عدد رقم 6 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
البقية في الأيام الأخيرة (12)  

البقية في أيام نحميا
توجُّه واحد، وأعمال رائعة

(نح2: 11-20، 3)

نواصل تأملاتنا عن البقية في أيام نحميا التي بدأناها العدد الماضي بالحديث عن نحميا نفسه الذي مثَّل لنا التقوي الحقيقية من الجانب الواحد؛ والخدمة التطوعية من الجانب الآخر.  حيث حملَت خدمته تضحيات مادية ومعنوية ولم يكن وراءها منفعة من كليهما.

ونتوقف في هذا العدد بمعونة الرب عند الحديث عن: التوجه الواحد، والأعمال الرائعة.

أولاً: التوجُّه الواحد:

وصل نحميا أخيرًا إلى أورشليم، وقام بجولة ليلية ليتفقد الموقف على أرض الواقع، فنقرأ: «فَجِئْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.  ثُمَّ قُمْتُ لَيْلاً أَنَا وَرِجَالٌ قَلِيلُونَ مَعِي، وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا جَعَلَهُ إِلهِي فِي قَلْبِي لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ ... وَخَرَجْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي لَيْلاً أَمَامَ عَيْنِ التِّنِّينِ إِلَى بَابِ الدِّمْنِ، وَصِرْتُ أَتَفَرَّسُ فِي أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ.  وَعَبَرْتُ إِلَى بَابِ الْعَيْنِ وَإِلَى بِرْكَةِ الْمَلِكِ، ... فَصَعِدْتُ فِي الْوَادِي لَيْلاً وَكُنْتُ أَتَفَرَّسُ فِي السُّورِ، ثُمَّ عُدْتُ فَدَخَلْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي رَاجِعًا.  وَلَمْ يَعْرِفِ الْوُلاَةُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُ، ... ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَرَوْنَ الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، كَيْفَ أَنَّ أُورُشَلِيمَ خَرِبَةٌ، وَأَبْوَابَهَا قَدْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ.  هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا. وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ، وَأَيْضًا عَنْ كَلاَمِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي، فَقَالُوا: لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ. وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ.

وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا، وَقَالُوا: مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتُمْ عَامِلُونَ؟ أَعَلَى الْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟ فَأَجَبْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي.  وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ فِي أُورُشَلِيمَ» (نح2: 11-20).

وهنا يلفت نظرنا أن ما عرضه نحميا على إخوته من اليهود والكهنة والأشراف والولاة وباقي عاملي العمل، لاقى استحسانهم وقبولهم فكريًا.  فصار لهم رأي واحد وفكر واحد من جهة ما وضعه الله في قلب نحميا ليعمله.  فقالوا: «لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ. وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْر» (ع18).  لاحظ «فقالوا»، كلهم وليس معظمهم، «لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ».  وما أروع هذه الصورة أن تتحد أفكار البقية نحو ما يمجد الرب وما يليق باسمه.  وهذا هو عين ما ينتظره الرب دائمًا من شعبه.  يقول بولس: «أَطْلُبُ إِلَى أَفُودِيَةَ وَأَطْلُبُ إِلَى سِنْتِيخِي أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ» (في4:2).  وإن كنا هنا نقرأ عن الرأي الواحد والفكر الواحد، فهما يولدان القلب الواحد في العمل (نح 4: 6)، وهذا كله هو (التوجُّه الواحد): فكريًا وقلبيًا.

وهذا التوجُّه الواحد هو دائمًا ما يزعج الشيطان وأعوانه.  فمباشرة نقرأ: «وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ ... هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا».  إن أكثر ما يزعج العدو هو أن يرى شعب الله برأي واحد وقلب واحد يرغب في عمل واحد لتمجيد اسم الرب!  وكل مجهود العدو مُنصب على كيفية تقسيم أولاد الله إلى آراء وأفكار واستنتاجات ونزاعات وصراعات وانقسامات، كلها تشتت مجهوداتهم وتجعلهم عثرة لا بركة، في ضعف لا قوة، ونحن لا نجهل أفكاره! (2كو2: 11).

ثانيًا: الأعمال الرائعة:

   معروف أن تاريخ البشرية مليء بروائع الأدب والشعر والقصة والفنون والعلوم والفلسفة ... الخ. وهي أعمال عظيمة، لكنها مرتبطة بالأرض وبالزمن، وكلاهما زائلان غير خالدان.  أما ما يبقى خالدًا فعلاً فهو ما يبقى في الأبدية.  وما سيبقى خالدًا في الأبدية، وله قيمة أمام كرسي المسيح، هو كل ما عملناه بحسب مشيئة الله ولمجده.  فهل قدرنا ذلك حق قدره؟

على هذا القياس من الأعمال الرائعة تُظهر لنا كلمة الله أعمالاً بسيطة للغاية مثل تلك التي نقرأ عنها هنا في نحميا أصحاح 3 حيث بنى كل واحد مقابل بيته في سور مدينة أورشليم المنهدم.  والذي يُعبِّر عن انفصال أولاد الله عن العالم.  إن هذا الأصحاح يبدو لنا كسجل شرف خالد لأشخاص أتقياء عملوا، مع بيان مختصر لما عملوه.  ولأن الرب يهمه العاملين قبل العمل نفسه فقد ذُكرت أسماؤهم قبل أعمالهم.  ولأن ما عملوه كان بحسب فكر الرب فقد كان عملاً رائعًا ذو قيمة حقيقية سُجلت على صفحات الوحي.

فهذا الأصحاح العظيم (نحميا 3) يرينا رئيس الكهنة وعائلته يبنون باب الضأن، ثم نجد ترميمًا متواصلاً للأبواب وللأسوار، ومن رمم مقابل بيته (ع10)، وبجانب بيته مقابل مخدعه (ع30).  وكم هو جميل أن نقرأ عن مشاركة النساء في العمل أيضًا (ع12).  ومن خسر هم الذين «لَمْ يُدْخِلُوا أَعْنَاقَهُمْ فِي عَمَلِ سَيِّدِهِمْ» (نح3: 5).

أحبائي الشباب: إن حياتنا هي أغلى ما نملك، وإن كنا مؤمنين حقيقيين فعلاً فليس لنا شرف أغلى ولا أحلى من الارتباط بالبقية في زمن العار والخراب، البقية ذات التوجُّه الواحد: فكرًا وقلبًا، رأيًا وعملاً، لمجد الرب بحسب ما هو مكتوب في كلمته.  كما أن الأعمال الرائعة هنا هي تلك التي قال عنها الروح القدس في كلمة الله.  «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أف 2: 10).

نعم، ليس أروع من المركز الصحيح «مع الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ»، وليس أعظم من أعمال، ربما لا يقدرها العالم، لكنها بحسب مشيئة الله وبحسب كلمته، ولمجد الرب وخير شعبه.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com