عدد رقم 5 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ماذا يقول الكتاب عن الطلاق؟  
س- إزاء ما قد يطرأ من ملابسات على الحياة الزوجية، فالعقم والمرض وتغير العواطف بين الزوجين لهي من التحديات التي تواجه الزواج، فلماذا لم يعتمد الكتاب المقدس الطلاق كحَلٍ لهذه المشكلات؟   

ج- يعوزنا أن نراجع الزواج كتصميم إلهي، صمَّمه وأنجزه الرب الإله من بداية تاريخ البشرية، لنتعرَّف على بعض المبادئ التي أرساها الرب الإله في تصميمه الرائع لهذه العلاقة الفريدة.

أولاً: كان الرب هو المُبادر: وَقَالَ الرَّبُّ الإلَهُ: «لَيْسَ جَيِّدا أنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأصْنَعَ لَهُ مُعِينا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18).

ثانيًا: كان الرب هو المُنفِّذ:  «فَأوْقَعَ الرَّبُّ الإلَهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أضْلاعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا.  وَبَنَى الرَّبُّ الإلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأةً وَأحْضَرَهَا إلَى آدَمَ.  فَقَالَ آدَمُ: هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأةً لأنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين 2: 21- 23)

ثالثًا: الرب نفسه هو الذي أحضرها إلى آدم.

   ولقد أدرك آدم علي الفور ماقصده الله بالطريقة التى بها أحضر حواء، ليس فقط أنها نظيره من ناحية النوع الإنساني، لكن أيضًا الوحدة العضوية بينهما، فهي ليست إنساناً آخر مستقلاً عنه بل هي جزءٌ منه، عظمٌ من عظامه ولحمُ من لحمه.

   وبناءً عليه فالعلاقة الزوجية تتقدَّم كل علاقة أخرى.  «لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» ( تكوين 2: 24).

   وقد صرَّح الرب يسوع قائلاً: «إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.  فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متي 19: 6).  وهذا هو المنظور الإلهي للزوجين معًا، وهذه هي إرادة الله لهما.


   ولنا في سفر التكوين أصحاح 24 المثال لِهِداية الله لكل مَنْ يطلبه بإخلاص وإيمان ورغبة في اختبار مشيئته، حيث يحكي لنا قصة اقتران إسحاق برفقة، وكيف قاد الرب ألعازار الدمشقي بكيفية عجيبة، أمامها أقرَّ أهل العروس أن: «مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ خَرَجَ الأمْرُ» ( تكوين 24: 50).

   ولكن اسمح لي أن أسألك سائلي العزيز: هل تتصوَّر أن الطلاق حلٌّ للمشكلات؟

   لو كان كذلك لكنا نتعجَّب لماذا يكرهه الرب وهو الصالح الجواد الذي يريد ويصنع الخير لبنيه ؟

 فمكتوب: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ.   فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ.  لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ»  (ملاخي 2: 14- 16).


   فالطلاق ليس حلاً، ولعلنا نقرأ ونسمع التحذيرات من انهيار المجتمعات بسبب الطلاق، وكلنا نعرف المآسي التي يُخلِّفها من تحطيم وتشتت للأسر، وضياع للأولاد.

   ولقد صادق المسيح على هذا الترتيب الإلهي القديم في إجابته على الفريسيين حينما أتوا ليجرِّبوه قَائِلِينَ لَهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟»  فَأَجَابَ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟» وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.  إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.  فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ».

   فَسَأَلُوهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟»

   قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ.  وَلَكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا.  وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي» (متى 19: 4- 9).  وهنا أوضح الرب أنه حتى في العهد القديم موسى في الناموس لم يوصِ بالطلاق، ولم يكن هذا فكر الله مطلقًا، ولكن بسبب قساوة قلوب الرجال التي تصل إلى الكراهية للزوجة والمعاملة القاسية والمُهينة لها، والتي قد تُهدِّد حياتها بالخطر، أَذِنَ بالطلاق، وأن يُعطي الرجل المرأة كتاب طلاق لتبرئتها في عيون الآخرين أنها ليست زانية، وإنما هو الذي أبغضها.  كما أن كلام المسيح كان قاطعًا ومانعًا أن الحالة الوحيدة التي يُسمَح فيها بالطلاق في العهد الجديد هي لِعِلَّة الزِّنَى وليس لسبب آخر.  وحتى في هذه الحالة لا يوجد أمرٌ صريح يُحَتِّم الطلاق.  فإذا اعترف الطرف المُخطئ وندم وانكسر وتاب، وقَبِلَ الشريك الآخر توبته، واستطاع أن يغفر ويتجاوز ما حدث من أجل سلامة البيت ومن أجل الأولاد ومن أجل اعتبارات كثيرة، فإنهما يستطيعان أن يعيشا معًا دون أن ينهار البيت.  ويظل المبدأ قائمًا أن الله يكره الطلاق.

   وقد يقول قائلٌ: إن هذا الزواج لم يجمعه الله، وكان الاختيار خاطئًا من البداية، وما بُنيَ على باطلٍ فهو باطلٌ، ولهذا يجوز الطلاق.  ونقول ردًّا على ذلك: إنه طالما تمَّ الزواج والتصق الواحد بالآخر، فقد صار الاثنان جسدًا واحدًا في نظر الله، والسماء تصادق على ذلك.  وهذا ما قاله بولس بالروح القدس، حتى في حالة الخطإ: «أم لستم تعلمون أن مَنْ التصق بزانية هو جسدٌ واحدٌ؟ لأنه يقول: يكون الاثنان جسدًا واحدًا» (1كو 16:7).  

   لكن إن لم يكن الطلاق هو الحل فما الحل إذًا؟

   الحل هو الرجوع إلى الله، رجوع حقيقي بالتوبة والإيمان، وعندها يخلق الله واقعًا جديدًا في الحياه، فيكون الله هو المركز وليس الذات ومطالبها ( ولا يخفى أنها وراء كل المشاكل)، ويصبح اتجاه القلب هو إنكار الذات وليس إثبات الذات وتحقيق رغائبها.

   وفي هذا الواقع الجديد يسكب الله محبته في القلب بروحه القدوس، وما أجمل ما قاله الكتاب عن هذه المحبة التي من الله: إنها تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ ... وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. المَحَبَّةُ لا تسقُطُ أبدًا( 1كورنثوس 13: 4- 8).

   وهذه المحبة مُغَيِّرة في فعلها مهما كان شريك الحياة، ومهما كانت المشاكل الأسرية التي غالبًا سببها الأنانية والبحث عن الذات.  وإذا قدَّم كل طرف للآخر هذه المحبة الفعَّالة، ولم يفكر في نفسه بل كيف يرضي الآخر، فإنه لا أحد يستطيع أن يقاوم هذه المحبة الحقيقية الصادقة، وعندئذ لن يكون هناك احتياج للطلاق.

   وماذا عن المشاكل مثل العُقم أو المرض؟

   إن هذه المشاكل وغيرها سوف تصبح مجالاً لممارسة إيمان الثقة في الله وكفايته، واختبار معاملاته الإلهية، حينما يضعها الزوجان أمام الله، فنقرأ مثلاً أن رفقة زوجة إسحاق كانت عاقرًا، فماذا فعل هذا الرجل التقي؟ لقد صلَّى وطلب الرب إلهه، والرب استجاب ( تكوين 25: 21)، كذلك زكريا زوج أليصابات ( لوقا 13:1).

   وهذا مايُعلِّمنا إياه الكتاب: «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ.  وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيليبي4: 6- 7).  لا تهتموا بمعنى لا يتحوَّل الأمر عندكم إلى هَمٍّ يُربك أذهانكم ويُثقل قلوبكم ويعطل أفراحكم، فلو شاء الرب الصالح في حكمته وخطته للحياة، فإنه سيستجيب الطلبة ويشفي العُقم أو المرض، وذلك يسيرٌ في عينيه.  وإن لم يُحقِّق الطلبة لحكمة عنده، أو كان الوقت وقت انتظار وتدريب وتسليم، فسيكون هذا وقت الوفاء كلٌّ للآخر، والفرصة ستكون لممارسة المحبة الباذلة المُضحية التي لاتطلب ما لنفسها، والتي تُمتَحن في الشدائد والضيقات والأزمات، وعندها فإن سلامه الإلهي سيحفظ القلب والفكر، ويمنح تعويضات نعمته الغزيرة التي تغمر الحياة، عندما يكون الهدف هو «حياة في رضاه».

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com