عدد رقم 3 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
يوم الأمور الصغيرة   من سلسلة: الأيام الأخيرة

رأينا في العدد السابق صورة لرحلة الكنيسة كشاهدة للمسيح على الأرض، وشكل الأمور في الأيام الأخيرة، والضعف الذي يسود، والصعوبات التي تواجهها، وأسباب الفشل، ودور الأمناء للحفاظ على الشهادة إلى مجيء الرب.

   والآن دعونا نتحوَّل إلى الوجه الآخر من الصورة، ونترك الجانب المُظلم، ونلتقي بأحبائنا المُتفائلين، ونسمعهم يتساءلون: هل نحن بالحقيقة في أيام الضعف والفشل أم في أيام القوة والمجد، ونعيش كأيام الكنيسة الأولى؟ فكيف نتكلَّم عن ضعف الشهادة، والسفينة التي تنحل من عنف الأمواج، ونحن نرى الآلاف يأتون من المشارق والمغارب ويرجعون إلى الرب، ورسالة الإنجيل تصل إلى كل العالم، وإلى معقل الشيطان، وتأتي بقدِّيسين من بيت قيصر؟  وكيف نتكلَّم عن «القوة اليسيرة»، و«يوم الأمور الصغيرة»، ونحن نشاهد على الفضائيات القوات والآيات التي تُجرَى بواسطة أشخاص موهوبين، وكأن بطرس الرسول قد عاد إلى المشهد ليقول للأعرج: «قُم وامش»، فيقوم ويمشي؟ والفارق الوحيد أن بطرس قال للأعرج: «ليس لي فضة ولا ذهب».

ثم إن عشرات الألوف يرفعون التضرعات لأجل مصر وأفريقيا والعالم كله ليرجع إلى الرب؟!  فماذا نحتاج أكثر من ذلك، ولماذا تتكلَّمون عن ضعف الشهادة، وما بالكم متشائمين هكذا، وكيف لا إيمان لكم؟! هل تغيَّر الروح القدس وما عاد يعمل كما كان في عصر الكنيسة الأولى؟ ألم يقل بولس: إن «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد».  إننا نتوقع نهضة عظيمة قادمة، وهذا ما لا بد أن يحدث قبل مجيء الرب.

   كل هذا يمكن أن نراه ونسمعه ونقبله بعقولنا، ولكن هل هذا ما قاله الكتاب عن طابع الأيام الأخيرة؟ وهل حقًا لا فرق بين أيام الكنيسة الأولى وبين الأيام الأخيرة للمسيحية الآن؟ إن المرجعية الوحيدة لنا لكي لا نُحمَل بكل ريح تعليم هي كلمة الله، كما قال بطرس: «وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت، التي تفعلون حَسَنًا إنْ انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير في موضع مُظلم» (2بط 19:1).  وعلينا أن نمتحن كل شيء في ضوء، ليس ما يقبله عقلي ويتفق مع ميولي الشخصية، بل في ضوء ماذا يقول الكتاب؟ وهل هذه الأمور هكذا؟ بهذا نعيش على أرض الواقع، ولا تحملُنا الأوهام إلى أرض الأحلام، بل نتمسَّك بلإعلان الذي يحفظنا من البُطل والعيان.  خاصة إن الأكثرية الآن تميل إلى نغمة القوة والإبهار، وتعتمد على الشعور والاختبار، وترفض كلمة الله كالمنار. 

   والآن ماذا قال بولس لتيموثاوس عن الأيام الأخيرة في رسالة الأيام الأخيرة؟ «أنت تعلم هذا أن جميع الذين في أسِيَّا ارتدُّوا عني» (2تي 15:1)، «لأنهم يتقدَّمون إلى أكثر فجور، وكلمتُهم ترعَى كآكلة ... يعلم الرب الذين هم له، وليتجنبْ الإثم كل مَنْ يُسمِّي اسم المسيح (الرب).  ولكن في بيت كبير (الذي كان قبلاً بيت الله)، ليس آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان.  فإن طهَّر أحدٌ نفسه من هذه، يكون إناءً للكرامة، مُقدَّسًا، نافعًا للسيد، مُستعَدًّا لكل عمل صالح» (2تي 16:2-21).  «ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنةٌ صعبة، لأن الناس يكونون مُحبِّين لأنفسهم، محبِّين للمال، مُتعظمين، مُستكبرين، مُجدِّفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، ... مُحبِّين للذات دون محبة لله، لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قُوَّتها ... أناسٌ فاسدةٌ أذهانُهم، ومن جهة الإيمان مرفوضون» (2تي1:3-8).  «لأنه سيكون وقتٌ لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم مُعلِّمين مُستَحِكَّةً مسامعُهُم، فيصرفون مسامعَهم عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات» (2تي 3:4، 4).  وكتب للمؤمنين في تسالونيكي موضحًا أن يوم الرب (ظهوره بالمجد واستعلان الدينونة) لا يمكن أن يأتي إن لم يأتِ الارتداد أولاً (2تس 3:2) «... لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، ولأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يُصدِّقوا الكذب» (2تس 7:2-11).

   وماذا قال بطرس الرسول عن الأيام الأخيرة؟ «عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قومٌ مستهزئون، سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين أين هو موعد مجيئه؟» (2بط3:3 ،4).
   وماذا قال يهوذا في رسالته التي تتكلَّم عن الارتداد في الأيام الأخيرة؟ «لأنه دخل خُلسةً أُناسٌ ... فجارٌ يُحوِّلون نعمة ربنا يسوع المسيح إلى الدعارة ... وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال ... إنه في الزمان الأخير سيكون قومٌ مُستهزئون، سالكين بحسب شهوات فجورهم ... خلِّصوا البعض بالخوف، مُختطفين من النار، مُبغضين حتى الثوب المُدنَّس من الجسد» (يه 4، 17- 23). 

   وفي تاريخ الكنيسة النبوي كما ورد في سفر الرؤيا 2، 3 نقرأ في خطاب الروح لملاك كنيسة ساردس، وهي الدور الخامس من الأدوار السبعة، يقول: «أنا عارفٌ أعمالك، أن لك اسمًا أنك حيٌّ وأنت مَيْتٌ.  كُنْ ساهرًا وشَدِّدْ ما بقي، الذي هو عتيدٌ أن يموت ... عندك أسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم، فسيمشون معي في ثياب بيض» (رؤ1:3- 4).  وفي خطاب الروح لملاك كنيسة فيلادلفيا، وهي الدور السادس في تاريخ الكنيسة، وتُمثِّل عصر النهضة الكتابية في القرن التاسع عشر، يقول: «قد جعلتُ أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحدٌ أن يغلقه، لأن لك قوةً يسيرة» (رؤ8:3).  وفي خطاب الروح لملاك كنيسة لاودكية، وهي الدور السابع والأخير في تاريخ الكنيسة على الأرض، وتُمثِّل الحالة الأدبية المُنحطَّة للمسيحية قبل مجيء الرب، يقول: «أنا عارفٌ أعمالك، أنك لست باردًا ولا حارًا  ... أنا مُزمعٌ أن أتقيأك من فمي ... كُنْ غيورًا وتُبْ» (رؤ15:3 -19).

   هذا ما قاله الكتاب وصفًا صادقًا للحالة في الأيام الأخيرة.  ومن خلال ذلك نفهم أن الضعف وليس القوة هو سمة الأيام الأخيرة، وأن الارتداد وليس النهضة هو الذي سيأتي، وأن الناس سيرفضون التعليم الصحيح ويُرَحِّبون بالمُعلِّمين الكذبة الذين يصرفون مسامعَهم عن الحق فينحرفون إلى الخرافات.
   نعم إن يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد لا يتغيَّر، والروح القدس  أيضًا لا يتغيَّر من يوم الخمسين إلى الآن، بل وإلى الأبد، وإنما الوضع من الناحية التدبيرية هو الذي قد اختلف، وبالتالي فإن شكل الأمور قد اختلف، والطريقة التي كان يعمل بها الله قد اختلفت طبقًا لطبيعة المرحلة ومقتضياتها.
   وهذا ليس جديدًا بل نفس الشيء نجده في العهد القديم.  ففي أيام موسى، تدخَّل الله بقوات وآيات وعجائب لكي يُخلِّص شعبه من أرض مصر.  هذه الآيات أُجريتْ في مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية لمدة أربعين سنة.  وكانت هذه أول آيات في تاريخ البشرية، حيث كان الله عتيدًا أن يؤسِّس علاقة جديدة مع شعبه على أساس الفداء.  وبعد موسى جاء يشوع الذي عبَّر الشعب في نهر الأردن وأدخلهم أرض كنعان وكان مُؤيَّدًا أيضًا بقوات وآيات.  لكننا لا نقرأ بعد ذلك عن آيات أو قوات حتى جاء إيليا وبعده أليشع، مُؤَيَّدَيْن بقوات وآيات معجزية في بداية مرحلة جديدة هي عصر الأنبياء عندما فشل الملوك، والله قد ثبَّت وأيَّد هذه الشهادة الجديدة بواسطة الآيات.  ثم  توقفتْ الآيات المعجزية حتى جاء المسيح مُؤيدًا بقوات وآيات لم يعملْها أحدٌ غيره، في بداية جديدة وإعلان جديد عن الله في محبته ونعمته للبشر، ومن بعده جاء الرُّسل الذين تأيدوا أيضًا بقوات وآيات تابعتهم في فترة تأسيس الكنيسة، وكان الرب يعمل معهم ويُثبِّت الكلام بالآيات التابعة.  هذه هي الفترات الثلاث في كل تاريخ البشرية التي نقرأ فيها عن ظهور الآيات في كل الكتاب.

   وليس ذلك فقط لكننا عندما نقارن تاريخ إسرائيل المُبكِّر أيام موسى ويشوع، بتاريخهم في الأيام الأخيرة قبل مجيء المسيح الأول، مُمثَّلاً في البقية بعد الرجوع من السبي البابلي، لبناء بيت الرب.  هل كان البيت الأخير الذي بنوه نظير البيت الأول؟ ألم يَبكِ الشيوخ الذين عاصروا مجد البيت الأول عندما رأوا هذا البيت؟ ثم عندما جاء نحميا هو ورجال قليلون معه لبناء الأسوار، ألم يختلف شكل الأمور عن أيام موسى ويشوع؟ أين القوات المعجزية التي صاحبت الأيام الأولى؟ ماذا قال زكريا النبي وهو يُشجع البقية على استمرار العمل لبناء البيت؟ لقد قال: «لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود» (زك6:4)، بمعنى أن الله لن يتدخَّل بواسطة قوات معجزية كما فعل قديمًا، بل سيقف معهم ويُعضِّدهم بواسطة الروح القدس.  هل معنى ذلك أن المعونات أقل؟ كلا البتة.  فيقول بعد ذلك: «مَنْ أنت أيها الجبل العظيم؟ أمام زرُبَّابل تصيرُ سهلاً ... لأنه مَنْ ازدرى بيوم الأمور الصغيرة» (زك7:4 ،10).  وهكذا نرى أن شكل الأمور والطريقة التي يتعامل بها الله معهم فقط هي التي اختلفت، أما حجم المعونات الإلهية لهم لم يتغيَّر.  ونفس الشيء بالنسبة للكنيسة، فإن الفترة التأسيسية الأولى بعد يوم الخمسين ميَّزتها القوات والمواهب المعجزية بشكل مذهل، حيث كان الرب يُرسي وضعًا جديدًا، ويُؤسس شهادة جديدة.  أما الآن فالوضع مختلف وشكل الأمور مختلف.  لكن الرب لا يزال يعمل ويشدِّد الأمناء ويُعضِّدُهم في شهادتهم إلى أن يجيء.

   ويبقى السؤال: هل لا توجد معجزات الآن؟ وهل الله توقف عن أن يصنع عجائب؟ الجواب: كلا البتة.  إن الذي توقف هو الآيات وليس المعجزات.  فالمعجزة يجريها الله بنفسه، وقد تكون استجابة لصلاة المؤمنين.  وأعظم معجزة يجريها الله إلى الآن بصور مختلفة هي خلاص الخاطي وتغييره كُلِّيَّة، مثلما حدث مع شاول الطرسوسي مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا.  وهذا ما يحدث الآن عندما نرى قديسين من بيت قيصر.  أما الآيات فكانت مواهب خاصة في العصر الرسولي الأول، كما فعل بطرس إذ قال للأعرج: قم وامشِ، فقام ومشى.  هذه الآية أجراها بطرس بسلطان رسولي دون أن يُصلِّي.  هذه الآيات بهذا الشكل هي التي توقفت.  وهذا ما يُعلنه الكتاب.  أما ما يُشاهَد أو يُسمَع فلسنا مُطالبين أن نحكُم فيه.  ليتنا نعود إلى ماذا يقول الكتاب، فنقف راسخين حتى يأتي الرب ويجدنا ساهرين.
                                                                   


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com