عدد رقم 3 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نظرة عامة على الكنيسة  

   أيها الشاب المؤمن العزيز .. هل تشعر بشرف الانتماء إلى كنيسة الله؟ وهل تحبُّها وتفرح بها وتُقدِّرها كما هي في نظر الله، وكما يُقدِّرها المسيح باعتبارها جسده وعروسه، وباعتبارها عطية الآب الكريمة له مُكافأة لطاعته وموته الكفاري على الصليب؟ هل تعلم أن هذا أغلى مشروع عمله الله لمسرَّته؟ هذا المشروع صمَّمته حكمةُ الله الأزلية، وكانت كُلفته هي حياة ابن الله التي بُذلتْ على الصليب، واستغرق تنفيذه وإنجازه حتى الآن نحو ألفي عام، وسيكتمل قريبًا عند مجيء الرب حيث يُحضرُها لنفسه كنيسةً مجيدة.  وهذا المشروع سيظل بطول الأبدية هو مسكن الله ومكان راحته.  إنه شيءٌ مؤسف إن كنتَ لا تعرف ما هي الكنيسة، أو إن كنت تنتمي إلى كيان آخر أو مجموعة أو نشاط تجد فيه نفسك، بعيدًا عن كنيسة الله، أو إن كان ولاؤك وتبعيتك لإنسان، أيًّا كان، وليس للمسيح.  عزيزي .. أنت عضو في جسد المسيح منذ أن سكن فيك الروح القدس بعد الإيمان، ولستَ عضوًا في طائفة أو هيئة مسيحية أو رابطة أو نظام أو نشاط كنسي أو اجتماع فرعي.  يوجد كيان وحيد ينتمي إليه جميع المؤمنين ويُصادق عليه الله يُسمَّى كنيسة الله، وهو المجال لاستعراض مجده أمام العالم.  والكنيسة مُشبَّهة بعدة تشبيهات في الكتاب مثل: الجسد والعروس، المسكن والهيكل، المنارة واللؤلؤة، الرعية والمدينة السماوية.

   وفي هذه السطور سنُلقي بعض الضوء على الكنيسة كما نفهمها من كلمة الله.  والهدف ليس أن نحصل على معلومات عن الكنيسة، بل أن يزداد تقديرُنا وانتماؤنا للكنيسة.   

        أولاً: ماهي الكنيسة :
   هي جماعة المؤمنين في تدبير النعمة الحاضر الذين يسكن فيهم الروح القدس.  وتُتَرجم باللغة اليونانية «ecclesia»، وتعني «جماعة مدعوة».  إنها جماعة مدعوة للخروج إلى الرب من العالم، وذلك نظير خروج رفقة من حاران وسيرها مع العبد لملاقاة إسحاق (تك24)، وخروج العذارى لملاقاة العريس (مت25).  إذًا هي جماعة خارجة من العالم، ويُميِّزها طابع الانفصال المُقدَّس في رحلتها لكي تُحفَظ بلا دنس من العالم.

        ثانيًا: متى وُجدت الكنيسة على الأرض؟
        إن كلمة «كنيسة» لم ترد إطلاقًا في أسفار العهد القديم ، وهذا دليل على أنها لم توجد آنذاك.  أما في العهد الجديد فقد وردت أول إشارة إليها في إنجيل متى عندما قال الرب لبطرس: «على هذه الصخرة (المسيح ابن الله الحي) أبني (سأبني) كنيستي» (مت16: 18)، لأنها لم تكن قد بُنيتْ بعد.  أما الإشارة التالية للكنيسة فترد في ذات الإنجيل وذلك في ارتباطها بالتأديب الكنسي، «وإن لم يسمع منهم فقُلْ للكنيسة ... لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (مت18: 17-20).  بعد ذلك لا نجد أيَّة فصول كتابية تتكلَّم عن الكنيسة حتى يوم الخمسين، يوم نزول الروح القدس بعد صعود المسيح إلى المجد(أع2)، الذي هو تاريخ ميلاد الكنيسة على الأرض.  فلكي تتكوَّن كان لا بد من موت المسيح وقيامته وصعوده ثم نزول الروح القدس.  وقد بدأت بمؤمنين من اليهود (أع2)، ثم انضم إليها مؤمنون من الأمم (أع10).

        ثالثًا:  لماذا أوجدها الرب على الأرض من يوم الخمسين إلى يوم مجيئه للاختطاف؟
   1- لتكون مسكنًا للرب يسكن فيه على الأرض وسط شعبه.  ففكرة إقامة مسكن للرب على الأرض بدأت بعد الفداء وخروج الشعب من مصر عندما رنموا على شاطئ البحر قائلين: «هذا إلهي فأمجده (أي أُعدُّ له مسكنًا)» (خر15: 2 )، وكانت البداية هو طلب الرب من موسى والشعب: «فيصنعون لي مَقدسًا لأسكن في وسطهم» (خر25: 8)، وهذا ما أكَّده الروح القدس بالنسبة للكنيسة إذ أصبحت «مسكنًا لله في الروح» (أف22:2).
   ولقد مرَّ مسكن الرب مع شعبه بمراحل متعدِّدة كلآتي:

   أولاً خيمة الاجتماع في البرية، ثم الهيكل الذي بناه سليمان في أورشليم، ثم الهيكل الذي بنته البقية بعد الرجوع من السبي، ثم الرب يسوع المسيح بنفسه عندما كان هنا بالجسد، ثم الكنيسة من يوم الخمسين إلى يوم الاختطاف، ثم الهيكل الألفي الذي سيبنيه الرب بنفسه، والكنيسة كمدينة في الملك الألفي، أخيرًا الكنيسة كمسكن الله مع الناس في الأبدية.

   2- لتكون شاهدة للرب على الأرض، ويتحقَّق ذلك باعتبارها «عمود الحق وقاعدته» (1تي3: 15).  فالعمود للشهادة والقاعدة للموآزرة، فالكنيسة شاهدة للحق وموآزرة له.  ولقد شبَّهها الرب بالمنارة (رؤ1: 20، 2: 1، 21: 24) التي تستمد نورها من زيت الروح القدس الساكن فيها، كما أنها تعكس نور المسيح.  وهذا يتحقَّق عندما تجتمع الكنيسة بحسب المبدإ الإلهي الصحيح، ويأخذ الرب مكانه في الوسط، والكل حول الرب في ترتيب بديع، في زينة مُقدَّسة، في خشوع وخضوع، يُعطون للرب الإكرام الذي يليق به كالرأس المجيد، وينقادون بروحه.  والروح القدس يعلن أمجاد الابن في وسط كنيسته، ويأخذ مما للمسيح ويخبرنا، وهنا تلمع الشهادة.  فإذا دخل أحدٌ غير مؤمن أوعامي فإنه يُوَبَّخ من الجميع وتصير خفايا قلبه ظاهرة، وهكذا يخرُّ على وجهه ويسجد لله مناديًا أن الله بالحقيقة فيكم (1كو14: 24و25).  وهكذا نرى أن حضور الرب في الكنيسة بنوره هو الذي يجذب الخاطي البعيد الذي يعيش في الظلمة.  هذا ما حدث مع الكنيسة الأولى إذ «كان الرب كل يوم يضُمُّ إلى الكنيسة الذين يخلصون» (أع2: 47).  هذا الاجتماع بهذه الصورة المباركة لا ينطبق إلا على الكنيسة بحسب الترتيب الإلهي الصحيح حيث يأخذ المسيح مكانه كالرأس والرئيس، وتُعطَى القيادة للروح القدس.
   وهذه الشهادة لكي تلمع وتؤثر في العالم يلزمها أن تكون منفصلة عنه، فالانفصال هو قوة الشهادة.  يقول الرب: «إذا أخرجتَ الثمين من المرذول فمثل فمي تكون.  هم يرجعون إليك وأنت لا ترجع إليهم» (إر19:15).  هذا المبدأ نراه بوضوح على صفحات الوحى من التكوين إلى الرؤيا، حيث «فصل الله بين النور والظلمة» (تك1: 4)، ويقول بولس: «أيَّة شركة للنور مع الظلمة»؟ (2كو6: 14)، ونراه كذلك في دعوة الرب لأبرام للخروج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت أبيه (تك 1:12)، وعلى النقيض من ذلك ما نراه في لوط الذي لم يصلح للشهادة بل «كان كمازح في أعين أصهاره» (تك19: 14)، بسبب اختلاطه مع أهل سدوم.  أما إسحاق فلم تلمع شهادته إلا بعدما انفصل عن الفلسطينيين، فقد ذهبوا هم إليه وقالوا له: «إننا قد علمنا أن الرب كان معك» (تك26: 28).  ونحن بدورنا مدعوون للانفصال «اخرجوا منها ياشعبي لئلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها» (رؤ18: 4).    والخلاصة أنه لا شهادة ناجحة بدون انفصال.
 
        رابعًا: هل الكنيسة هي امتدادٌ لإسرائيل؟
   بالطبع لا، لكن إسرائيل كان جماعة مدعوة للخروج من أرض العبودية، وكان الغرض الأساسي من هذه الدعوة هو «عبادة الرب» في البرية (خر5: 1و3؛ 7: 16؛ 8: 1و2)، وعبادته والشهادة له في أرض كنعان بعد امتلاكها والقضاء على الأعداء.  ولم يكن القضاء على تلك الشعوب هو الغرض الأساسي من هذه الدعوة، فلو قصد الله ذلك لكان لديه الوسائل العديدة للقضاء عليهم، كما قضى على العالم القديم بطوفان الماء، وقضى على مدن الدائرة بنار وكبريت أمطره عليهم من السماء. 

   والآن طالما كانت دعوتهم تختلف عن دعوتنا، فدعوتهم أرضية أما دعوة الكنيسة فسماوية، فلماذا يُسجِّل الوحي كل ما اجتازوا فيه وكل ما أصابهم تفصيليًا سواء خلال رحلة البرية أو في الأرض؟ الجواب هو أن «هذه الأمور أصابتهم مثالاً وكُتبتْ لإنذارنا نحن الذين انتهتْ إلينا أواخر الدهور.  إذًا مَنْ يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط» (1كو10: 11و12).  فنحن نتعلَّم  مما أصابهم نتيجة اختلاطهم بالأمم وعدم انفصالهم عن الشعوب الوثنية، وياله من تأديب وقع عليهم كما نرى في الأسفار التاريخية بداية من سفر القضاة وحتى عزرا ونحميا. 

   لقد أقاموا خيمة في البرية وهيكلاً عظيمًا من حجارة عظيمة في الأرض، لكننا نحن نختلف عنهم في هيكلنا المبني من حجارة حيَّة ليكون بيتًا روحيًا، يقوم بالعبادة فيه كهنوتٌ مُقدَّس، يشمل جميع المؤمنين، يُقدِّم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح، وهذا لا يتم إلا في البيت الروحي الذي هو الكنيسة التي تجتمع إلى اسم الرب، الذي بدوره يُشرِّف اجتماعها بحضوره في وسطها.  على أن مُهمة الكهنة لم تنته عند هذا الحد، فهناك مُهمة أخرى يمارسها الكهنة خارج البيت، في العالم الذي يرفض الرب، إذ أنهم كهنوتٌ ملوكي يُخبرون بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط2: 5 – 9).  وهكذا نرى أن الذي يخرج إلى العالم الرافض للمسيح لتقديم رسالة النعمة ليس الهيكل ولا عمود الحق وقاعدته، فهذا مركز الشهادة الثابت، بل المؤمنون كأفراد إذ يُحرِّكُهم ويقودُهم الروح القدس في الكرازة كما يقودُهم في العبادة.  

        خامسًا: ما هو موقفنا من اجتماع الكنيسة؟
   يالها من كنيسة عظيمة وأمينة تلك التي كانت في البداية إذ «كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات» (أع2: 42)، تلك هي أساسيات البيت التي بدونها لا تقوم له قائمة.  وياله من تأثير ونتائج مباركة إذ كانت لهم «نعمة لدى جميع الشعب.  وكان الرب يضُمُّ كل يوم إلى الكنيسة الذين يخلصون» (أع2: 47).  وإن كان الرب يُقدِّر الكنيسة التي تجتمع إلى اسمه إذ يشرفها بحضوره في وسطها، فماذا يكون تقديرنا نحن لاجتماعات الكنيسة سواء للسجود أو التعليم ودرس الكتاب أو الصلاة أو الشركة وكسر الخبز؟ هذا ما يُحرِّضُنا عليه الروح القدس بالقول: «غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة، بل واعظين بعضنا بعضًا وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب» (عب10: 25).

                                                                                                          
                                                                                  


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com