عدد رقم 5 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الاجتماع السماوي  

(يو1: 35-42)

في يوحنا 1: 35-42 نقرأ عن اجتماع صغير حول الرب، نرى فيه صورة لاجتماع الكنيسة حول الرب في الوقت الحاضر، باعتباره مركز العائلة السماوية.

أولاً: الشهادة: لقد أتت الإشارة إلى هذا الاجتماع بعد الإشارة إلى «حَمَل اللَّهِ» (ع36)، كالشخص الفريد الذي ”قُدِّمَ لِلرِّضَا أَمَامَ الرَّبِّ“ (لا1: 3)  وبلغة تكوين 22: 8، 13 «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ ... وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ».

لكننا نلاحظ أن يوحنا المعمدان، بالأمس، كان قد تحدَّث عن شخص الرب، وعن عمله، قائلاً: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ (شخصه) الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ (عمله)» (ع29).  لكنه ها هو اليوم  يكتفي بجذب الانتباه إلى شخص الرب فقط، فقال: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ!» (ع36).  فهو لم يُشر هنا إلى عمل الرب، وما أعجبه!  بل أشار فقط إلى شخصه، وما أمجده!  ومن المؤكد أن التلميذين اللذين سمعا شهادة المعمدان، قد ملأهما الإحساس بصدق مُعلِّمهما وإنكاره لذاته، الأمر الذي كان من نتيجته أن اجتمع التلميذان معًا حول الرب يسوع (ع39)، كصورة رمزية لاثنين أو ثلاثة مجتمعين معًا إلى اسمه (مت18: 20).  وبمعنى آخر أن الخطية كانت هي الحاجز الذي كان يمنع ويحول دون جريان ينابيع الشركة مع الله والإنسان.

ثانيًا: الاستماع: «فَسَمِعَهُ التِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ» (ع37):  ومرحلة السمع والانتباه في غاية الأهمية، ويتوقف عليها بركة الشخص «اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ.  أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ.  اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ» (إش55: 2، 3)، «إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاِسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ» (يع1: 19).  وكثيرًا ما يتحدث الرب إلينا من خلال أعمال العناية الإلهية، وسير الظروف الخارجية كعلامة لصوته، لكنه في أغلب الأحيان يأتينا ”صَوْتُهُ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ“ (1مل19: 12)، في هدوء وسكينة ويقينية الشركة معه (إش30: 15).

ثالثًا: الاتِّباع: «فَتَبِعَا يَسُوعَ» (ع37): وهنا تأتي مرحلة اتِّباع السَيِّد.  ومن السهل أن يقول واحد هذه العبارة: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» (لو9: 57)، ولكن الرب لم يُخْفِ ما يتضمنه اتباعه (لو9: 23).  أما ثمن التبعية للرب، ومعطلات هذه التبعية، فهذا ما يكشفه الرب لنا في حديثه مع التلاميذ الثلاثة الذين كلَّمهم في لوقا 9: 57-63.  والعقبات العُظمى ليست في صعوبة الطريق، بل هي في قلوبنا: (1) المُعطِل الأول: محبة الراحة (لو9: 58؛ 1صم23: 18).  (2) المعطل الثاني: عدم ترتيب الأولويات (لو9: 59، 60؛ مت6: 33).  (3) المعطل الثالث: الروابط الطبيعية (لو9: 61).  لكن الرب يسوع قال: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ».

رابعًا: تجاوب الرب: «فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: مَاذَا تَطْلُبَانِ؟» (ع38).  إن الرب يتجاوب مع الذين يطلبونه، وليس مع الذين يطلبون منه طلبات زمنية فقط، حتى وإن كانت ضرورية.  فالمستوى هنا أرفع بكثر؛ إنهم يطلبونه هو شخصيًا «طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجُّونَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ» (مرا3: 25)، «لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ» (عب11: 6)، «الرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ» (مز145: 18).

ومع سبق علم الرب باعتباره العليم بكل شيء، ولذلك «عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ» (يو2: 5)، لكنه أراد أن يسمع صوتهما الحلو الرقيق المُنعِش لقلبه الحاني، وأن يُفصحا عن رغبتهما «فَقَالَ لَهُمَا: مَاذَا تَطْلُبَانِ؟» (ع38).  وما زال يسألك ويسألني ذلك السؤال الفاحص الخطير: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟».  ومرة سأل أعمى جالسًا على الطريق يستعطي، وقال له: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟»، فكان الجواب الذي انتظره الرب: «يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ!» (لو18: 41).  ويقول يعقوب: «تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ» (يع4: 3).  وما زال صوت الرب الحنون يرن قائلاً: «إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي.  اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يو16: 24).

خامسًا: تجاوِب التلميذين: تجاوَب التلميذان قائلين: «رَبِّي، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ؟» (ع38).  لاحظ أنهما قالا للرب: «رَبِّي (رَبُّونِي)، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ»، مثلما قالت مريم المجدلية للرب: «رَبُّونِي!  الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ» (يو20: 16)، بعدما أظهرت محبة صادقة للسّيِّد، فاقت محبة التلاميذ أنفسهم، حتى وإن كانت محبة ”لَيْسَت حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ“، حيث لم يكن المفروض ذهابها إلى القبر أساسًا.

ولكن هذان التلميذان، بعد إعلان الرب لهما باعتباره ”حَمَلُ اللَّهِ“، وتلك المرأة بعد أن دعاها الرب شخصيًا باسمها: «يَا مَرْيَمُ» (يو20: 16)، كمن «يَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ» (يو10: 3)، كانوا – التلميذان والمجدلية – يحتاجون الرب في صفته كالمُعلِّم.

لكن الرائع أنهما سألاه: «أَيْنَ تَمْكُثُ؟» (ع38).  لقد كان مستواهما أعلى روحيًا من تلميذي عمواس اللذين قالا للرب: «امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ».  وما أروع الرب إذ «دَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا»، ليُكمِل رد نفسيهما (لو24: 29).  وبمعنى آخر كانت طلبة التلميذين في لوقا 24 تدور حول ذاتهما وظروفهما وآلامهما وحزنهما واحتياجاتهما ... إلخ.  وكانا يحتاجان الرب طبعًا في هذه الحالة.  وهذه كثيرًا ما تكون حالتنا وطلبتنا في اجتماعاتنا: ”عزينا يا رب ... فرحنا ... باركنا ... تَدَّخل في مشاكلنا ... إلخ.“  ولكن طلب التلميذين في يوحنا 1 يرتفع إلى مستوى راحة السَيِّد نفسه، وشبع قلبه وإنعاشه «يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ؟» ... أين تستريح؟ ... «أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ» (نش1: 7).  وهذه هي الشركة الحقيقية مع الآب ومع ابنه (1يو1: 1-4).  وهذا هو الفرح الكامل.  إن الصلاة مع كونها هامة وضرورية، لكنها في النهاية تختص بنا، لكن الشركة (السجود) شيء يُخرجنا تمامًا عن ذواتنا، إلى دائرة علاقة الابن والآب (مت11: 27).

وللحديث بقية ... إن شاء الرب وعشنا


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com