عدد رقم 1 لسنة 2008
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الفضيلة الواحدة  

عندما شرَّف المسيح هذه الأرض، وجاء ابن الله إلى الدنيا في ملء الزمان، قال عنه سمعان البار، بروح النبوة: «إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل... لتُعلَن أفكار من قلوب كثيرة» (لو2: 34، 35).  بمعنى أن هذا الصبي سيكشف حقيقة القلوب في أشخاص كثيرين.  وهو ما حدث بالفعل طوال حياة المسيح، وبصفة خاصة في مشاهد الصليب.  ونحن نعلم كم تعرَّى القلب البشري تمامًا في الصليب، وظهرت بشاعة الإنسان هناك!  وكأن الله قصد، قبل أن يقوم المسيح بتقديم الدواء والشفاء للقلب، بموته وسفك دماه، أن يُظهر مدى بُعد الإنسان عن الله وبشاعة قلبه.

تعدَّدت الأسباب التي قادت البشر إلى رفض المسيح واحتقاره وصلبه، لكني أريد - بنعمة الرب - أن أمسك الخيط من طرفه الآخر؛ فأتحدَّث لا عن الخطايا المتنوعة التي أدت إلى صلب المسيح، بل عن الفضيلة الواحدة، التي حفظت قلوب الأتقياء متمسِّكة بشخصه.  هذه الفضيلة الواحدة، والتي تُلخِّص كل صلاح يمكن أن يكون في قلب المؤمن، هي فضيلة الحب للمسيح، وتقدير المؤمن لشخصه.

احتفال بيت عنيا

وهناك مشهد هام ارتبط بصلب المسيح، أعني به ما حدث في العشاء الذي عُمل في بيت عنيا، في بيت سمعان الأبرص، قبل الفصح بستة أيام.  وفي هذا العشاء ظهرت حقيقة القلوب في كثيرين.

لقد لمعت في هذا الاحتفال، بصورة خاصة، التلميذة مريم أخت مرثا ولعازر، عندما أخذت منًا من طيب ناردين خالص كثير الثمن، وسكبته على رأس يسوع وعلى رجليه.  ومسحت قدميه بشعر رأسها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب!

بينما كانت مريم تفكِّر فيما يمكن أن تقدّمه للرب لإكرامه في هذا الظرف العصيب، كان يهوذا مشغولاً بما يمكن أن يستفيده من تبعيته للرب.  فحقًا ما أبعد فكر الواحد وتوجّهه عن الآخر!

وبقدر ما كان المسيح عزيزًا جدًا فوق كل اعتبار بالنسبة لمريم، فإنه كان على العكس من ذلك تمامًا بالنسبة ليهوذا سمعان الإسخريوطي.  وبينما كانت مريم تفكِّر فيما يمكن أن تقدّمه للرب لإكرامه في هذا الظرف العصيب، كان يهوذا مشغولاً بما يمكن أن يستفيده من تبعيته للرب.  فحقًا ما أبعد فكر الواحد وتوجّهه عن الآخر! 

وأما بالنسبة لباقي التلاميذ الذين كانوا حاضرين في الوليمة، فهم بكل يقين لم يكونوا مشاركين يهوذا في شرِّه، لكنهم أيضًا - بالأسف - لم يكونوا مشاركين مريم في تقديرها الواعي لشخص المسيح وعمله.  وكم هو مؤسف، لكنه متكرِّر، أن مجموعة من أفاضل البشر ممكن أن ينساقوا وراء شخص واحد شرير!

والرسول بولس في 1كورنثوس 2: 14 - 3: 1 قسَّم البشر إلى ثلاث فئات: فهناك الشخص الروحي، الذي يميِّز سلوكه قيادة الروح القدس وإرشاده له.  ثم المؤمن الجسدي، عندما تحرّكه طبيعته البشرية، ولا يسمح للروح القدس أن يقود زمام حياته.  ثم الإنسان الطبيعي غير المولود من الله، وبالتالي لا يعرف شيئًا عن الروح القدس أصلاً.  وفي ضوء ما سبق يمكن القول إن تصرف مريم كان تصرفًا روحيًا، وتصرف التلاميذ كان تصرفًا جسديًا، وأما تصرف يهوذا فكان تصرف إنسان طبيعي، لا علاقة حقيقية له بالمسيح، والإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، لأن هذه الأمور في نظره جهالة ولا قيمة لها.

مريم وتكريسها

يطيب لنا الآن أن نتأمل في تصرف مريم الروحي، تلك التلميذة المتفوقة في مدرسة النعمة.  ما الذي أنار ذهنها لتعمل ما عملت؟  أ لعلها كانت أكثر ذكاءً من باقي التلاميذ؟  لا نعتقد، ولكن نعتقد أنها كانت أكثر حبًّا وولاءً وتكريسًا للمسيح.  كانت تتحلى بالعين البسيطة التي لا ترى سوى الحبيب، تلك العين التي قال عنها العريس لمحبوبته في سفر النشيد: «عيناك حمامتان» (نش1: 15؛ 4: 1). 

وحقًا أن المحبة للمسيح هي الطريق للفهم الصحيح، وسبيل الذكاء الروحي (في1: 9).

ومن الأصحاحات الأخيرة في الأناجيل، نفهم أن يسوع اعتاد في أسبوعه الأخير، الذي يسمَّى أسبوع الآلام، أن يذهب من أورشليم إلى بيت عنيا ليقضي الليل هناك، ويعود في الصباح ليواصل تعليمه في الهيكل في أورشليم (يو12: 1؛ مت21:  17؛ مر11:  11، 12، 19، 20، 27).  وسرّ ذلك أن الرب كان يجد في تلك البلدة الصغيرة محبة كبيرة لشخصه.  وكم كانت هذه المشاعر غالية بالنسبة له!  وفي تلك اللحظات التي استطاعت الكراهية تجاهه أن تغزو كل القلوب، والتي تآمر فيها القَاتلون للتخلّص من المسيح، في ذات المدينة التي كان يجب أن تتوّجه ملكًا عليها، كم كانت نفس المُخلِّص الحساسة تشعر بالألم، وهو يحس ويعلم بكل ما يدور حوله!  لكن في الوقت نفسه كانت محبة خاصته في بيت عنيا لها تأثير هائل على قلبه الإنساني الكامل، الذي لم يتوقف لحظة عن الحب والعطاء!

وفي بيت سمعان صُنع عشاءً للرب يسوع.  وكانت مرثا تخدم؛ وكان لعازر أحد المتكئين معه؛ وهناك أحضرت مريم، أخت مرثا، قارورة مملوءة بطيب كثير الثمن، وسكبته على رأس يسوع وعلى قدميه هو متكئ. 

يا لها من مباينة تقدِّمها هذه الحادثة عما كان يجري في أورشليم عند قيافا، حيث كانوا يواصلون الترتيبات اللازمة لقتل الشخص الذي كان يُقدَّم له - في بيت سمعان - المحبة والاحترام العظيمين، من أشخاص سبق هو وتعامل معهم بالنعمة والمحبة!

قارورة الطيب كثير الثمن

وبين هذه النخبة الخاصة، نجد قلب مريم المشتعل بمحبة له لا نظير لها في هذه اللحظة، محبة قادتها للقيام بعمل تخطَّى مغزاه ذكاءَها، لكن الرب وحده فهمه واستطاع أن يقدِّره.  التلاميذ أنفسهم، الغرباء عن الدوافع التي حرَّكتها، لم يفهموا ما قاد مريم لسكب الطيب الكثير الثمن على معلِّمهم. 

كان الطيب الذي سكبته مريم ”كثير الثمن“.  فهكذا شهد الوحي في كل المناسبات التي وردت عنه (مت26:  7؛ مر14:  3؛ يو12:  3).  ولقد قدَّره الخائن يهوذا وآخرون بثلاثمئة دينار أو أكثر (مر14:  5؛ يو12:  5).  ولكن ليس بهذا المبلغ كانت مريم تقدِّر المسيح، فهو بالنسبة لها كان أغلى من كل كنوز الأرض، ولكنها - بلغة المسيح - هي فقط ”عملت ما عندها“ (مر14: 8).

مساكين التلاميذ!  بالنسبة لهم، كان هذا الإكرام المُقَدَّم للرب إتلافًا، وكان تضحية غير مجدية!  وفي نظرهم كان للفقراء في هذه اللحظات أهمية أكثر من يسوع! 

وإذ فات التلاميذ المدلول العميق لما فعلته مريم، فإنهم لم يقدِّروا عملها، وقالوا: «لماذا هذا الإتلاف؟  لأنه كان يمكن أن يُباع هذا الطيب بكثير ويُعطى للفقراء».  مساكين التلاميذ!  كم كانوا بعيدين عن الشركة التي كانت بين الرب يسوع والتلميذة المباركة مريم.  بالنسبة لهم، كان هذا الإكرام المُقَدَّم للرب إتلافًا، وكان تضحية غير مجدية!  وفي نظرهم كان للفقراء في هذه اللحظات أهمية أكثر من يسوع! 

لا بد أن هذه النظرة القاصرة أنشأت جرحًا في قلب يسوع، كما في قلب مريم.  ولذلك فإنه هو - المعلم الصالح - بادر بتصحيح الوضع عندما قال: «لماذا تزعجون المرأة، فإنها عملت بي عملاً حسنًا.  لأن الفقراء معكم في كل حين.  وأما أنا فلست معكم في كل حين.  فإنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدي، إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني». 

إن كراهية اليهود للرب يسوع، التي كانت تتزايد كل ساعة، أشعلت محبة مريم نحو سيدها.  والاحتقار الذي لحق بالرب، والذي كان يُسرِع ليبلغ أقصى مداه، ألزمها بالأكثر للتعبير له عن الاحترام الذي تحمله له، فسكبت الطيب على رأسه.  علمت مريم أن من سيُقتَل هو ملكها، وأن اليهود سيتوِّجون رأسه بالشوك، فأسرعت هي ودهنت بالطيب هذا الرأس الملكي!

العمل الصحيح في التوقيت الصحيح

لقد عملت مريم العمل الصحيح في الوقت الصحيح.  كان يمكنها أن تقدِّم له قاروة الطيب دون أن تكسرها وتسكبها على جسده القدوس، ولكن لم يكن هذا ليُكرِم المسيح كما حدث هنا؛ ثم إنها كان يمكنها أن تفعل هذا في وقت أسبق، ولكنها ذخرت قارورة الطيب حتى حان وقت موته، واعتبر المسيح أن ما عملته كان لتكفين جسده.  ويا للشرف الذي نالته هي وحدها!

طوباك يا مريم!  عملك كان فريدًا من نوعه في تاريخ حياة الرب هنا على الأرض، سواء من ناحية اللحظة التي عُمل فيها، أو المحبة التي وَلَّدته.  وفي اعتزاز الرب به وتقديره له قال: «الحق أقول لكم حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبَر بما فعلته هذه تذكارًا لها».  لقد قرَّر الرب أن الفعل الذي عبَّر عن الإعزاز بشخصه والتقدير لنعمته، يجب أن يتم الحديث عنه في كل العالم.  لقد كان عمل مريم مرتبطًا بموت المسيح، الذي هو أساس الإنجيل المُبَشَّر به في كل العالم، ولهذا فقد سُرَّ الرب أنه عندما يعلن ما فعل هو لفداء البشر، أن يعلن أيضًا ما فعلته مريم لإكرام من أحبها ومات لأجلها.

طوباك يا مريم!  لقد كان المسيح كل شيء بالنسبة لك. وكم أتمنى أن أكون أنا كذلك، وكم أتمنى ذلك أيضًا للقارئ العزيز!

لقد تدخلت عواطف هذه المرأة التقية على نحو غريزي وسط العداوة المتزايدة ضد الشخص الذي أحبته.  قال رجل الله داربي: ”إن المرأة التي مسحته لم تكن تعلم بالظروف الموشكة على الحدوث، ولا كانت نبية.  لكن اقتراب ساعة الظلمة استشعره قلب تلك السيدة الذي كان مثبتًا على يسوع“.  ولعلنا نلاحظ أنه لم يطرأ أبدًا على بال مريم فكرة جذب مديح من الناس أو تجنب لاحتقارهم.  وهي بالطبع كانت تهتم بالفقراء مثل التلاميذ، لكن الرب كان لها ليس فقط أغلى من كل شخص في الوجود، سواء كان فقيرًا أم غنيًا، بل هو كل الوجود ذاته بالنسبة لها. 

لم يكن في مريم في هذا الموقف شيء من الذات، بل الكل كان من المسيح وللمسيح!

وبهذه المناسبة أقول إننا اليوم أيضًا، لدينا فرصة مشابهة أن نشهد بمحبتنا للرب، فنحن أيضًا نعيش في عالم يتزايد فيه كل يوم الكراهية والاحتقار لشخصه الكريم.  وكما أكرمت مريم سيدها بينما سُحب العداوة والبغضاء تتزايد من حوله، هكذا نحن اليوم يمكننا أن نكرمه بينما هو ما زال محتَقَرًا ومخذولاً من الناس؛ فعن قريب جدًا، سيأتي يوم النصر المرتقب وستجثو باسمه قسرًا كل الركب، وستضيع علينا الفرصة الذهبية الحالية لإنعاش قلبه وسط هذا العالم الجاحد.

وكما أكرمت مريم سيدها بينما سُحب العداوة والبغضاء تتزايد من حوله، هكذا نحن اليوم يمكننا أن نكرمه بينما هو ما زال محتَقَرًا ومخذولاً من الناس

منابع العمل الصحيح

إن محبة مريم للرب لم تكن نبتًا عشوائيًا ظهر بدون مقدمات، بل كان لها أصول وجذور.  ومن الجميل أن نلاحظ أننا لا نجد كلامًا كثيرًا في كلمة الله عن مريم هذه، فهي لا تُذكر إلا في ثلاث مناسبات فقط: في لوقا 10، حيث نقرأ أنها كانت جالسة عند قدمي يسوع تسمع كلامه، ثم في يوحنا 11 حيث نقرأ أنها خَرَّت عند قدمي يسوع لتتلقى منه التعزية في موت أخيها، وأخيرًا المشهد الذي ذكرناه الآن، حيث نجدها ساجدة عند قدمي يسوع لتدهن قدميه بالطيب وتمسحهما بشعر رأسها.  من هذا فنحن نرى أنها كانت دائمًا عند قدمي الرب يسوع!

في زيارة الرب الأولى لبيت عنيا، عندما قبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها، كانت مرثا مرتبكة في خدمة كثيرة للمسيح، وكانت مريم جالسة عند قدمي يسوع لتسمع كلامه.  ولقد قيل: إن مرثا ميَّزت في المسيح إنسانًا عظيمًا، وخادمًا تاعبًا، يستحق الإكرام؛ فارتبكت في خدمة كثيرة له؛ وأما مريم فإنها بفطنتها الروحية ميَّزت أنه الكلمة الذي صار جسدًا وحلَّ بيننا، وبالتالي فقد ميَّزت ملئه.  ولهذا فإنها جلست تستمع إلى كلامه، ونالت من ملئه ”نعمة فوق نعمة“. 

ليس أن مريم لم تخدم أبدًا، بل على العكس هي عملت العمل الحسن الذي لم يعمله سواها، وعملته في وقته.  وهي إن كانت استطاعت أن تعمل العمل الحسن، فذلك جاء بناء على أنها اختارت في مرة أسبق النصيب الصالح. 

ومع أن المسيح حقًا يستحق كل خدماتنا، ولكننا من كلمة الله نتعلم أن شوق قلبه الأعظم، بل غرض مجيئه إلى هذه الأرض، ليس أن نخدمه نحن - وهذا بكل يقين حق وحسن في وقته - بل أن يمتعنا بجوده ويغمرنا بفيض غناه.

ونحن لا يمكننا أن نحب المسيح قبل أن يحبنا هو أولاً (1يو4: 19). ومظهر محبته لنا تحدَّث عنه موسى رجل الله إذ قال: «أحب الشعب.  جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك» (تث33: 3).  وهو ما تمتعت به مريم في زيارة الرب الأولى لبيت عنيا.

الحاجة إلى شيء واحد

في هذه الزيارة الأولى للرب، عندما جلست مريم عند قدمي يسوع بينما كانت مرثا مرتبكة في خدمة كثيرة، فقد تذمرت مرثا على الرب وعلى أختها.  لكن الرب قال لها: «مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد.  فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها» (لو10: 41، 42).  وعندما يقول الرب الحاجة إلى واحد، فهو يقصد (كما يُفيد الأصل اليوناني) لا شخصًا واحدًا، بل شيئًا واحدًا.  والمقصود به هنا هو الجلوس عند قدمي الرب.  ولاحظ أن مريم لم تختَر النصيب الأفضل، بل النصيب الصالح.  فليس أن مرثا اختارت شيئًا حسنًا ومريم اختارت شيئًا أفضل، لم يقُل المسيح هذا، بل قال إن مريم اختارت النصيب الصالح.

وحقًا إنه حسن أن نخدم الرب (كما فعلت مرثا)، ولكن أن نُقدِّر شخصه وأن نحب الوجود في محضره، لَهوَ أهم عند الرب حتى من خدمته.  فليست الخدمة لشخصه هي أسمى شيء، بل أن نشبع به، وأن نمتلئ إعجابًا بشخصه وتقديرًا له.

قد نقضي من الصباح وحتى المساء في العمل لأجله وخدمته، ونهمل هذا الشيء الواحد: أن نجلس في هدوء في محضره الكريم لكي نسمع كلامه ونتعلم منه.

هذا هو الشيء الواحد الذي كان يعوز مرثا.  وكان الشيء الواحد الذي تحتاجه مرثا، والذي هو الجلوس عند قدمي الرب يسوع، هو ما اختارته مريم.

عزيزي: قد نقضي من الصباح وحتى المساء في العمل لأجله وخدمته، ونهمل هذا الشيء الواحد: أن نجلس في هدوء في محضره الكريم لكي نسمع كلامه ونتعلم منه.

والفكر نفسه نجده في العهد القديم.  فهناك شيء واحد طلبه داود من الرب في المزمور عبَّر عنه بالقول: «واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب، وأتفرس في هيكله» (مز27: 4).

ما أجمل العين الواحدة والرغبة الشديدة للرب!  فداود كان عنده طلبة وحيدة مُلحة محددة ممتدة إلى كل الأيام.  فشهوة قلبه الوحيدة (واحدة سألت)، والمُلحة (إياها ألتمس)، والمستمرة (كل أيام حياتي)، أن يكون قريبًا من الرب وأن يتمتع به.  إنها طلبة تعبِّر عن تقدير داود الحقيقي للرب.

وهذه الطلبة تعبِّر عن مشاعر الأتقياء وحنينهم إلى الرب وإلى مقادسه.  لم يكن بيت الرب (الهيكل) قد بُني بعد في أيام داود، حيث إنه بني بواسطة سليمان ابنه.  ثم إنه ولا الكهنة أنفسهم كان لهم أن يسكنوا في بيت الرب كل أيام حياتهم، إلى مدى الأيام.  وعليه فإن هذه الطبة كان من المستحيل أن تتم حرفيًا.  ولكن ما عبَّرت عنه هذه الآية هو حالة قلب المرنم.

وما طلبه داود والتمسه، اختارته مريم ونالته.

عزيزي القارئ: دعني أسألك في الختام: ماذا أنت طالب؟  ألعلنا نشارك داود في طلبه، ونشارك مريم في تكريسها؟

نحن نعلم أنه لا يمكن أن تتم طلبة كهذه الآن، لكنها ستتحقق على الوجه الكامل عن قريب، فما قيمة طلبها إذًا؟  إن طلبها يدل على أشواق القلب.  فحيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا (مت6: 21).  فهل لنا مثل هذه الأشواق؟

إن من له مثل هذا التوجُّه، ليس فقط سيُسِر قلب الرب، بل إنه سيعيش السماء من الآن!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com