمر، فقال ببساطة رائعة: “يا رب ... مش حا أدور على إيه اللي في إيدك، لكن أكّد ليَّ إن هي دي إيدك”. لقد كان ينتظر المُعيَّنة مِنْ قِبَل الرب.
ولتكفّ الفتيات المسيحيات عن التفكير في جذب الانتباه نحوهن، ولتُسكِّن الفتاة قلبها كفطيم، ولتترك الأمر لله لكي يختار لها الشاب المُعيَّن الذي يزيد جمالها، ويحمي ضعفها، ويبادلها محبتها.
(يتبع)