عدد رقم 1 لسنة 2008
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكبائر الأربع  

كيف يحدث هذا؟

   كيف نفعل نفس الخطايا التي أدت إلى قتل المسيح؟

        لماذا نسقط فيها على الرغم من بشاعتها؟

              لماذا كثر بيننا الساقطين في حب المال؟

                  لماذا صرنا نحسد بعضنا بعضًا؟

                      لماذا نقبل تغييب العقل بإرادتنا؟

                          لماذا صرنا عبيدَ إرضاءِ الناس، ونُغير السيد الذي اشترانا؟

أعتقد أن هذا يرجع لعدة أسباب، أهمها، من وجهة نظري، هو أننا لم نتعود على الدخول والمكوث فى محضر الله، إننا ندخل لنصلي أو لنقرأ الكتاب، لكننا لم نتعلم أن نملأ عيوننا وقلوبنا بالمسيح!  لم نتعلم كيف نجلس لنحدق فيه بإصرار، ونستجدي حضوره بتوسل، والذي بمجرد تواجدنا فيه يغمرنا على الفور فيض أشعته الساطعة والخارقة؛ فتكشف لنا قُبحنا لنرفضه ونتوب عنه.  بل وفي الحال يترك علينا مسحة من جماله الأخَّاذ.

لكن هناك أيضًا سبب آخر لا يقل خطورة، ألا وهو أننا قد رسمنا في خيالنا صورًا خاطئة لقَتَلةِ المسيح، جعلتنا نعتقد أننا لا يمكن أن نكون مثلهم، بينما قد نكون في الواقع غارقين في حمأة خطاياهم!!

تعال لنرى كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك.

أولاً: يهوذا ومحبة المال

يهوذا في خيالنا شخص قصير مكير، ذو وجه قبيح، غاطس في لحية كثّة، يبرز منه أنف ضخم معقوف، يمسك دائمًا بصُرّة المال ينطِّطها بين يديه بلذة بالغة وهو ينظر إليها بنهم، بينما لا يعبأ بالناس من حوله، أو يكتفي بأن يرقبهم من طرف عينه بين الحين والآخر بنظرة استغلال واحتقار.  هو في خيالنا دائمًا يلوك لسانه في فمه استعدادًا للافتراس، يطلق صوتًا هو أقرب إلى القهقه الجوفاء منه إلى ضحكة السخرية والاستهزاء!!

وفي الحقيقة لا أعرف كيف خدعنا أنفسنا وصدقنا هذا الخيال!  لكنني على يقين أن الذي رسم له هذه الصورة، وجعلها ترسخ في أذهاننا هو إبليس، وقد فعل هذا لكي يجعلنا مطمئنين تمامًا أننا لا يمكن أن نكون مثل هذا اللعين؛ فنحن ننظر كل يوم في المرآة، وما أبعد أشكالنا الجميلة عن هذا الشكل القبيح!  إن مرائينا لا تكذب وهي تؤكِّد لنا كل يوم أننا لا يمكن أن نكون يهوذا، بينما الواقع يصرخ بأعلى صوت أننا قد نكون أكثر قبحًا منه! 

إن مرائينا
تؤكِّد لنا كل يوم
أننا لا يمكن أن
نكون يهوذا،
بينما الواقع يصرخ بأعلى صوت
أننا قد نكون
أكثر قبحًا منه!

لقد نسينا أو تناسينا أن القبح الروحي لا يمكن أن تكشفه هذه المرآة، قد جهلنا أو تجاهلنا، أن يهوذا قد يكون ساكنًا في أرَقّ وأجمل الأشكال، بل وأكثرها دفئًا وأنعمها كلامًا!

لا، لم يكن يهوذا أبدًا بهذه الصورة الخادعة.

إذًا، ماذا كان؟!

  • كان واحدًا من المبشِّرين العظماء!
  • كان صانعًا للمعجزات!  إذ كان يشفي المرضى ويخرج الشياطين!
  • كان الصديق العزيز، أليف المسيح وعديله (مز 55: 13)!
  • كان واحدًا من المعدودين اثني عشر رجلاً؛ هم أشهر خدّام المسيح على مدار ألفي عام!
  • كان صاحب صوت العقل الرزين الذي يجيد تثمين الأشياء!
  • كان - كما يبدو - صاحب القلب العطوف المهموم ببؤس الفقراء!
  • كان رجل القبلات!
  • كان القائد الموثوق فيه من الجميع من جهة حسن التدبير وإدارة الأموال!
  • كان دائمًا مع السيد، بل كان مجلسه على المائدة أقرب الكل إلى رب المجد والجلال!
  • لم يقصِّر مرة في حضور اجتماع، إذ كان يعرف جيدًا موضع الاجتماع!
  • كان يجيد التحدث بلغة المؤمنين العقلاء!
  • كان شجاعًا إذ اعترف بجريمته وشهد ببراءة المسيح!

هذا هو يهوذا كما ترسمه بعض أقوال الكتاب، لم يكن زانيًا ولا مستبيحًا كعيسو، لم يكن مجدِّفًا ومفتريًا كشاول الطرسوسي، لم يَنحنِ لوثنٍ كما فعل سليمان، وأهم الكل هو أنه لم يكن ذا ضمير ميت كآخاب الذي نزل ليستمتع بكرم نابوت بعدما أسلمه ليد إيزابل لتقتله!  كلا، البتة، بل كان ذا ضمير حساس، جعله ينتحر من شدة الندم على نتائج فعلته كأي وزير ياباني محترم!

إن كل مشكلة يهوذا كانت تكمن في حبّه للمال!

ودعني أسألك عزيزي القارئ بعض الأسئلة بخصوص هذه الخطية التي قال عنها الكتاب إنها أصل لكل الشرور:

  • ألا ترى معي أن الكذب في بعض الأوراق الرسمية لتوفير بعض المال، أو لزيادة ما نحصِّله من مال، لكي لا ندفع جمارك أو ضرائب، أو لكي نحصل على مبلغ أكبر في تأمين أو معاش هو عين خطية محبة المال؟
  • ألا ترى معي أن الكثير من الخلافات بين المدعوين مؤمنين على حقوق مادية هو في كثير من الأحيان يرجع إلى محبة المال؟
  • ألا ترى معي أن إخفاء بعض الحقائق عن شريك لك في العمل، أو عميل لك، لتحصل على قسط  أكبر من المال هو حب للمال؟
  • ألا ترى معي أن عدم اشتراكنا في احتياجات القديسين، بينما نحن نملك ما يفيض عنا، هو حب للمال؟
  • ألا ترى معي أن الخدمة بغرض جمع المال هي نفس خطية يهوذا: محبة المال؟

أحبائي إن أحببنا المال فنحن نقف بجوار يهوذا في صف من قتلوه، لا في صف من كرموه!

أخشى أن نكون يهوذا دون أن ندري؟!      

ثانيًا: رؤساء الكهنة والحسد

ماذا عن صورة رؤساء الكهنة في خيالنا؟

هم رجال شيوخ من سبط لاوي ومن بني هارون، متوسطي الطول مكتنزي الأجساد، كروشهم بارزة وعيونهم جاحظة من كثرة الشحم.  يلبسون الثياب الكهنوتية ببريقها الأخَّاذ، يقفون أمام الشعب وقفة اللوردات ويتكلمون بلغة الأسياد.  الخُبث يتهاطل من عيونهم إذا نظروا، والسمّ يهطل من أفواههم إذا أفتوا.  هم جماعة لا تعرف عدلاً ولا رحمة، قرّروا سفك دم المسيح لا لشيء سوى لأنهم كـ”دراكولا“ مصّاص الدماء!

هذه هي صورتهم في خيال الكثيرين منا، وكيف لا تكون هكذا وهم الذين كانوا يتحرقون شوقًا لذبح المسيح؟!

والدافع الذي دفعهم لقتل السيد ليس هو، كما ظننا، رغبتهم الشرهة في سفك الدماء!!  إن الأمر كله ليس سوى الغيرة والحسد الذي نراه كل يوم بين المؤمنين!!

وطالما هذه هي صورتهم، فلله الحمد، نحن لسنا على شاكلتهم!

لكن مهلاً عزيزي، فالصورة التي يرسمها لهم الكتاب تختلف عن صورة دراكولا تمام الاختلاف!  والدافع الذي دفعهم لقتل السيد ليس هو، كما ظننا، رغبتهم الشرهة في سفك الدماء!!  إن الأمر كله ليس سوى الغيرة والحسد الذي نراه كل يوم بين المؤمنين!!

إذًا كيف كانوا يبدون أمام الناس؟

  • إنهم أناس حريصون على مجد الله، لذلك هم يقفون بكل حزم ضد أي تجديف أو ادعاء بمعادلة الله!
  • إنهم حريصون على الحق الكتابي، فلا يدينون إنسانًا دون أن يكون هناك شهود إثبات!
  • إنهم يؤمنون بالعمل الجماعي وعدم الانفراد بالرأي، فيجمعون كل المجمع ولو في نصف الليل لإصدار الحكم!
  • إن كبيرهم رجل ذو مشاعر فياضة وغيرة ملتهبة على مجد الله، حتى أنه شق ثيابه من كثرة أحزانه عندما سمع شهادة المسيح عن نفسه أمام المجمع!
  • إنهم محبين لشعب الله، حريصين كل الحرص على سلامته وسلامة أراضيه وهيكله، ويخافون أن يأتي الرومان ويأخذون موضعهم إذا لم يقتلوا المسيح!
  • إنهم مكسوري القلب على حال الشعب الملعون لأنه لا يفهم الناموس!
  • إنهم يقدِّسون الشريعة ويحترمون القانون، فهم يحترمون الناموس الإلهي لذا يريدون قتل المسيح!  لكنهم أيضًا يحترمون القانون الروماني فيقرّون بأنه لا يجوز لهم أن يقتلوه!
  • إنهم حريصون كل الحرص على طاعة أدق تفصيلات المكتوب من جهة حياة الطهارة، لذلك لم يدخلوا دار الولاية لئلا يتنجسوا!
  • إنهم لا يجاملون على حساب الحق!  فحتى لو غضب منهم الوالي لعدم دخولهم دار الولاية فإنهم لن يدخلوا!
    لكن...

هل تعرف - عزيزي - ما الذي كان يختفي وراء هذه الصورة الجميلة البراقة والذي أدى بهم إلى صلب المسيح؟

إنه: الحسد!

يقول الكتاب عن بيلاطس في متى27: 18 «لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا».

وبالطبع لم يكن حسدهم هو الحسد بالمفهوم الذي تشيعه الخرافة من حولنا هنا في بلادنا، لكنه الحسد كما يشرحه الكتاب المقدس، هو الغيرة الشديدة من آخر.  لقد كان دافعهم لقتل المسيح هو غيرتهم الشديدة منه؛ لأنه جذب أنظار الأمة إليه وجعلهم هم في الظل!

إذًا لم تكن المسألة حرصًا على حق الله ومجده، ولا على خير الشعب وسلامته، بل هي مسألة شحصية بحتة لا تزيد عن كونها تمسك شديد بمركز بدأ يهتز، وتشبث عنيف بأضواء بدأت تنسحب!  إنها رغبة عارمة في الوجود داخل دائرة الضوء، وخوف جارف من بروز آخر يأخذ المركز، فلا يجعلهم في قلب الحدث!

وهنا أطرح على نفسي وعليكم بعض الأسئلة:

  • هل نشعر بشيء من الألم عندما يُكرَم أخ لنا ويجذب عنا الاهتمام؟
  • هل نفرح حقًا بكل من يعمل لصالح شعب الله، حتى وإن كنت أنا بعيدًا عن دائرة الاهتمام؟
  • هل نهاجم شخصًا تحت شعار مجد الله وبركة الإخوة، بينما الواقع هو أننا نغير منه ونحسده؟
  • هل نتمسك بالحقّ وندافع عنه لنخفي حسدًا في قلوبنا لأحد إخوتنا؟
  • هل نفكر في إزاحة أخ من الساحة لكونه ينافسنا، ونفعل هذا تحت شعارات روحية؟

أحبائي: إن كنا نحسد فنحن نقف مع رؤساء الكهنة في صف من قتلوه لا في صف من أكرموه!

أخشى أن نكون منهم دون أن ندري!      

ثالثًا: شعب اليهود وتغييب العقل

حقًا عجيب للغاية أمر هذا الشعب،

إنهم من شهور قلائل أرادوا أن يختطفوه عنوة ليجعلوه ملكًا!  والآن يخرجونه عنوة خارج الأسوار ليصلب!!

من شهور قلائل كانت بينهم مناجاة ويتسائلون عن صلاحه، واليوم يجزمون بأنه مجدِّف يستحق الموت صلبًا!

منذ بداية خدمته وإلى النهاية لم يكفّوا عن الشهادة بأنه عمل كل شيء حسنًا، وبأنه لم يظهر في إسرائيل نظيره قَطّ؛ واليوم لشدة يقينهم من جرمه يعلنون تحمل تبعات سفك دمه، ليس فقط على أنفسهم بل وعلى أولادهم!!!

بل ولماذا نذهب بعيدًا لشهور، فمنذ أيام قلائل هتفوا له هتافًا ملكيًا، واستقبلوه استقبالاً أسطوريًا، معترفين أنه ”ابن داود“!  واليوم يصرخون بذات الحناجر والأفواه مطالبين بقتله لأنه مجدِّف يستحق الصليب، مفضّلين عنه سارق ولص!!!

كيف ينقلب الحال هكذا؟

أين العقل الذي استصرخه يومًا المولود أعمى، عندما وقف أمام المجمع قائلا: :«إِنَّ فِي هذَا عَجَبًا!  إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ... مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى.  لَوْ لَمْ يَكُنْ هذَا مِنَ اللهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا» (يو9: 30-33).

هذه هي رغبة قلوبهم الفاسدة، وهذا هو ضميرهم المشوَّه الذي يسلِّم مصيره الحاضر والأبدي لرجال الدين ليهرب من مواجهة الله.

لقد ذهب العقل ولم يبق إلا الانفعال!

ولماذا هذه الطاعة العمياء لرؤساء الدين الأشرار، وهم يعلمون جيدًا شر هؤلاء الرؤساء؟

لأن هذه هي رغبة قلوبهم الفاسدة، وهذا هو ضميرهم المشوَّه الذي يسلِّم مصيره الحاضر والأبدي لرجال الدين ليهرب من مواجهة الله، وليوهم نفسه أن كل شيء بينه وبين الله على ما يرام طالما أنه على وفاق مع الوسطاء؟!

إنه الهروب المزري من استخدام العقل، والتبعية المهينة لكل من ارتدى ثوب رجل الدين، إنه تسكيت الضمير الذي يلوم على خطايا وشرور مختلفة بجرعة مسكن من مخدر اسمه: ”طاعة رجال الدين“.

عزيزي القارئ، هذا الشعب لم يكن حفنة من الرعاع استأجر رؤساء الكهنة حناجرهم ليصرخوا، بل هو شعب بأكمله تم تغييب عقله، لكن باختياره؛ فهم راغبون في رفض الدليل العقلي الدامغ، والبرهان المنطقي الواضح، لغرض ما في قلوبهم الشريرة الفاسدة.  إنهم، كما وصفهم بطرس في عظته الشهيرة، جيل ملتوي (أع2: 40) أي غير مستقيم

عزيزي، هل نحن ملتوون؟!  للأسف أقول كثيرًا ما انزعجت من شدة التواء المدعوين أنهم مؤمنون!!

  • ألا يحدث أحيانًا منا أننا نرفض الدليل والبرهان لغرض ما في قلوبنا؟
  • ألا يحدث أحيانًا أننا نمشي مع الهوجة، طالما أن الهوجة تحقِّق لنا ربحًا ولو تافهًا كأن يكون رضا أحد الأشخاص؟
  • ألا يحدث أحيانًا أننا نُرضي من يرتدون ثوب الدين، رغمًا عن عدم اقتناعنا، وذلك لا لسبب إلا لكوننا غير مستقيمين أمام الله؟

هذا العوج المقصود، مع النفس ومع الآخرين ومع الله، كان شريكًا في قتل المسيح!

أحبائي إن غيَّبنا العقل وتبعنا الناس، مهما كانوا هؤلاء الناس، فنحن نقف مع جمهرة طالبي إطلاق بارباس، نقف في صف من قتلوه، لا في صف من أكرموه!

رابعًا: بيلاطس وإرضاء الناس

«فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ» (مر15:15).

قد يرسم لنا خيالنا بيلاطس على أنه  شخص ظالم مستهتر لا يهمه موت البرئ، هو متهور يفعل، دون تروٍّ أو تفكير، ما يتراءى له، ليس عنده ذرة من الضمير تجعله يتراجع عن صلب البار.  وكنتيجة لاقتناعنا بأن هذه هي صورته فنحن، ولله الحمد، لسنا مثل هذا الظالم المتهور!

إلا أن الحقيقة المؤلمة أن هذه ليست هي صورة بيلاطس على الإطلاق، وبالتالي علينا أن نراجع أنفسنا من جهة مدى مشابهتنا له.

لقد كان بيلاطس:

  • مؤمنًا كل الإيمان ببراءة المسيح. 
  • ذكيًا فاهمًا لدوافع رجال الدين. 
  • لم يتعامل مع قضية المسيح بتسرع، فقد استغرقت منه سبع جلسات. 
  • ولم يتعامل معها باستهتار، فقد كان خائفًا، بل وازداد خوفه عندما أخبره اليهود أن المسيح قال عن نفسه إنه ابن الله. 
  • كان متردِّدًا للغاية من جهة إصدار الحكم، فحاول مرة ومرات أن يتخلص من القضية برمتها، مرة بأن يحوّلها إلى هيرودس، ومرة بأن يعرض إطلاقه على سبيل الرحمة كهبة العيد، ومرة بأن يستثير شفقة الشعب بجلده دون صلبه.  لكن كل محاولاته فشلت، وكان محتَّمًا عليه اتخاذ القرار وتحمّل تبعاته، إما أن يأمر بصلبه، وعليه حينئذ أن يواجه صرخات ضميره، أو أن يطلقه ويخسر رضا الشعب عليه، الأمر الذي قد يطيح به من منصبه.

لقد فكَّر بيلاطس كثيرًا واحتار قبل أن يقرر ويختار، وضميره أعلمه جيدًا ما هو الخطأ وما هو الصواب؟

ليست العبرة
 بأن نفكر كثيرًا قبل أن نختار، لكن المهم هو الأساس الذي عليه نختار؟

لذا أقول ليست العبرة بأن نفكر كثيرًا قبل أن نختار، لكن المهم هو الأساس الذي عليه نختار؟  أو الغاية من وراء الاختيار: هل هو إرضاء الله أم إرضاء الناس؟

لقد كانت مأساة بيلاطس تكمن في أن الأساس الذي بنى عليه القرار هو إرضاء الناس، كما يقول عنه الكتاب إنه أراد أن يعمل للجمع ما يرضيهم!

ولم تكن المشكلة عند بيلاطس هي غياب الضمير الذي يرشده للصواب، لكن كانت المشكلة هي محاولاته إسكات صوته، بل والظن الغبي أن قليل من الماء قد يهدئ من روع الضمير الهائج.

أحبائي ألسنا في كثير من الأحيان، حتى في الأمور الروحية، نفعل ما لسنا به مقتنعين، لمجرد إرضاء الناس؟  دعونا نتذكر ان إرضاء الناس يجعلنا كما قال بولس: لسنا عبيدًا للمسيح، بل ويوقفنا، كما فعل بيلاطس، في صف قتلة المسيح!!

ألسنا كثيرًا ما نلوم بيلاطس لأنه لم يستمع لصوت ضميره؟  بينما ضمائرنا تشهد ضدنا كل يوم أننا لا نسمع لها؟

أ لم نَلُم بيلاطس، بل وسخرنا منه، بدل المرة عشرات، لأنه ظن أن قليلاً من الماء يغسل به يديه أمام الجمع سيجعله بارًا أمام ضميره؟  ألسنا نفعل هذا عندما لا نتوب عن شيء يوبِّخنا عليه ضميرنا ونكتفي بأن نحضر اجتماعًا أو نكسر خبزًا أو ندفع مالاً أو نشترك في خدمة أو نستضيف خادمًا؟!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com