عدد رقم 4 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كهنوت المسيح  

تحدث الكتاب المقدس - بعهديه القديم والجديد – عن كهنوت المسيح.  وكان حديث موسي بطريقة رمزية.  بينما تحدث عنه داود بطريقة نبوية (مز110: 4).  أما في العهد الجديد فتحدث عنه الرسول بولس، في الرسالة إلى العبرانيين بطريقة فعلية.

وكلمة ”كهنوت“ مُشتقة من نفس كلمة ”كاهن“، وهى تدل في معناها العبري على الاقتراب إلى الله على أساس الذبيحة المقبولة أمامه.  كما أنها تدل على الإنباء بأقوال الله للآخرين.  ومن هنا نستطيع أن نقول إن كل شخص كان يقدم ذبيحة عن نفسه، أو عن عائلته، مثل هابيل ونوح وإبراهيم وأيوب، أو رؤساء العائلات عندما قدموا خروف الفصح (خر12)؛ جميعهم مارسوا الكهنوت، ولكن بمسميات مختلفة منها:

(1)     كهنوت الآباء.

(2)    كهنوت رؤساء العائلات.

(3)    الكهنوت القومي لكل الشعب (خر24: 4-8).

إلى أن نصل إلى الكهنوت الهاروني، الذي لم يكن إلا رمزًا مؤقتًا للحقيقة؛ كهنوت الرب يسوع.

وفي الرسالة إلى العبرانيين، يتحدث الرسول بولس عن أسمى وأرقى أنواع الكهنوت؛ أي كهنوت المسيح، وأشار في حديثه إلى عدة أمور:  

أولاً: تحدث عن كهنوت المسيح في عبرانيين 2: 17-10: 21  حديث تفصيلي، أوضح فيه عدة أمور هامة:

(1)    الشروط الواجب توافرها في رئيس الكهنة.

(2)    الخدمة التي يقوم بها رئيس الكهنة.

(3)    مفارقات بين هارون رئيس الكهنة وبين الرب يسوع رئيس الكهنة الأعظم.

ثانيًا: تحدث في الأصحاح السابع عن كهنوت ملكي صادق الذى هو أسبق من الكهنوت الهاروني، حيث يُذكر الأول في تكوين 14، وأشار إلى أن ملكي صادق ملك ساليم مُشبَّه بابن الله.  وأشار أيضًا إلى أن كهنوت المسيح ليس على رتبة هارون، بل على رتبة ملكي صادق (أي ملك وكاهن في نفس الوقت).

وسنتوقف عند الحديث عن كهنوت المسيح بالمفارقة بينه وبين الكهنوت الهاروني، وعن خدمة المسيح كرئيس الكهنة بالمفارقة بينه وبين خدمة هرون كرئيس الكهنة.

أولاً: عن ما هي الشروط التي يجب توافرها في رئيس الكهنة بحسب ما جاء في عبرانيين 5:

(1)     أن يكون مأخوذًا من الناس؛ أي إنسان (عب5: 1).  فلم يكن مُمكنًا أن يكون واحدًا من الملائكة أو رئيس ملائكة.

(2)    أن يكون له اختبارات، حتى يكون قادرًا أن يترفق بالجهال والضالين (عب5: 2).

(3)      أن لا يأخذ هذه الوظيفة بنفسه، بل يكون مدعو من الله (عب5: 4).

هذه الشروط توفرت في هارون في يومه، لكن المسيح أعظم من هرون وذلك لأنه:

1-     ليس إنسانًا فقط، بل هو الخالي تمامًا من الخطية، وهو القدوس الذى بلا شر ولا دنس، وفى نفس الوقت هو الله.

2-     اختباراته أعظم من هارون بما لا يقاس «مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ» (عب4: 15).  وفي عبرانيين 5: 7، 8 يُشير الرسول بولس إلى اختبارات المسيح في أيام جسده؛ رجل صلاة، رجل الطاعة.

3-     أخذ هذه الوظيفة ليس بنفسه، بل من الله (عب5: 5، 6).

ثانيًا: خدمة المسيح كرئيس الكهنة (ع2-10)، في هذه الأصحاحات ثلاث دوائر لخدمة الرب يسوع كرئيس الكهنة:

(1)     في الماضي: خدمة الكفارة أو التكفير «حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ» (عب2: 17)، «وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا.  لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا» (1يو2: 2).

(2)    في الحاضر: وتنقسم إلى قسمين (عب2: 18-7: 25).

·          القسم الأول: خدمة تخص أعواز البرية ونحن نعبر في هذا الوادي المخيف وهذه البرية الصعبة، فإن الرب يسوع كرئيس الكهنة «يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب2: 18).

-            «قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا» (عب4: 15)، وهى ليست الضعفات الناتجة من سقوطنا في الخطية، بل ضعفات بسبب تكويننا الإنساني الهش والضعيف إزاء ما نواجه من مصاعب وتجارب وظروف.

-            «يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ» (عب7: 25).  والأمر هنا ليس مرتبطًا بالخلاص من نتائج الخطية في البرية، بل مرتبطًا بالأمور المحيرة والمُربكة، والتي لا نعرف فيها الطريق ونحن نعبر هذا الوادي، فإن الرب يسوع هو الذى يتوسّل إلى الله لأجلي، ويقدر أن يجلب لي الخلاص، ويعطيني الإرشاد والهداية والنصح، في هذه المسائل المحيرة.

يمكن أن نرى في الرمز في العهد القديم صورة لذلك بصفة خاصة في الكلام عن ملابس رئيس الكهنة هارون في خروج 28: 12، حيث يذكر عنه هذا التعبير: «يَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَهُمْ (أسباط بني إسرائيل) أَمَامَ الرَّبِّ عَلَى كَتِفَيْهِ لِلتِّذْكَارِ».  وهى صورة باهتة لخدمة المسيح الذي «يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب2: 18).

وقيل عنه أيضًا: «فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي صُدْرَةِ الْقَضَاءِ عَلَى قَلْبِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْقُدْسِ لِلتِّذْكَارِ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِمًا» (خر28: 29)، وهذا يشير إلى المسيح المكتوب عنه: «قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا» (عب4: 15).

ثم قيل أيضًا عن ملابس هارون: «وَتَجْعَلُ فِي صُدْرَةِ الْقَضَاءِ الأُورِيمَ وَالتُّمِّيمَ لِتَكُونَ عَلَى قَلْبِ هَارُونَ عِنْدَ دُخُولِهِ أَمَامَ الرَّبِّ.  فَيَحْمِلُ هَارُونُ قَضَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى قَلْبِهِ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِمًا» (خر28: 30).  وليس المقصود بالقضاء هنا الدينونة، لكن الحكمة والتمييز وسط الحيرة والارتباك في المسائل المحيرة، تمامًا مثلما جاء بصورة أعظم عن الرب يسوع أنه «يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ» (عب7: 25). 

·          القسم الثاني: هو خدمة الرب يسوع الآن كرئيس الكهنة في الأقداس السماوية (عب8-10):

-            في عبرانيين 8: 1، 2 «وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ (أي قمة وأعلى نقطة في الكلام) فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هَذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ، خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ».  ولاحظ تعبير «لَنَا».  و يا له من امتياز!  ولاحظ أيضًا أنه «جَلَسَ ... خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ».  فالمسيح الآن في الأقداس السماوية وليست الأرضية، يخدمنا من جهة ما نُقدّمه لله من سجود وتسبيح وشكر، وكل الذبائح الروحية التي نقدمها به لله (عب13: 15، 16).

-            في عبرانيين 10: 19 بناءً على كهنوته الأفضل (عب7)، وخدمته الأفضل (عب8)، وذبيحته الأفضل، ودمه الأفضل (عب9؛ 10)، أصبح لنا ثقة بالدخول إلى الأقداس (ذات حضرة الله – السماء عينها)، وذلك بفضل قيمة دمه (عب10: 19)، والطريق الحديث الحي هو الحجاب المشقوق، أي جسد المسيح (عب10: 20)، والكاهن العظيم على بيت الله (عب10: 21).

نتقدم بثقة أي بجرأة وبحرية، فلا خوف من خطايانا، ولا خوف من جهة دينونة ولا شكاية من ضمائرنا، بل بضمائر مُكمَّلة في يقين الإيمان.  لكن لأننا لا زلنا في أجساد الضعف، فسجودنا يشوبه الضعف وعدم الإدراك الكامل، وأحيانًا يشوبه الخطأ ويُجانبه الصواب.  ولكن شكرًا لله، فإن رئيس الكهنة الذى لنا؛ الرب يسوع المسيح، يأخذ كل هذا، ويُضفي عليه من كمالاته، ويُقدمه في حضرة الله بلا أدنى عيب، مقبولاً أمام الله قبولاً تامًا في استحقاقات وكمالات رئيس الكهنة العظيم.

(3)    في المستقبل: بصفة خاصة في الملك الألفي السعيد، عندما يجلس الرب على كرسيه (الملك) ويكون كاهنًا على كرسيه (زك6: 13)، سيُمارس كهنوته ليس على رتبة هارون، بل على رتبة ملكي صادق (ملك وكاهن).  وهي خدمة ليس لها علاقة بالتجارب والضعفات، بل لها علاقة بالبركة المستقبلة الأرضية لشعبه في ملكه عليهم، لمدة ألف سنة.


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com