عدد رقم 3 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أربع نظرات إلى سدوم (3)  
                   

النظرة الثالثة:

نظرة امرأة لوط
(تك 16:19 -26)
عندما أخرج الملاكان لوطًا وامرأته، كان كلامهما مُوجَّهًا إلى لوط.  ولماذا؟ لأنه هو رب الأسرة وهو المسؤول عما يجري فيها، فنقرأ القول: «وكان لما أخرجاهم إلى خارج، أنه قال: اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ.  لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ.  اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ».  وفي هذا درس لكل أب أوكله الرب على مسؤولية من جهة زوجته وأولاده، حيث سيُعطي حسابًا عن ذلك.  هل كان قدوة صالحة أمامهم؟ هل استحضر الله إلى البيت؟ هل علَّمهم مخافة الرب؟ هل حذَّرهم من نتائج الخطية؟ هذه الأوامر تبدأ بعبارة «اهرب لحياتك»، وتُختم بأن يهرب إلى الجبل، وبين الأمرين بالهرب يأتي الأمر: «لا تنظر إلى ورائك، ولا تقف في كل الدائرة».  وإذا نظر إلى ورائه فهناك الهلاك، وإذا وقف في أي جزء من دائرة الأردن فهو مُعرَّضٌ أيضًا للهلاك، وهذا ما حدث مع امرأة لوط لا مع لوط نفسه.  ومن المؤكَّد أنه حذَّر زوجته وابنتيه من النظر إلى الوراء، شاعرًا بخطورة الموقف.  ولكن بالرغم من ذلك فقد «نظرتْ امرأة لوط من ورائه فصارتْ عمود ملح» (ع 26). لقد تباطأتْ خطواتُها قليلاً عنه حتى لا يراها، ثم خَطَفَتْ نظرة سريعة للوراء نحو سدوم، وفي الحال تحوَّلتْ إلى عمود ملح.  ولم تكن هي أول امرأة تنظر من وراء رجلها، لأن حواء كانت هي الأسبق في فعل هذا الأمر.  وفي الحالتين وإن توارتْ عن رجلها وفعلتْ ما تريد، فهل يمكن أن تتوارى عن نظر الله؟

ونستطيع أن نقول عن هذه المرأة التي لا نعرف اسمها إنها كادت أن تنجو لكنها هلكتْ، بينما نستطيع أن نقول عن اللِّص الذي كان مُعلَّقًا بجوار الرب إنه كاد أن يهلك لكنه خلص.  ففي لحظاته الأخيرة وهو محكوم عليه بالموت تطلَّع إلى المُخلِّص بنظرة إيمان وحصل على الخلاص.  بينما امرأة لوط وهي خارج دائرة الهلاك وعلى وشك الإفلات منه تمامًا، بنظرة عدم إيمان للوراء، فاجأها هلاكٌ بغتةً، بالرغم من أن سُبُل النجاة جميعها كانت مكفولة لها.
لقد صارت أرض سدوم وعمورة بعد الدمار الذي حلَّ بها منطقة ملحية كبريتية،  ومكانها الآن يوجد البحر الميت والمشهور بارتفاع نسبة الملوحة فيه بدرجة عالية، حتى أنه لا تعيش فيه أيُّ كائنات حية مُطلقًا.

لقد وقع على امرأة لوط ذات القضاء الذي وقع على سدوم.  والفارق أن النار لم تلحقها.  لكن، لماذا وقع عليها هذا القضاء الرهيب؟ السبب لأنها خرجتْ من سدوم دون أن تُخْرِج سدوم من قلبها.

إن علة الهلاك تتمثَّل في عدم الإيمان وعدم تصديق أقوال الله، وهذا ما ظهر عندما نظرتْ إلى الوراء.  لقد شكَّتْ في جدِّيَّة القضاء الذي سمعتْ أنه سيحل بسدوم.  وكانت تشعر أن الدنيا من حولها سلامٌ وأمان.  لم تقتنع بالتحذير والرسالة  أن الرب قد أرسل الملاكان ليُهلكا هذا المكان.  مثلما حدث مع حواء قديمًا عندما قالت لها الحيَّة: «لن تموتا» (تك 4:3)، وفي الحالتين «مَنْ لا يُصدِّق الله فقد جعله كاذبًا» (1يو 10:5).  وما أخطر عدم الإيمان.
شيءٌ آخر، فقد صارت «عمود ملح»، والعمود هو نَصبٌ تذكاري، وبالفعل إن امرأة لوط أصبحت نصبًا تذكاريًّا يحكي عن خطورة تعلُّق قلب الإنسان بالعالم وبريقه وإغرائه وفساده.  وقد قال السيد: «اذكروا امرأة لوط» (لو 32:17)، فإن قصتها والقضاء عليها أمرٌ يستحق الاهتمام، إذ صارتْ عِبرةً لكل الأجيال.  والعمود أيضًا يتكلَّم عن الشهادة، ولكن أيَّة شهادة تلك التي حملتها امرأة لوط؟

إن المؤمن هو ملح للأرض ونور للعالم.  والملح قادر على الحفظ من الفساد، وفي ذات الوقت المؤمن نور وشهادة تهدي الآخرين.  وكان المفروض أن يكون لوط البار كذلك، لكنه بالأسف قد فسد الملح، وانطفأ النور، فلم يمنع انتشار الفساد في سدوم، ولم يُعَطِّش النفوس إلى الله، ولم يهدِ أحدًا إلى معرفته، ولم يُؤثِّر حتى على أفراد بيته.  أما امرأته فلم تكن من الأصل ملحًا ولا نورًا في حياتها بسبب عدم إيمانها، لذلك وقع عليها القضاء وأدركها الهلاك الفوري.
لقد تحدث الرب في  لوقا 17 عن أيام نوح وأيام لوط، فعندما جاء القضاء كان الناس يمارسون أعمالهم اليومية بشكل طبيعي، وهذا ما سيحدث في مجيء ابن الإنسان للدينونة.  فبينما يقولون سلام وأمان، سيفاجئهم هلاكٌ بغتة. 

إن هذه المرأة هي أوضح مثال لإنسان كان من الممكن أن يخلص لكنه هلك.
لقد هلكتْ بالرغم من ثلاثة أمور هامة:
1-    هلكتْ رغم أنها كانت متزوجة من رجل بار.  لقد ارتبطتْ بلوط البار لسنواتٍ طويلة، لكنها لم تتجاوب مع ما كان يؤمن به، ولم تعرف الله الحي الحقيقي.  إن ارتباطها بهذا الرجل لم يؤثر فيها ولم يُغيِّر فيها شيئًا، وظلَّتْ في ظلام ذهنها وقلبها إلى النهاية.

2-    هلكتْ رغم أنها تمتَّعَتْ بشفاعة إبراهيم خليل الله.  لقد تشفَّع إبراهيم من أجل المدينة، لأنه كان أمامه لوط وزوجته وابنتيه.  وبالرغم من أن رجلاً تقيًا جدًا قد صلَّى من أجلها، إلا أنها هلكتْ بسبب إصرارها على محبة العالم، ورفضها طريق البر.  فكل الصلوات والتضرعات المرفوعة من الأتقياء لن تفيد، بل ستكون شاهدة علينا إذا لم نرجع إلى الرب ونتوب.

3-      هلكتْ بالرغم من أن الملاكين أمسكا بيديها هي ولوط عندما توانى، ووضعاهما خارج المدينة ومجال الخطر، وبالرغم من ذلك هلكتْ.  فعندما يكون القلب مُغلقًا والشيطان قد أعمى الذهن أمام معرفة الله، فإن كل محاولات أعمال العناية ستذهب هباء حتى لو كان التدخُّل فيها بواسطة الملائكة.  فلا بديل عن الإيمان القلبي، وسماع صوت الرب والتوبة، فهذا هو الطريق الوحيد للخلاص.
     ***




                                                                      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com