عدد رقم 5 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
علِّمني أنتظرك يا رب  

«لتكُنْ ياربُّ رحمتُكَ علينا حَسْبَما انتظَرْناك» (مز 22:33)   

لا يوجد شاب أو فتاة في علاقة بالله إلا وقد اختبر وتعلَّم أن ينتظر الرب في أمر ما، وصلَّى بلجاجة مُسترجيًا رحمته صابرًا لمواقيته.  فهناك من ينتظر النجاح الدراسي، أو فرصة عمل، أو الحصول على سكن، أو الارتباط المُوَفَّق في الزواج، أو انتظار طفل بعد الزواج، أو شفاء مريض، أو افتقاد بعيد عن الرب، أو حل مشكلة اقتصادية أو أسرية أو ... الخ.  وكل هذه احتياجات طبيعية مشروعة والرب يقدِّرها.  ولكن الانتظار دون أن نعمل شيئًا هو من أصعب الدروس على طبيعتنا البشرية، وكثيرًا ما نفشل فيه، وقد فشل فيه أبطالٌ في الوحي المُقدَّس مثل إبراهيم ويوسف وداود وغيرهم.

فكم تمرُّ أوقاتُ الانتظارِ بطيئةً وثقيلةً، خاصةً عندما تكون الاحتياجات مُلحَّة والطلبات عاجلة، وليس في مقدورنا شيءٌ لنعملَه سوى أن ننتظر التدخُّل الإلهي السريع.  فمعظم الأشياء أكبر من طاقتنا، وليست في أيدينا.  وعادةً فإن الانتظار تُصاحبه الحيرة والقلق لسبب صمت السماء الطويل.  و تزداد جرعة الألم إذا كان المؤمن قد اعتاد أن يأخذ أموره من الرب، وتعلَّم أن زمام الأمور لن يُفلت من يده.  لهذا قد تصدر منه كلمات العتاب للرب بسبب تمهُّله، مع عِلْمِه أنه يستطيع أن يصنع المُحال، والأمر لن يُكلِّفَه الكثير.

عزيزي .. تشجَّع فصلواتك قد حُفِظَتْ في مكان أمين، والسماء لن تصمت للأبد.  والأوقات التي تمر ليست أوقاتًا ضائعة، ففي برنامج الله لا توجد أوقاتٌ بلا تدريب.  وحتى الأوقات التي فيها ننتظر بشوق وبصبر عطاياه، هذه أوقات تجهيز وتشكيل إلهي لنا.  فكم من المرات لم نكن فيها من النضج الكافي الذي يجعلنا نُقدِّر ونصون عطاياه، فيتأنَّى علينا، لا لأنه لا يريد أن يُعطينا، بل لأننا لا نصلُح للأخذ في ذلك الوقت؛ لهذا يستثمر الرب أوقات الانتظار لكي يُغيِّر فينا ويُشكِّل في أوانينا ويصقلنا بصفات وسجايا بها يطمئن لنا عندما يستودع عطاياه بين أيدينا.  فمن خلال الانتظار يوسع طاقتنا الروحية فنحتمل الظروف التي نمر بها، ويعلِّمنا أنه ليس كل ما نرجوه هو بحسب مشيئته، ويُعلِّمنا أيضًا الثقة فيه فيزيد الإيمان.  فإن كنا قد وثقنا في الرب من جهة الأبدية، فإنه يُعلِّمنا أيضًا الثقة فيه من جهة أعواز البرية، وإن كان الرب لا يحتقر الإيمان الضعيف لكنه يتمجد من خلال الإيمان القوي.

عزيزي الشاب يا مَنْ تنتظر الرب: ثق في ساعة الرب الدقيقة ففي وقته سيُسرع به، ولا تقُلْ مثلما قالت مرثا ومريم: «لو كنت ههنا لم يمت أخي»، اعتقادًا منهما أنه قد تأخر؛ ليتنا نثق أنه سيتدخَّل في الوقت المناسب، وقد قال أحدهم: "إن الله يسيرُ مُتمهِّلاً ولكنه لا يصلُ مُتأخِّرًا".

وعندما يتدخَّل الرب لا يحتاج لأوقات طويلة لينجز أعماله، فهو القدير الذي يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر.  ففي قانا الجليل حوَّل الماء إلى خمر بكلمة وفي لحظة، فهو فوق الزمن.  ولم يكن محتاجًا إلى مادة خام (العنب) ليُحوِّلَها لخمر، فهو الخالق الذي يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، ولقد خلق العالمين من لا شيء «حتى لم يتكوَّن ما يُرَى مما هو ظاهر» (عب11: 3).

معنى الانتظار: هو أن ألتصق بالرب وألتجئ إليه في ظروفي المتنوعة وأتعلَّق به، وأرفض أيَّ تدخل من مصادر أخرى خلاف الرب، وأستمر قارعًا بابه واثقًا أنه سيفتح.

طابع الانتظار: انتظار المؤمن ليس هو الانتظار السلبي التواكلي حيث يستسلم المؤمن للأقدار إذ ليس في يده شيء، بل هو انتظار إيجابي خلاله يجاهد بالصلوات، ويثابر في بقية جوانب حياته.  فالحياة لا تتوقف عند نقطة مُعيَّنة منتظرًا تدخُّل الرب فيها، بل يعيش حياته الطبيعية دون يأس أو فشل، وفي ذات الوقت يظل مستندًا على الرب، واثقًا أنه لا يُنسَى منه مهما ضاق به الزمان.

   معطلات الانتظار:

1- البشر في وعودهم: أحيانًا قلوبنا الضعيفة تثق في الإنسان وتتعلَّق به رغم تغيُّره، ورغم أنه مُحاطٌ بالضعف وقد ينسى، وقد يعجز عن حل المشكلة، وقد يمنعه الموت من البقاء، ومع ذلك ففينا الميل للاتكال على ذراع البشر، وهذا سيُعطل انتظارنا للرب وحده.  وما أكثر المرات التي فيها خاب رجاؤنا في الناس وتعمَّق فينا قول الكتاب: « كُفُّوا عن الانسان الذي في أنفه نسمة لأنه ماذا يُحسَب » (إش2: 22).

ومن جانب آخر نذكر أن الرب عندما يتدخَّل ليس بالضرورة سيفتح كوى السماء بطريقة معجزية لإنقاذنا.  فقد يستخدم البشر في ذلك لحل مشاكلنا، لكننا في كل الأحوال علينا أن نتعلَّق به هو وليس سواه.

2- البشر في تهكُّمِهم: أحيانًا يكون مستوى إيمان المحيطين بنا لا يحتمل ضغطات ومعاملات يد القدير، فينفد صبرهم، وبكلماتهم يزعزعون ثقتنا في الرب.  مثلما حدث من امرأة أيوب التي زادت من حجم تجربته، ولم تكن معينة له في هذا الموقف بل بكلماتها كانت مُفشِّلة، عندما قالت له: « أنت مُتمسِّك بعد بكمالك؟ بارك (العن) الله ومُتْ» (أي2: 9).  ليتنا نتمثَّل بالرب يسوع، وهو أروع مثال للانتظار، فما أكثر كلمات التعيير التي سمعها على الصليب من الأشرار لكنه لم يلتفت إليها، وقال: «السيِّدُ الربُّ يُعينُني، لذلك لا أخجلُ ... قريبٌ هو الذي يُبرِّرُني» (إش 7:50 ،8).

3- طبيعتنا القلقة: وهي التي تود أن تُمسك عجلة القيادة، ورغم عِلْمِنا أننا بذلك نجلب المتاعب على أنفسنا وعلى مَنْ حولنا، إلاّ أننا نفعل ذلك مرارًا.  فكيف

نقف صامتين والأمر أصبح حرجًا وخطرًا للغاية، وننسى أن إلهنا إله الأوقات الحرجة، وقد يتدخَّل في الهزيع الرابع.  فليتنا لا نفقد صبرنا بل نتعلَّم كيف ننتظر الرب كما قال داود: «انتظر الرب واصبر له» (مز37: 7).  ولنتذكر يعقوب وقلقه وعدم انتظاره للرب في أكثر من مناسبة، وفي كل مرة حاولأن يتعجَّل الأمور أخطأ أخطاءً فادحة.  ففي أمر البركة وأمر الزواج وأمر الثروة تحرَّك بنشاط الجسد وكانت النتائج مُكلِّفة.  وعادةً كل المحاولات لاختصار التدريب والإسراع بالحل سيُضاعف المشاكل والحصاد المر.  فليتنا لا نفعل كالأطفال الذين يقرعون الباب ثم يهربون.  «انتظر الرب.  ليتشدَّد وليتشجَّع قلبُك، وانتظر الرب» (مز27: 14).

بركات الانتظار:

1 – التشدُّد بالرب: لولا معونة الرب لفشل أقوى مؤمن في أصغر تجربة، لكن عندما ننتظر الرب يعطي لنا  المعونات لمواصلة الرحلة، ويُشدِّد أيادينا ويُجدِّد عزمنا، فنشبه النسر كقول الكتاب: «وأما منتظرو الرب فيجدِّدون قوةً يرفعون أجنحةً كالنسور، يركضون ولا يتعبون، يمشون ولا يعيون» (إش40: 31).

2- الثقة وعدم الخزي: لا يوجد شخص طلب الرب من قلبه ورجع خازيًا، «كلُّ منتظريك لا يخزوا» (مز25: 3)، «أنا الرب الذي لا يخزى منتظروه» (إش49: 23).

 3- الفرح والترنم: «انتظارًا انتظرتُ الرب، فمال إليَّ وسمع صراخي ... وجعل في فمي ترنيمة جديدة» (مز1:40 -3).  فالرب يستطيع أن يُحوِّل المرارة إلى ترنيمات، فننسى المشقة، وتتصاعد من قلوبنا أعذب الترنيمات والتشكرات.  وإن كان عند المساء يبيتُ البكاء، ففي الصباح ترنُّمٌ (مز5:30).

 4- يصبح اختبارُنا سبب تشجيع للآخرين: «كثيرون يرون ويخافون ويتوكَّلون على الرب» (مز40: 3).  كثيرون ممن يمرُّون بذات الظروف وطال انتظارهم، عندما يرون ما فعل الله في النهاية، سيتشجعون ويزدادون ثقة في الرب وأمانته، وأنه لا ينسى ولا يترك، ولو تأنَّى يستجيب مُنصفًا لمختاريه.

«سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب، لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف» (يع 11:5).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com