عدد رقم 4 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
برنامج يوم في حياة المسيح الخادم  

قرأت كثيرًا من السير الذاتية لخدام أمناء ومرسلين ذوي قلب ملتهب، لكنني لم أرً أو أسمع عن شخص خدم بهمة ونشاط، من الصباح الباكر إلي وقت الليل المتأخر، ثم بعد ذلك يقضي الليل كله في الصلاة!  كلمة الله تقدم لنا خادمًا واحدًا فعل أكثر من ذلك.

 إنجيل مرقس، يقدّم لنا الرب يسوع كالخادم المشغول بالخدمة؛ بالتعابى والمحتاجين، من قرية إلي قرية، ومن بيت إلي الآخر.  لذلك ترد عنه كلمه ”للوقت“ أو ”في الحال“، واحدة وأربعين مرة، لتصف لنا خدمته وسرعته.  كما يُسجل مرقس أيضًا التعبير الرائع بفم الخادم الكريم «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مرقس10: 45).  

ودعونا نطالع الأصحاح الأول من إنجيل مرقس لنرى كيف كان البرنامج اليومي لربنا يسوع المسيح الخادم:

أولاً: إلى الجليل للكرازة: «وَبَعْدَ مَا أُسْلِمَ يُوحَنَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ الله» (ع14):

 بعد أن قُتل المعمدان علي يد هيرودس، انطلق الرب يسوع إلي الجليل يكرز بملكوت الله، مُقدمًا كيفية الدخول إليه قائلاً: «فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ».  فما أروع كرازته وما أسمى موضوعها!  نحتاج أن يكون لنا ذات اهتمامه بالكرازة للآخرين.  وهذا ما أوصي أيضًا به قبيل صعوده للسماء قائلاً: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس16: 15).

ثانيًا: إلى بحر الجليل «وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ» (ع16):

يريد الرب يسوع خدامًا يحملون الإنجيل للعالم، ويربحون نفوسًا له، فتوجّه إلي بحر الجليل، حيث هناك أربعة من صيادي السمك، ودعاهم دعوة محددة لعمل محدد قائلا ًلهم: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ النَّاسِ».  ولاحظ أنه يدعو البسطاء، لكن النشطاء غير الكسالى.

ثالثًا: إلى كفر ناحوم: «ثمَّ دَخَلُوا كَفْرَنَاحُومَ وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ الْمَجْمَعَ فِي السَّبْتِ وَصَارَ يُعَلِّمُ» (ع21):

ومن عند البحر توجّه إلي كفرناحوم مواصلاً يومه في الخدمة.  كان لربنا يسوع اهتمام كبير بالتعليم، وما أروعه وهو يُعلِّم حتي أن الجموع بُهتت من تعليمه، لأنه كان يُعلِّم كمن له سلطان وليس كالكتبة. جميل أن نكرز وأن نهتم أيضًا بالتعليم «مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ».  ولم يغفل هذا الخادم حاجة النفوس، فأخرج شيطانًا من إنسان مسكين معذب هناك.

رابعًا: زيارات البيوت: «وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ» (ع29):

في ذات اليوم يواصل العمل في زيارات للبيوت.  إنه يهتم بكل جوانب الخدمة، فلم تشغله الخدمات الجهارية عن الاهتمام بالزيارات الفردية، وهذا ما عمله أيضًا الرسول بولس، علَّم جهرًا وفي كل بيت.

خامسًا: خدمة حتى المساء: «وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ إِذْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ وَالْمَجَانِين» (ع32):

ما أحوج هذا الخادم المُجهَد إلى قسط من الراحة بعد عناء يوم طويل وقد غربت الشمس، لكن أحشاؤه الرقيقة تمنعه أن يترك المتألمين في معاناتهم، فتم فيه القول: «لاَ يَكِلُّ»، وأيضًا «جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا».

سادسًا: إلى موضع خلاء ليُصلي: «وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ» (ع35):

إنه لدرس عظيم لكل من يخدم!  إن الخدمة الكثيرة لا يجب أن تُعطل الشركة الصباحية مع الأب، وليست بديلاً عنها!  فما أروع الخادم العظيم ربنا يسوع المسيح وهو يتمم النبوة الجميلة عنه «يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ يُوقِظُ لِي أُذُناً لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ» (إشعياء50: 4).  وقد نتسأل مع التلاميذ عن سر ضعف خدمتنا، وكانت إجابة المسيح لهم ولنا ”الاهتمام بالصلاة“!  «وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتاً سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ: لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَه؟، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ» (مرقس9: 28، 29).  هكذا كان التقي الحقيقي يبدأ يومه.

سابعًا: إلى القرى: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لأَكْرِزَ هُنَاكَ أَيْضًا لأَنِّي لِهَذَا خَرَجْتُ» (ع38):

ما أروع نشاطه وجديته في القيام بمهام خدمته في يوم جديد!  وما أجمل اهتمامه بالقرى الصغيرة والبسيطة، فلم يكن يهوي الشهرة أو الأضواء والأعداد الغفيرة!  وهناك كان يكرز بملكوت الله.  فموضوع كرازته لم يتغير مع أمزجة الناس ولا مستواهم، وهكذا يجب أن نكون نحن، كما قال الرسول بولس مرة: «لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ» (أعمال20: 24).  وجاء إليه هناك أبرص هالك يطلب الرحمة، ويسجل مرقس لنا: «فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ فَاطْهُرْ».

إخوتي الأحباء: ألا يشجعنا هذا الخادم العظيم أن نتمثل به تابعين خطواته؟  لنقضِ ساعات اليوم في خدمة سيدنا الكريم مستثمرين كل لحظة في خدمته، ومفتدين الوقت لأن الأيام شريرة، متذكرين قوله المبارك: «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ.  يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ» (يوحنا9: 4).

ليعطنا الرب نشاطًا، ولنكن غير متكاسلين في الاجتهاد، فالوقت منذ الآن مقصَّر.  لنستثمر كل ساعات اليوم، كما كان يفعل العبد الكامل، أما في شركة مع إلهنا أو في خدمةٍ لقطيع الرب المحتاج، سواء كان في الاجتماع أو زيارات البيوت.  ولا ننسى ما تشجعنا به كلمة الله: «مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (1كورنثوس15: 58).

                                                        إيليا كيرلس

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com