عدد رقم 4 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ماذا لو لم يقم المسيح؟! (1كو15)  

«وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ.  إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (1كو15: 1-4)

قيامة المسيح هي بدون مبالغة أعظم حدث في التاريخ، الذي نتوقف أمام أيام فارقة فيه: يوم ولد المسيح، يوم مات المسيح، يوم قام المسيح، ويوم يرجع المسيح عن قريب ويملك.

لكن ربما كان الحديث المحوري، وحجر الزاوية في هذه الأيام التاريخية هو يوم ”قيامة المسيح“، الذى لولاه لفقد التجسد مغزاه، وكان موته على الصليب مجرد مأساة وقصة رجوعه وملكه ملغاة!

نعم؛ قيامة المسيح هي حجر الزاوية في الإيمان المسيحي كله، كما سنرى الآن، وكما يثبت الرسول المغبوط بولس في هذا الأصحاح العظيم؛ أصحاح القيامة (1كو15).

للإيجاز يمكننا تلخيص أبرز النتائج الكارثية المبنية على الفرضية المستحيلة التي هي عنوان حديثنا ”ماذا لو لم يقم المسيح؟“

(1) بَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا: إن الكرازة هي إعلان الإنجيل، الخبر السار بكل مشتملاته.  وهل كان هناك خبر سار حقيقي وأبدي واحد، بدون قيامة المسيح؟  كلا بكل يقين.  إن الإنجيل بحسب صدارة هذا الأصحاح هو أن المسيح مات حسب الكتب، وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب.

(2) بَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُنَا: ولأن إيماننا المسيحي موضوعه هو نفس مضمون الإنجيل، إذًا فلا قيمة لهذا الإيمان ولا وزن له بدون قيامة المسيح.  فنحن نؤمن مثلاً أن المسيح له المجد «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رو4: 25)، وهذا كله وكثير جدًا غيره ينهار، ومعه ينهار إيماننا بالكامل، لو لم يقم المسيح من بين الأموات!

(3) نُوجَدُ نَحْنُ شُهُودَ زُورٍ لِلَّهِ: لقد كان الموضوع الرئيسي لشهادة رسل المسيح وتلاميذه أن المسيح قام.  وبالنسبة إليهم لم تكن المسألة خبرًا سمعوه أو تناقلوه، بل حدثًا عاينوه وشهدوه، كصلب المسيح وموته تمامًا «وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَق» (يو19: 35) «وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ» (أع3: 15).

ولم تقتصر شهادة التلاميذ والرسل على الرؤيا والمعاينة لـ 11 ظهور للمسيح لأحبائه، بعد قيامته، سجلها الوحي المقدس، بل امتد إلى الرسول بولس نفسه الذي رأى المسيح في المجد (أع9: 3).  ولو لم يقم المسيح بشهادة هؤلاء جميعًا، وشهادة الوحي المقدس، تمتد شهادة الزور المزعومة تلك لتشمل كل خدام المسيح والكارزين بقيامته، منذ ذلك اليوم وإلى الآن!

(4) نَحنُ بَعْدُ فِي خَطَايَانَا: وهذه هي الكارثة الرابعة إن لم يكن المسيح قد قام، فقد مات له المجد بسبب خطايانا وأقيم من بين الأموات لغرض تبريرنا، وبدون القيامة لا تبرير ولا فداء قد تم، ولا غفران لخطايانا!  لقد حمل المسيح نفسه خطايانا في جسده على الخشبة.  وعندما مات فقد أقامنا معًا معه في الحياة الجديدة.  وهذا الحدث الأخير إن لم يكن قد حدث، فنحن بعد في خطايانا، ولا زلنا في حالة الموت الأبدي والروحي، منفصلين عن حياة الله حاضرًا وأبديًا!  ويا لها من مأساة!!

(5) الَّذِينَ رَقَدُوا فِي الْمَسِيحِ هَلَكُوا: فالأموات في المسيح؛ الذي هو، تبارك اسمه «هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ» (يو11: 25)، هم أموات في القيامة!  أي أنهم جميعًا ليس فقط أحياء عنده (يو5: 29)، بل يرقدون (ينامون) في انتظار قيامة الأبرار؛ القيامة الأولى، القيامة الأفضل (رؤ20: 6).  أما عدم قيامة المسيح فهو يعني هلاك كل مَن رقد من المؤمنين به وبقيامته (المزعومة)، في هذه الفرضية الجدلية المستحيلة!

(6) لَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ: وهذه نتيجة كارثية منطقية جديدة تُبني على عدم قيامة المسيح.  وهو أن الحياة مقصورة على وجودنا في الأجساد المادية الحالية.  وتكون في هذه الحالة الحياة الحاضرة، وكل ما هو مادي هو الأساس الذي نبني عليه كل شيء ولا سواه.  والفلسفة القائلة: «فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ!» (1كو15: 32)، تصير صحيحة تمامًا، وتكون عيشة أولاد الله الروحية وتسخيرهم لأجسادهم وماديات الحياة لمصلحة الروح والأبدية، استثمارًا في الهواء مما يجعلنا «أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ»، فلا نحن (استمتعنا) بالجسد الحرفي ودللنا رغباتنا الجسدية كما يفعل غير المؤمنين، ولا جنينا فائدة من روحيات وأبديات (مزعومة) لا وجود لها!  ويا للهول!

(7) يكون الوحي المقدس مدّعيًا: إن نبوات العهد القديم بخصوص المسيح تحدثت بوضوح ليس فقط عن موته، بل عن قيامته كذلك.  على سبيل المثال مزمور 16: 10 حيث نقرأ «لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ (حالة الموت).  لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ (أو قدوسك بالمُعَّرف أي الإشارة إلى واحد وهو المسيح)  يَرَى فَسَادًا».  وعندما شرح الرسول بطرس لليهود في سفر الأعمال هذه الأقوال ذهب بها مباشرة إلى تطبيقها الصحيح على المسيح، وليس داود، الذي قال عنه إنه مات وجسده رأى فسادًا بالطبع (أع2: 27).  هذا وغيره الكثير يهدم مصداقية النبوات، وعليه لا يكون الكتاب المقدس صادقًا أو مُوحى به من الله أساسًا.

(8) يكون المسيح قد ”كذب“ على أتباعه: غير ذات مرة عندما تحدث إليهم بكل وضوح أن ابن الإنسان سيسلم إلى أيدي الناس ويقتلونه وأنه في اليوم الثالث يقوم.  والغريب والعجيب أن الملايين من الذين ينكرون اليوم قيامة المسيح، يؤمنون في الوقت نفسه أن المسيح لم يكذب قط، وأنه لم يوجد في التاريخ نبي بار مثله!!  كيف ذلك وقد أعلن المسيح حقيقة قيامته بنفسه، ولم يستصعب التلاميذ وقتها قيامته، لكنهم استصعبوا ولم يقبلوا فكرة موته حينئذٍ.

(9) لا تكون قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ على الإطلاق، لا للأبرار ولا للأشرار: فإن كان البار الوحيد الذي لم يرَ جسده فسادًا تُرك في الهاوية (حال الموت: انفصال الروح عن الجسد)، فبالتأكيد لن يقوم ميت واحد كائنًا من كان، ولأن الموت قد اجتاز إلى جميع الناس بخطية الواحد (آدم الأول)، (رو5: 12)، إذًا، فالحياة الأرضية الدنياوية المُقدَّرة بسبعين سنة ومع القوة ثمانون (مز90: 10)، هي كل شيء وبعد ذلك: الملاشاة التامة!  ولا ثواب ولا عقاب!  لا نعيم ولا جحيم!  لا سماء ولا جهنم!  ببساطة لأنه لا تكون هناك قيامة أموات من الأساس!

(10) تكون قوانين الطبيعة قد تبدلت: في معرض حديثه في نفس أصحاح القيامة العظيم هذا (1كو15)، يُدلّل الرسول على حقيقة القيامة وحتميتها بدليل دامغ من الطبيعة نفسها، يراه الجميع في كل يوم بل وفي كل لحظة، إذ يقول: «يَا غَبِيُّ!  الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ» (1كو15: 36).  لاحظ أنه لا يقول: ”يا ذكي!“ أو ”يا مفكر!“  أو ”يا فيلسوف!“  بل ” يَا غَبِيُّ!“  وهذا وصف صحيح ودقيق لمن يجهل حقيقة القيامة عن جهل، كتلميذي عمواس اللذين وبّخهما المسيح بنفس التعبير بجهلهما بالقيامة، وبقيامته هو خصوصًا بعد أن قام من الأموات «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ» (لو24: 25).  بل هو وصف بالأحرى أقوى وأدق لمن يريد أن يجهل هذه الحقيقة عمومًا ”القيامة“، وحقيقة قيامة المسيح خصوصًا «يَا غَبِيُّ!  الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ».

وثمة تشبيه مماثل نطق به الرب له المجد عشية موته عندما قال لتلاميذه: «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا.  وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يو12: 24).  لاحظ أنه لا يقول: ”إن ماتت هلكت“، بل «إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ»!

وإذا لم يكن المسيح قد قام، ولا يكون هناك قيامة أموات، تكون قوانين الطبيعة من زرع البذرة الميته لتأتي بالثمر الحي، تكون هذه القوانين قد تبدَّلت، وتكون العلوم الإنسانية والدراسات البشرية حولها كلها كاذبة كذلك!

الخلاصة: ليس أمام أي مُخلِص مُنصِف إزاء كل ما سبق، إلا أن يهتف قائلاً: ”الرَّبَّ قَامَ!  بِالْحَقِيقَةِ قَامَ!“ (1كو15: 34).  ومن جهتي أقول ليس لديّ الإيمان الكافي أبدًا من أية زاوية لكي لا أؤمن بأسطع الحقائق وأروعها: قيامة المسيح!

                                                 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com