عدد رقم 5 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الريمونتادا الروحية  

    انتشرت هذه الأيام في الأوساط الرياضية كلمة (الريمونتادا)، فمع أي هزيمة كروية يتحدث الجمهور عن إمكانية العودة مجددًا وتحقيق الانتصار، ومن خلال هذه الكلمة سنتناول بعض الأفكار مثل:

1-  معنى الريمونتادا.

2-  الريمونتادا في كرة القدم.

3-  أمثلة ودروس روحية.

أولاً: معنى الريمونتادا:

   الريمونتادا مصطلح يعني التعافي والعودة من جديد وبقوة بعد الهزيمة، وهي كلمة قديمة كانت منتشرة في إسبانيا، وكانت تستخدم بشكل كبير ما بين القرن ١٦ - ١٩ الميلادي، أيام الحروب والمعارك الأهلية وثورات الاستقلال، فى محاولة من بعض الأقاليم الأسبانية للانفصال عن الحكم الملكي الأسباني، وقد أعادتها للتداول مجددًا فرق كرة القدم.

 

ثانيًا: الريمونتادا في كرة القدم:

كان مصطلح الريمونتادا في عالم كرة القدم يُستخدم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي ثم اختفى، وعاد للانتشار مجددًا. وآخر ريمونتادا كانت في مايو 2019 في نصف نهائي البطولة الأوربية الكبرى. ففي 1 مايو 2019 فاز فريق برشلونة على ليفربول الإنجليزى بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، وإذا بفريق ليفربول الإنجليزى في 7 مايو 2019 في مباراة العودة يصنع الريمونتادا بالفوز على فريق برشلونة بنتيجة أربعة أهداف مقابل لا شيء، متجاوزًا كبوته وإخفاقه في المباراة الأولى، ومن تلك المواقف لنا دروس روحية مفيدة.

 

ثالثًا: أمثلة ودروس روحية:

       ينقسم البشر إلى فريقين لا ثالث لهما، الفريق الأول هو فريق المؤمنين المخَلَصين الذين قبلوا المسيح ربًا ومخلصًا شخصيًا لحياتهم، والفريق الثاني هو فريق الأشرار الهالكين الرافضين لشخص المسيح.

       إن فريق المؤمنين الحقيقيين كما نفهم من كلمة الله، غير معصومين بعد الإيمان من السقوط في الخطية.  "إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (1يو1: 8). فهم معرضون للسقوط في الخطية بسبب وجود الطبيعة القديمة الساقطة فيهم، مع ملاحظة أن ذلك ليس تصريحًا لفعل الخطية، ففعل الخطية ليس هو الوضع الطبيعى للمؤمن بل الاستثناء "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا..." (غل6: 1). فالمؤمن قد يسقط وهذا  استثناء وليس قاعدة، ولنا فى كلمة الله أمثلة لأبطال سقطوا، لكنهم عادوا وتعافوا من سقطتهم مثل:

·        داود:

يدون لنا الكتاب في صموئيل الثاني الأصحاح الحادي عشر سقطة الملك داود المزدوجة، فقد زنى مع بثشبع زوجة أوريا الحثى، وقتل زوجها في الحرب بمؤامرة دنيئة. إنها سقطة لأحد عمالقة الإيمان في العهد القديم، وهو داود صاحب الاختبارات العظيمة، والمزامير الرائعة. وسقطة داود هذه تقول إنه لا توجد مرحلة عمرية يكون فيها الإنسان معصومًا من السقوط، حقًا يقول الكتاب عن الخطية: «لأنها طرحت كثيرين جرحَى، وكلُّ قتلاها أقوياء» (أم 26:7). لذلك يقول الكتاب صريحًا: “إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ” (1كورنثوس 12:10). ودائمًا السقوط له أسباب، وأسباب سقوط داود كثيرة نذكر منها:

1-    نسيان داود لمقامه ومكانه: فهو كملك يجب أن يكون على رأس الجيش، ومكانه في أرض المعركة، لكنه ظل في القصر في وقت الحرب.

2-    نسيان داود لوصايا الرب وشريعته: فيجب أن يصنع للبيت سورًا «إِذَا بَنَيْتَ بَيْتاً جَدِيداً فَاعْمَل حَائِطاً لِسَطْحِكَ لِئَلا تَجْلِبَ دَماً عَلى بَيْتِكَ إِذَا سَقَطَ عَنْهُ سَاقِطٌ" (تث22: 8). فلم يكن للبيت سورٌ، ولم تكن لعيني داود ومشاعره سورٌ، بل ترك العنان لشهواته، فسقط في خطية الزنا والقتل وكان سقوطه عظيمًا!

لكن ما أجمل العودة ( الريمونتادا)!، برغم السقوط  الشنيع، تميز داود بالاعتراف بالخطأ والتوبة الصادقة عندما جاءه ناثان النبي وكشف حالته أمام عينيه: "فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ. فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ" (2صموئيل 13:12). لقد كانت خطايا داود تستوجب الموت، لكن الرب نقل عن داود خطيته إلى أن توضع على المسيح كالبديل الذي سدد أجرتها على الصليب، فبعد انصراف ناثان النبي رفع داود صلاته إلى الرب، قائلاً: "اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا. إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ......... " (مز1:51-4)، فقد عاد وقام من كبوته، فما أجمل العودة ( الريمونتادا)!

·        بطرس:

من دراستنا لشخصية بطرس، نعرف أن السقوط لم يحدث فجأة، بل كان هناك أسباب عديدة أدت إلى سقوطه، وإنكار سيده:

1)    فقد كان بطرس يثق في نفسه، قائلاً: "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَداً"  (مت26: 33).

2)    اشتهر بطرس بالنوم، نام في البستان (لو22: 45).

3)    كان بطرس مندفعًا في كلامه وافعاله.

4)    لم يكن بطرس  مصليًا.

5)    كما أنه تبع الرب يسوع من بعيد (مر14: 54).

6)    كانت جلسته مع أعداء المسيح (لو22: 55).

7)    أخيرًا الإنكار الصريح للمسيح، لا مرة، بل مرات.

لكن حينما نظر الرب لبطرس، وكان كافِيًا أن يلتفت الرب له ليتذكَّرتحذير الرب السابق له (لو 22: 61)، "فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا" (مت 26: 75؛ لو 22: 62). فبقدر ما كانت خطيته عظيمة، كانت توبته مرة، لكن المسيح بعد القيامة خص بطرس بزيارة خاصة له، وزيارة أخرى على بحيرة طبرية فأعاده وعافاه ورد نفسه وصار بعد يوم الخمسين، شاهدًا عظيمًا للمسيح، فما أجمل العودة ( الريمونتادا)!

عزيزي القارئ:

قد نسقط ونزل، بسبب ضعفنا وعدم سهرنا، ولكن ليس هذا هو نهاية المطاف. فلنا عودة للرب ( ريمونتادا) ، عندما نأتي إليه بتوبة صادقة "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (1يوحنا 9:1)،  والكتاب يؤكد أن "دم يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1يوحنا 7:1  ). فهيا انهض وليكن لسان حالك: "لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي. إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ...(ميخا7: 8).

 

                                                                      أفرايم رسمي 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com