عدد رقم 3 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نحميا الخادم ، رجل عادى  

ما أشبه أيام نحميا بأيامنا الحاضرة، لقد عاش نحميا وقت ضعف الشهادة بين شعب الله قديمًا، فالغالبية لا زالت في "السبي" في بابل، ولم يرجعوا مع إخوتهم إلى أورشليم.  لقد فضَّلوا الراحة واستكانوا تحت تأثير المُخدِّرات العالمية، وتبلَّدتْ مشاعرهم نحو بيت الله.  وحتى البقية التي رجعتْ هم «في شرٍ عظيمٍ وعار» (نح1: 3)، حيث لم ينفصلوا عن الأمم الذين حولهم حسب رجاساتهم، واختلط الزرع المُقدَّس بشعوب الأراضي، وكانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولاً (عز1:9 ،2).  كانت الأسوار؛ أسوار أورشليم التي تعلن "انفصال" شعب الله عن العالم من حولهم، «مُنهدمة»، وأبوابها التي تمنع دخول أي شخص لا تتفق حالته مع قداسة الله، كانت «محروقةً بالنار».  تمامًا مثلما نعيش نحن اليوم وقد تهدَّمتْ أسوار الانفصال بين الكنيسة والعالم، واختلطتْ المفاهيم بين ضرورة الانفصال الأدبي عن العالم، وممارسة الخدمة الفردية؛ الروحية أو  الزمنية وسط "أناس" هذا العالم.  كما أن الأبواب التي ينبغي أن يمرَّ بها الداخلون إلى حيث شهادة الله مُعلنَة ومُمثَّلة في كنيسة الله، صارت "محروقةً" بنار البدع والتعاليم الغريبة، فيما اعتبر البعض ذلك نوعًا من الموروثات البالية "كالورقة المحروقة" التي يستخدمها المُتحجِّرون في عصر الحداثة والتطور والميل إلى ما هو جديد!

ويقينًا هناك فارقٌ كبير في يوم مجد الأمة الأول، حيث سقطت الأسوار الحصينة بالإيمان في أيام يشوع (انظر يش2)، وبين ضعفها في أيام نحميا حيث اهتم ببناء الأسوار للحفاظ على أمن المدينة وانفصالها وقداستها.  تمامًا كالفارق بين الكنيسة الأولى ومجد الرب المُستعلَن فيها بقوة (انظر مثلاً أع2-5)، وبين "صورة التقوى" في الأيام الأخيرة التي نعيشها الآن (2تي2، 3).

إلا أنه في كل زمان يَبقى لنا الله الذي لا يتغيَّر، كما تظل مبادؤه السامية التي لا تتبدَّل، على نفس فاعليتها وقوتها.  وإن كانت أيام القوة تُظهر خدام الله في قوة ومجد، كما تُظهر الخدمة في اتساع وإبهار، وهذا يصدق على شهادة الله سواء في تاريخ الشعب القديم أو في تاريخ الكنيسة في العهد الجديد، إلا أنه يلزمنا التأكيد على أن الأواني البشرية المُستخدمة في كلا العهدين، وفي كلا المشهدين: المجد الأول والضعف الحالي، هي «أواني خزفية» (2كو4: 7 ) وهم "بشرٌ" تحت الآلام مثلنا (يع5: 17).

لقد بدا موسى ويشوع في العهد القديم، وبولس وبطرس ويوحنا في العهد الجديد وكأنهم ((Super men أو (Super stars) أي نجومٌ فوق العادة، إلا أن الكتاب المقدس يظهر الأمور على حقيقتها في كونهم "بشرًا" تقدَّسوا للعمل فاستخدمهم الله.

نفس هذا المبدأ عمل ويعمل في خدام الله قديمًا وحديثًا، فإن كانت الأواني المُستخدمة في أيام المجد والقوة ما هم إلا بشرٌ عاديون، فكم بالأولى تكون الأواني المُستخدمة في أيام الخراب!

إن نظرة واحدة على مَنْ استخدمهم الله في أيام حُكم القضاة مثلاً تؤكِّد هذه الحقيقة.  بل ونحميا نفسه؛ ذلك الرجل الأمين يؤكِّدها كذلك.

فنحميا رجلٌ عادي، استخدمه الرب في أيام غير عادية.

نعم رجلٌ عادي فهذا ما يؤكِّده تاريخه ومؤهلاته الشخصية.  وهذا ما قاله هو عن نفسه: «جاء رجلٌ يطلبُ خيرًا لبني إسرائيل».  فهو لم يكن من النسل الملكي كزربابل، أو النسل الكهنوتي كعزرا، ولم يكن نبيًا كحجي وزكريا، وكل هذه الأسماء كانت لأفاضل معاصرين له، زد على ذلك كله أنه كان يعمل زمنيًا كساقٍ للملك (نح1: 11)
.
ماهي الرسالة الواضحة إذًا؟
إن كنا نتفق جميعًا أننا نعيش في الأيام الأخيرة التي يُميِّزها ضعف الشهادة لا قوتها ومجدها الأول، فإنه يتعيَّن علينا كذلك أن نتفق على أن الأواني المُستخدمة من الله اليوم هم أيضًا – بل وبالأولى جدًا – بشرٌ عاديون، وعاديون جدًا، «ليكون فضل القوة لله لا منا» (2كو7:4).

إن الفكرة الشائعة بين الشباب المسيحي اليوم هي أن هناك في عصرنا رجالاً Super في عمل الله ونجومًا Stars ونجومًا فوق العادة Super Stars، لهم قوى غير عادية وكاريزما مُبهرة ويقومون – بحسب رؤيتهم الخارجية – بأعمال خارقة.  وانتشر تمييزٌ غريب بين خادم "فضائي" (أي كثير الظهور على الفضائيات)، وبين خادم "مغمور" (أي غير مشهور) أو "عادي" أو "بالتوكاوي" ( نسبة إلي Paltalk)!!

أحبائي الشباب
 إنها حقيقة مؤكَّدة أنه ليس كلُ ما يلمعُ ذهبًا، تمامًا كما أنه ليس كلُ ما فَقَدَ بريقه من الذهب الخالص هو عديمُ القيمة!
إن انتشار "النظرة السطحية" والتقييم الشكلي والتأثُّر بالمظاهر، كلها نتاج ثقافة السطحية الكتابية والشكليات الروحية والمظاهر الكنسية التي ينبغي أن نُقر مُخْلِصين بأنها انتشرتْ بيننا كالوباء المُتفشِّي، انتشارَ النارِ في الهشيم! وساهم في تزكيتها البعضُ مِمَنْ أحبوا الشُّهرة. 

وليس سوى الرب وحده القادر أن ينقذنا من هذا الفخ، فهل نرجع إلى الرب لنسأله عن مقاييسه هو ورأيه هو قبل أن نُعجَب بهذا أو نقلد ذاك، أو نسير معصوبي الأعين وراء "فلان"، أو نستبدل أقوال الله بأقوال "عِلان"؟؟

إن صورة النهضة الكتابية الأخيرة قُبيل مجيء الرب لاختطاف الكنيسة، واضحةٌ في كنيسة فيلادلفيا (رؤ3: 8)، حيث  الرب لملاك الكنيسة: «لأن لك قوة يسيرة (أي بسيطة وليست عظيمة) وقد حفظتَ كلمتي ولم تُنكرْ اسمي»، ولم يُشِرْ إلى أيَّة أعمال خارقة.  هو عادي وبالتالي قوته عادية، وإدراك ذلك له تقييمه العظيم لدى الرب.  فهو في شعوره بالضعف يستند على الرب طالبًا المعونة ليحفظ كلمته ويُقدِّس ويُكرم اسمه.  ويكفي الشخص الأمين في فيلادلفيا أنه يحيا أمام الرب العليم، وازن الأرواح والأعمال (أم16: 2)، الذي يُقدِّر الأمانة والدوافع المُقدَّسة، وبالذات عندما تقترن بتكريس قلبي للمسيح وطاعة حقيقية لكلمته في أيام التشويش والضعف الروحي العام.

إخوتي الشباب
تُرى أيَّة صورة نشتاق أن نكون عليها في هذه الأيام الأخيرة؟ هل نريد أن نبدو "غير عاديين"؟؛ في الصدارة والمركز وفي كل مشهد وخدمة؟ أم نسعى بالحق والصدق أن نحيا "عاديين"، ولكن مسيحيين حقيقيين نُظهر حياة المسيح ببساطة وهدوء، ونعمل إرادة الله الخصوصية من جهة حياتنا وأعمالنا وخدمتنا، وشعارنا «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص»، منتظرين تقييم السيد العظيم «في ذلك اليوم» (2تي4: 8)، عوضًا عن مديح الناس في يوم البشر (1كو4: 3).
ليتنا نكون حكماء ولا نجري إلا خلف المسيح (نش1: 4)، ولانتبع إلا المكتوب، ولا نبغي إلا رضى السيد الذي يستحق كل المجد.
                                                                       

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com