الدائرة
الأولى: المستمعون: الشعب أسفل الجبل (خر19: 7-19):
الشعب اكتفى بعلاقة
سطحية مع الرب، من خلال وساطة موسى، الذي طلبوا منه أن يصعد إلى الرب، ويتكلَّم هو
مع الله، ويُخبرهم بكلام الرب (تث5: 27؛ خر20: 18، 19).
والنتيجة: سرعان ما
سقطوا في عبادة الأوثان، فطلبوا من هارون أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم (خر32: 1).
إذا لم يكن لنا علاقة
شخصية دائمة غير منقطعة مع الرب، وإذا لم يكن الرب هو الأول في الأهمية وفي القلب
وفي الحياة وفي الوقت وفي الأولويات، فأي شيء آخر أو أي شخص آخر، يمكن أن يحتل
المكان الأول. وما أسهل الانحراف
والانحدار عندئذٍ!
الدائرة
الثانية: المتفرجون: هارون وناداب وأبيهو والسبعون شيخًا (خر19: 24؛ 24: 1، 2،
9-11):
كانوا أقل عددًا ...
وصعدوا لمستوى أعلى على الجبل ... رأوا مظاهر المجد ... وأكلوا وشربوا في محضر
الرب (خر24: 9-11) ... واكتفوا بهذا ... ولم يطلبوا أكثر ... ولم يدخلوا إلى العمق
... واكتفوا بهذا المستوى من الشركة: المتفرجون كانوا في مركز القيادة وسط الشعب.
والخطورة أنهم كانوا
في مركز القيادة، ومن هنا كانت خطورتهم على كل الجماعة:
- هارون: نزل من على الجبل، كانت هيبة الرب أمام الجماعة قليلة، وسرعان ما اختفت ...
وبدلاً من أن يخضع الشعب له، خضع هو لهم، وصنع لهم العجل الذهبي.
- نَادَاب وَأَبِيهُو: سجل الفشل السريع والذريع والمُخجِل لنَادَاب وَأَبِيهُو، والدينونة
السريعة التي حاقت بهما، مُدوَّن في لاويين 10: 1-3. لقد اقتحما محضر الله، وقدما بخورًا أمامه (وهو
رمز ومثال لرائحة المسيح الزكية في أنف الله)، بواسطة نار غريبة؛ أي لم تكن مأخوذة
من على المذبح (انظر إش6: 6)، مُخالفين أوامر الله.
- السبعون شيخًا: من المؤكد أن طلب الشعب من هارون أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم، تم من خلال
الشيوخ، فكانوا هم قادة الانحراف والسقوط المشين!
الدائرة
الثالثة: المُتأملون المتفكرون: موسى ويشوع (خر24: 13-16):
صعد موسى ويشوع خادمه
إلى مستوى أعلى من الجبل. تأمل يشوع في
مظاهر المجد – مع موسى – لمدة 6 أيام، ثم مكث منفردًا في هذا المكان لمدة أربعين
نهارًا وأربعين ليلة، حتى نزل موسى من الجبل (خر32: 15).
ظل يشوع يتأمل ويتفكر
في مظاهر المجد الإلهي طوال هذه المدة، والنتيجة أنه بعدما نزل مع موسى من على
الجبل، واتضح المشهد الوثني أمام عينيه، ونصب موسى الخيمة
خارج المحلة، نرى يشوع يُظهر قيمة التعليم الذي تعلمه أثناء الفترة المباركة التي
قضاها في الجبل، وذلك بأخذه مركز الانفصال، ورفضه الاختلاط بالمحلة النجسة «وَأَخَذَ
مُوسَى الْخَيْمَةَ وَنَصَبَهَا لَهُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ، بَعِيدًا عَنِ
الْمَحَلَّةِ، وَدَعَاهَا خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ ... وَإِذَا رَجَعَ مُوسَى إِلَى
الْمَحَلَّةِ كَانَ خَادِمُهُ يَشُوعُ بْنُ نُونَ الْغُلاَمُ، لاَ يَبْرَحُ مِنْ
دَاخِلِ الْخَيْمَةِ» (خر33: 7-11). لقد
تعلَّم أن يمكث في ستر القدير. والشركة هي
أسمى امتياز للمؤمن؛ فهي تقوده للانفصال عن الشر ولتنفيذ مشيئة الله بالصورة
المُمجِّدة له.
ورغم أن خدمته لموسى
ربما كانت تدعوه للذهاب والعودة، إلا أنه نتيجة لتعليم الله له عرف أنه من الأفضل
أن يمكث مع الله في الخيمة المنفصلة، لذلك مكث منفصلاً تمامًا مع الله، وبعيدًا عن
المحلة. إذا لم تكن هناك دعوة واضحة
للخدمة، فإنه من الأفضل ألا تكون لنا أدنى علاقة مع الشيء الدنس.
الدائرة
الرابعة: المختبرون المتعلّمون من الرب شخصيًا: موسى على قمة الجبل (خر24: 14-18):
كان موسى على قمة
الجبل، منفردًا مع الرب، في شركة عميقة فردية شخصية غير منقطعة، لمدة أربعين
نهارًا وأربعين ليلة، واختفى الإحساس بالزمان والمكان. وماذا كانت النتيجة:
(1)
المطاليب والاحتياجات الجسدية نُسيت، ولم يعد
لها تأثيرها (الأكل والشرب وكل احتياجات الجسد).
(2) كُشِفَ له حالة الشعب وشره
وهو فوق الجبل في محضر الرب (من الكنترول).
والوجود في محضر الرب ليس فقط يجعلني أدرك حقيقة ذاتي، لكن يكشف لي أيضًا
حالة الذين حولي (قارن أليشع وجيحزي، بطرس وحنانيا وسفيرة .... إلخ).
(3) نزل
مؤهَّلاً بالتمييز الروحي والبصيرة الحادة (خر32: 15-20): فحينما صرف الرب موسى
لينزل من جبل سيناء، لأن الشعب كان يُخطئ، بدت قلة خبرة يشوع، فظن يشوع أنه سمع
صوت قتال، أما موسى – رجل الله المُختبر – بفطنته وتمييزه الروحي، فعلم أن الضجة
التي سُمعت كانت صوت غناء واحتفال.
(4) نزل وجلد وجهه يلمع (خر34:
29-35) ... نزل بهيبة وكرامة إلهيتين ... طحن العجل أمام كل الشعب، وطحنه حتى صار
ناعمًا، وذراه على وجه الماء، وسقى بني إسرائيل ... ولم يقدر أحد أن يُعارضه أو
يُقاومه؛ الجميع خضعوا له.
(5) نزل بالكلام الإلهي
والإعلانات الجديدة التي سمعها من الرب نفسه عن أسرار شخص المسيح وعمله، لأن هذا
ما كانت تتضمنه الخيمة مع جميع متعلقاتها، والخدمة فيها «أمثلة الأشياء التي في
السماوات». ولا يمكن أن تكون خدمتنا مؤثرة
وفعالة من دون العلاقة الشخصية الوثيقة مع الرب (تذكَّر جدعون والرب).
(6) شفاعته من أجل الشعب
(خر32: 9-14): لاحظ مشغوليته بالآخرين؛ بشعب الرب. لم يشتكِ عليهم (قارن بينه وبين إيليا). وكانت شفاعته تستند على نعمة الله، مجد الله،
أمانة الله تجاه وعوده (قارن بين شفاعة موسى من أجل الشعب، وشفاعة إبراهيم من أجل
سدوم التي استندت على وجود أبرار في سدوم، ولذلك لم تنجح).
(7) شعوره العميق بالضعف،
وصعوبة قيادته لشعب الرب، فصلي وقال للرب: «انْظُرْ. أَنْتَ قَائِلٌ لِي: أَصْعِدْ هَذَا الشَّعْبَ،
وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي. وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ،
وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ.
فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي
طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَانْظُرْ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ. فَقَالَ:
وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ. فَقَالَ
لَهُ: إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ هَهُنَا، فَإِنَّهُ
بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ
الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: هَذَا الأَمْرُ أَيْضًا الَّذِي تَكَلَّمْتَ
عَنْهُ أَفْعَلُهُ لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ»
(خر33: 12-17).
(8) وما زال هناك المزيد: فلم
يكتفِ موسى بل طمع في المزيد من الرب، فقال للرب: «أَرِنِي مَجْدَكَ» (خر33: 18). لم يكن موسى يطلب مجد حضور الرب، وهو ما كان
موسى يتمتع به بالفعل، ولكنه كان يطلب معاينة مجد الرب كمن هو الله في ذاته وفي
طبيعته وفي صفاته. ولم يكن لموسى ما طلبه
بنفس القدر الذي نتمتع به نحن الآن «وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ
بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ
عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (قارن خروج
33: 18-23 مع 2كورنثوس 3: 18).