عدد رقم 1 لسنة 2008
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحسد  

لا شك أنَّ الحسد موضوع حسَّاس، متشعِّب الجوانب متداخل الأطراف؛ فله لدى العامة من حولنا، مع اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، مفهوم يختلف عن مفهومه الكتابي الصحيح، بل ويختلف حتى عن مفهومه عند علماء النفس وعلماء اللغة.  وجوهر المفهوم الخاطئ عن الحسد في الثقافة المحيطة بنا هو أنَّ الحسد يؤثِّر على المحسود، وبالتالي يستوجب الأمر ”رقية“ أو ”تعويذة“ أو ”تلاوة بعض الآيات“، أو حتى ”وضع الأيادي المخمَّسة على المحلات والبيوت“، لدرء الخطر عن المحسود.  وللأسف أنَّ هذا ما نسمعه من كثير من المسيحيين الذين ابتعدوا كثيرًا عمَّا يقوله الكتاب، فاحتفظوا في داخل منازلهم وسيارتهم بأحجبة أو بعض المزامير، أو حتى الكتاب المقدس بجملته ليس لشيء إلاَّ لمنع الحسد، أو لدرء العين الحاسدة كما يعتقدون!!

ويحزنني أنه حتى بيننا كجماعة مؤمنين نجد من قد تأثر بهذا الفكر الخرافي، فأنا لا أنسى إحدى الأخوات التي جاءتني لتعمل أشعة ”موجات صوتية“، وكانت حاملاً، فطالبتني أن لا أُخبر أحدًا في الاجتماع عن حملها، لأنَّها متيقنة أنَّ الجنين الذي فقدته بالإجهاض سابقًا كان نتيجة حسد بعض الأخوات اللاتي تأخرنَ في الحمل بعد زواجهنَّ!!  إلى هذا الحد كان تأثرها بالخرافة من حولها أكثر من تأثرها بكلمة الله التي تسمعها كل يوم!!

وسنتناول هذا الموضوع من وجهة النظر الكتابية، التي نثق إنها الرأي المطلق والصريح الذي يجب أنْ لا يُضاف عليه ولا يُنقَص منه.

هو شعور مركََّّب عناصره هي الحقد والكراهية من ”الحاسد“، ينشأ نتيجة رؤية آخرين  يمتلكون ما لا يستطيع أن يملك، أو ينجزون ما لا يستطيع أن ينجز

تعريف الحسد

هو تمنّي زوال نعمة الغير (نعمة المحسود)، بل في معظم الأحوال، يصل الأمر إلى تمني زوال المحسود نفسه!  وهو شعور مركَّب عناصره هي الحقد والكراهية من ”الحاسد“، ينشأ نتيجة رؤية آخرين (المحسودين) يمتلكون ما لا يستطيع أن يملك، أو ينجزون ما لا يستطيع أن ينجز، أو عندهم مواهب أو صفات لا يحظى بمثلها.  ويزداد هذا الموضوع سوءًا حينما يكون كل من الحاسد والمحسود من ذات المستوى الاجتماعي أو العلمي.

هناك قصة قديمة خيالية يتداولها معلمو اليهود (الرابيون) توضِّح معنى الحسد، وتعكس الشعور النفسي البغيض والعنيف الذي يعمل في قلب الحاسد.  فيُقال إنَّ ملاكًا ظهر لرجل حسود، وقال له إنه مهما طلب سوف يعطيه، بشرط أنه سيُعطَى لقريبه ضعف ما سيناله.  ففكَّر كثيرًا، ولغيظه الشديد وحنقه أنَّ قريبه سيأخذ ضعف أي خير سيطلبه لنفسه، فلقد قرر أنْ يطلب من الملاك أنْ يقلع له إحدى عينيه.  حتى تُقلع عيني قريبه الاثنين!!  وهذه القصة وإنْ كانت بالطبع خيالية ولكنها توضِّح مدى بغضة الحاسد للمحسود، والذي يريد أذية المحسود، حتى لو كان هناك أذية تقع على الحاسد نفسه.  إنَّ الحكيم حينما وصف الحسد قال: «اَلْغَضَبُ قَسَاوَةٌ، وَالسَّخَطُ جُرَافٌ، وَمَنْ يَقِفُ قُدَّامَ الْحَسَدِ؟» (أم27: 4).  فالغضب والسَّخط، على الرغم من كونهما مشاعر قاسية وعنيفة تجرف ما أمامها، ولكنها وقتية، أو قد نجد طريقة لتهدئتها.  أمَّا الحسد حينما يتمكن من النفس فله صفة الاستمرارية، والنفس الحاسدة لا تهدأ إلاَّ بعد زوال نعمة المحسود أو المحسود نفسه!

والكتاب ميَّز بين لفظين: الغيرة، وهي ترد في اليونانية ”zealos“، وبين الحسد ”phthoneo“.  فالغيرة شعور طبيعي تعني الرغبة أن يكون لديَّ ما للغير، وتكون مظاهره الخارجية اجتهاد وحماس لتحقيق ما عند الغير أو ما ينافسني فيه الغير.  ولكن إنْ صار هذا الشعور مصحوبًا بالسخط والغضب والمرارة والمذمة، فعلينا أن نحذر؛ فقد انقلب الأمر إلى حسد.  والذي عادةً ما يُشار إليه باليونانية ”phthoneo“، ولذلك يُحرِّض بطرس المؤمنين بأن: «يَطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ» (1بط2: 1).

المظاهر الخارجية المختلفة للحسد

الحسد وإنْ كان شعورًا خفيًا داخليًا، إلا أنه دائمًا يطفو على السطح بمجموعة من الأقوال والأفعال من السهل أن تميز الدافع السيئ من ورائها.  ولكي نستوعب مدى بشاعة هذه الخطية، دعنا نتتبعها في حياة الكتبة والفريسيين وقادة الأمة تُجاه الرب، والتي ظهرت في العديد من المواقف المتنوعة، وصلت في قمة الدراما المأساوية إلى قتل الرب في أبشع جريمة عرفها التاريخ.  وهذا ما أدركه القاضي والحاكم الروماني ”بيلاطس“ وهو يفحص قضية الرب، إذ علم أنهم «أَسْلَمُوهُ حَسَدًا» (مت27: 18؛ مر15: 10)، وأنه بريء مِمَّا أُلصق به من تهم!

قد يظهر الحسد في صورة تسفيه الآخرين وتشويه صورتهم بل واحتقارهم، وهذا ما حدث في مجمع السنهدريم حينما انبرى نيقوديموس للدفاع عن الرب، ولكن القادة أرادوا تشويه صورة الرب بنعته أنَّ أصله من الناصرة المحتقرة كدليل على عدم مصداقية أقواله (يو7: 50-52)، وحدث مرة أخرى حينما اتهموا الرب بأنه ”سامري وبه شيطان“ (يو8: 48)، ولا ننسى حينما قالوا عنه: «أَ لَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟!» (مت13: 55). 

والحسد قد يظهر بصورة أخرى، بأن ندَّعي مقدرتنا على أن نفعل بسهولة ما يستطيع أن يفعله الشخص المحسود، وهذا ما حدث مع قائد المجمع، حينما شفى الرب المرأة المنحنية منذ 18 عامًا، فادَّعى إنَّه يستطيع أن يفعل هذا الفعل كل يوم: «فَأجاب رَئِيسُ الْمَجْمَعِ وَهُوَ مُغْتَاظٌ، لأَنَّ يَسُوعَ أَبْرَأَ فِي السَّبْتِ، وقَالَ لِلْجَمْعِ: هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا الْعَمَلُ فَفِي هَذِهِ ائْتُوا وَاسْتَشْفُوا وَلَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ» (لو13: 14)!  بل والادِّعاء إننا أقدس من المحسود ونتصرف أحسن منه، فقائد المجمع يشفي في ستة أيام تطبيقًا للناموس وحرصًا لحفظ السبت، بينما الرب لا يهتم بذلك.

ومن المظاهر المشهورة للحسد هو محاولة الحاسد تَصيُّد أخطاء المحسود، وهذا بالتمام ما حاوله الفريسيين أكثر من مرة ففي متى 22: 35 ”سأله ناموسي ليجربه“.  وفي يوحنا 8 أتوا إليه بامرأة أُمسكت في ذات الفعل، لكي يمتحنوه في مبادئ الناموس، وهل سيكسر الناموس أم يكسر المرأة ذاتها متخليًّا عن النعمة التي ينادي بها.  وأعتقد إنَّ دعوة سمعان الفريسي له في منزله في لوقا 7 كان متضمنًا فيها نفس هذا الغرض.

وصورة أخرى للحسد تظهر بالتحزب وتأليب الجموع على المحسود، وهذا ما عمله الفريسيون مع المولود أعمي، حينما أخبروه بالإجابة مسبقًا ليستميلوه لصفهم، وحتى يشهد على الرب إنه رجل خاطئ، «فَدَعَوْا ثَانِيَةً الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى وَقَالُوا لَهُ: أَعْطي مَجْدًا لِلَّهِ.  نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ خَاطِئٌ» (يو9: 24). ومرة أخرى حينما بدأت خيوط الحسد تتجمع وتتضافر، ولكي يتخذوا منه موقفًا حاسمًا، حينما رأوا دخوله إلى أورشليم محفوفًا بهتاف الجماهير، أرادوا أنْ يتحالفوا عليه محفّزين بعضهم بعضًا: «فَقَالَ الفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا!  إِنَّكُمْ لاَ تَنْفَعُونَ شَيْئًا!  هُوَذَا الْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!» (يو12: 19)، وكأنهم يريدون أن يعلنوا إنَّه قد جاء الوقت الحتمي  للقضاء عليه والنيل منه، فها قد صار هو المركز، وكل الأنظار تتجه إليه، وقد انحسرت عنهم الأضواء بعدما كانوا محَطّ اهتمام الجميع، يسيرون في الأسواق والشوارع وكل الأنظار تتَّجه إليهم، والناس تتسابق لتحيتهم وتمجيدهم.

أما أبشع صورة يظهر فيها الحسد فهي التخلص من المحسود بقتله أو بأية وسيلة أخرى!!  فحينما تجمَّعت كل سحب البغضة والكراهية قرَّروا إزاحة الرب تمامًا من المشهد، ليُفسَح لهم المجال، وكأنَّ لسان حالهم: «مَتَى يَمُوتُ وَيَبِيدُ اسْمُهُ؟» (مز41: 5).  وهذا بالتمام ما أعلنه قيافا في نطاق المؤامرة الخبيثة التي حدثت في مجمع السنهدريم، فقد انبرى بالقول: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، ولاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ، وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا» (يو11: 49، 50).

المظاهر الخارجية المختلفة للحسد، من السهل تمييزها.  ولكن هناك صورة أخرى غريبة ليس من السهل اكتشاف أنَّ الدافع من ورائها هو الحسد، فالحسد قد يظهر بصورة ”الصلاح والفلاح“!

هذه هي الصور والمظاهر الخارجية المختلفة للحسد، والتي من السهل تمييزها.  ولكن هناك صورة أخرى غريبة ليس من السهل اكتشاف أنَّ الدافع من ورائها هو الحسد، فالحسد قد يظهر بصورة ”الصلاح والفلاح“!  وهذا ما عبَّر عنه الحكيم في سفر الجامعة: «وَرَأَيْتُ كُلَّ التَّعَبِ وَكُلَّ فَلاَحِ عَمَلٍ أَنَّهُ حَسَدُ الإِنْسَانِ مِنْ قَرِيبِهِ!  وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ» (جا4: 4).  لقد رأى سليمان الفلاح إنه نوع من المحاكاة وتقليد الإنسان لقريبه، وأنَّ الدافع من وراءه هو الحسد!  والفعل الذي وَرَد في هذه الآية كما في الترجمة السبعينية هو ”phytonus“، وهو كما تكلَّمنا سابقًا يعنى الحسد المصحوب بالمرارة وليس الغيرة التي ورائها دوافع حسنة!

أو كأن يظهر الحسد في صورة كرازة بالمسيح!! هذا ما نجده في كلمات بولس: «أَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ حَسَدٍ وَخِصَامٍ يكرزون بِالْمَسِيحِ، وَأَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ مَسَرَّةٍ» (في1: 15)، فبولس على الرغم من إنه سُرَّ بالعمل ذاته، ألا وهو الكرازة وانتشار الإنجيل وتعظيم اسم الرب، ولكنه بالروح القدس أعلن لنا أن حتى الكرازة بالإنجيل في حالة هؤلاء الإخوة كان مصدرها دوافع خبيثة ومريرة هي الحسد والخصام!!

والحسد خطية قديمة جدًّا أساسها الشيطان نفسه، وإذا رجعنا لسفر البدايات سنجد أن هذه الخطية هي التي دفعت قايين أن يقتل هابيل أخاه.  ودفعت الفلسطينيين لردم آبار إسحاق والحقد عليه: «وَزَرَعَ إسْحَاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ، فَأَََصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ وَبَارَكَهُ الرَبُّ، فَتَعَاظَمَ الرَّجُلُ وَكَانَ يَتَزَايَدُ فِي التَعَاظُمِ حَتَّى صَارَ عَظِيمًا جِدًّا، فَكَانَ لَهُ مَوَاشٍ مِنَ الغَنَمِ وَمَوَاشٍ مِنَ البَقَرِ وَعَبِيدٌ كَثِيرُونَ، فَحَسَدَهُ الفِلِسْطِينِيُّونَ. وَجَمِيعُ الآبَارِ الَّتِي حَفَرَهَا عَبيدُ أَبِيهِ فِي أَيَّامِ إِبْراهِيمَ أَبِيهِ طَمَّهَا الفِلسْطِينِيُّونَ وَملأُوهَا تُرَابًا» (تك26: 12-15).

وهي نفس الخطية التي دفعت إخوة يوسف للتنكيل به حينما سرد عليهم الأحلام التي رآها: «فَحَسَدَهُ إخْوَتُهُ وَأمَّا أبُوهُ فَحَفِظَ الأمْرَ» (تك37: 11)، والتي اقتبسها الروح القدس فيما بعد على فم اسطفانوس، ليوضِّح إنها نفس الخطية التي دفعت رؤساء الكهنة لتسليم المسيح: «وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ اللهُ مَعَه» (أع7: 9).  وهي نفس الخطية التي استعرت في قلب شاول حينما سمع ترنيمة النساء قديمًا: «ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ، وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ» (1صم18: 7).

ومن المؤسف والمحزن حقًّا إنَّه في اجتماعاتنا وبين القديسين في بعض الأحيان تظهر هذه الخطية على السطح بإحدى الصور التي أشرنا إليها سابقًا.  والتي يُصنِّفها الروح القدس أنها من أعمال الجسد (غل 5: 21).  فكثيرًا ما نرى أخًا أو أختًا بدأ يأخذ مكانًا بارزًا في المجال الروحي، والرب يريد أن يستخدمه بطريقة معينه سواء في الخدمة أو التدبير، ولكن للأسف يشعر بعض الإخوة - الذين عادة ما تكون لهم نفس الموهبة ولكن بصورة أقل - بهذا الدخيل الجديد الذي يزاحمهم مكانتهم؛ فتبدأ سُحُب الحسد والحقد والكراهية تتجمع لتلعب دورها والنتيجة، كما يعلنها يعقوب: «حَيْثُ الغِيرَةُ وَالتَّحَزُّب هُنَاكَ التَّشْويشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ» (يع3: 16).  فللأسف نحن في زمان «الجَمِيعُ يَطْلُبُونَ مَا هُوَ لأَنْفُسِهِمْ، لاَ مَا هُوَ لِيَسُوعَ المَسِيحِ» (في2: 21).

العلاج الكتابي للحسد

في رسالة غلاطية بعد أنْ استعرض الروح القدس أمامنا قائمة أعمال الجسد، متضمّنًا فيها ”الحسد“، عاد واستعرض قائمة أخرى، على النقيض تمامًا من الأولى هي ”ثمر الروح“، ومن ضمنها ”المحبة“ التي من خصائصها: «لاَ تَحْسِدُ ... لاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا» (1كو13: 4، 5)، ويستعرض في فقرة قصيرة المعاملات المتبادلة التي تحدث في اجتماعات القديسين مستخدمًا ثلاث مرات عبارة: «بعضنا بعضًا», وهذه العبارة وَرَدت متتالية في مقطع صغير: «لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا» (غل5: 26). وأيضًا: «اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهَكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ» (غل6: 2).

المظاهر الخارجية المختلفة للحسد، من السهل تمييزها.  ولكن هناك صورة أخرى غريبة ليس من السهل اكتشاف أنَّ الدافع من ورائها هو الحسد، فالحسد قد يظهر بصورة ”الصلاح والفلاح“!

فمن الطبيعي إنَّ علاقتنا بعضنا مع بعض ستولِّد احتكاكًا حينما لا نكون تحت قيادة الروح القدس. فالمشغولية بالنفس ستنشئ فينا: إمَّا شعورًا بالتفوق والتميز عن الإخوة من حولنا، وهذا سينتج عنه ”مغاضبة“، أو كما وَرَدت في النص اليوناني: ”الرغبة في التحدي“، لكي نجعلهم يستشعرون تفوقنا عليهم.  أو في الاتجاه الآخر ستنشئ فينا شعورًا بالنقص وصغر النفس، حينما نرى من يتفوقون علينا في الموهبة والقدرة، وهذا على النقيض سيجعلنا نحسد الآخرين ونشعر بكل مرارة تجاههم.

إذًا فالكارثة تكمن في ”الإعجاب بالنفس“، أو كما جاءت في بعض الترجمات: ”الإعجاب الباطل أو الزائف .. Vainglory“، الذي لا يرتكز على أساس، وهذا الإعجاب الزائف أو كما عبَّر عنه بولس: «لاَ يَرْتَئِي فَوْقَ مَا يَنَْبَغِي أَنْ يَرْتَئِي، بَلْ يَرْتَئِي إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ الله لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ» (رو12: 3).  أي نرى حقيقتنا كما هي في نظر الله، ونضع أنفسنا في المكان، وتحت الراية التي يريدها هو لنا في كنيسته، ولا نحاول أن نأخذ مكان الصدارة، بل نأخذ ما قسمه الله لنا، حتى لو كان شعورنا الباطل بأن هناك مكانًا آخر نحن نستحقه، وهناك آخرين يزاحموننا فيه.

آه لو تعلمنا هذا الفكر الذي في المسيح يسوع: «لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (في2: 3).  إنَّ هذا الفكر سيبدِّل حال اجتماعاتنا تمامًا، وسيجعل الناس من حولنا ترى فينا فكر لا يعرفه العالم، وهكذا نتمِّم ناموس المسيح الذي هو المحبة.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com