عدد رقم 6 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة في المُلك الألفي (2)  

(رؤ22: 1 – 5)

 «وأراني نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعًا كبلور، خارجًا من عرش الله والخروف» (ع1)

سبق أن أشرنا إلى أن الجزء الكتابي من ص9:21 إلى 5:22 خاص بالمشهد السماوي للملك الألفي، وهذا الفصل يتضمن منظرين مرتبطين معًا، الأول قال عنه الملاك: «هلم فأريك العروس امرأة الخروف».  والثاني يقول عنه الرائي: «وأراني نهرًا صافيًا».

ونهر ماء الحياة يرمز إلى الروح القدس الذي يفيض بملء الحياة والبركة والفرح والبهجة، وكونه صافيًا يشير إلى النقاوة التامة والخلو من كل كدر أو تعكير.  غير أننا يجب أن نلاحظ أن المقصود بنهر ماء الحياة في المدينة السماوية التي ترمز إلى الكنيسة في المُلك الألفي، هو الفرح والإنعاش وليس إعطاء الحياة، لأن كل من هناك قد امتلك الحياة الأبدية.  والنهر خارج من عرش الله والخروف.  فنجد هنا أن الله والخروف مرتبطان معًا في حكم الأرض، وفي فرح وبهجة المفديين في المجد.  والإشارة إلى الخروف ترينا أن هذه البهجة مضمونة وثابتة على أساس عمل الفداء الذي أكمله الخروف، وهي صافية ونقية لأن النهر صاف ولامع كبلور.  ونلاحظ أنه عرشٌ واحد «عرش الله والخروف».

ولم يحدث أبدًا أن خرج نبع حياة من عرش أرضي - حتى أفضل العروش.  ولكن هنا أخيرًا، نجد عرشًا ذا بر مُطلق، يمارس سلطانه، والنتيجة لذلك هي الحياة.  كما أن المدينة التي ينبع منها نهر الحياة إلى الناس، محمية من كل أنواع الدنس، ولذلك لا يطوله التلوث وهو يتدفق.  فهو صافٍ (نقي) ولامع كالبلور، يميزه طابع البر والمجد.

«في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك، شجرة حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة، وتعطي كل شهر ثمرها، وورق الشجرة لشفاء الأمم» (ع2).

النهر يجرى في وسط سوق المدينة (أو شارعها الذهبي)، وشجرة الحياة على النهر من هنا ومن هناك.  ولا شك أنها ترمز إلى المسيح في المجد كحياة المفديين.  وهكذا نتذكر أنه حتى في الحالة الممجدة لا يمتلك القديسون الحياة بالاستقلال عن المسيح، بل هناك كما هنا «هذه الحياة هي في ابنه».  غير أننا هناك ونحن متغيرون على صورة جسد مجده نتمتع بالحياة الأبدية في ملئها ونختبر على الوجه الأكمل ما قالته العروس الأرضية «تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي» (نش3:2).  كان في جنة عدن مع شجرة الحياة شجرة معرفة الخير والشر ـ شجرة المسؤولية ولكن في المدينة السماوية لا توجد إلاّ شجرة الحياة، لأن المسيح احتمل المسؤولية كلها على الصليب وسوى المسألة بخصوصها تمامًا من جهة المؤمنين به.  ولذلك تختفي من مشهد المدينة السماوية «شجرة معرفة الخير والشر».  كما أنه بعد السقوط أقام الله «الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة» (تك24:3) لئلا يأخذ الإنسان «من شجرة الحياة ... ويأكل ويحيا إلى الأبد» (تك22:3) في الشقاء والتعاسة اللتين جلبتهما الخطية.  أما في المدينة المقدسة في المجد فشجرة الحياة في الوسط ليأكل منها القديسون السماويون بحرية ويتمتعوا.

«تصنع اثنتي عشرة ثمرة وتعطى كل شهر ثمرها».  هذه هي آخر مرة يذكر فيها الرقم الرمزي 12 الذي يرمز إلى الحُكم والإدارة بالارتباط بالأرض.  ويوجد تشابه بين المشهد السماوي والمشهد الأرضي في الملك الألفي، ففي كليهما المياه الحية والثمر للشبع والورق للشفاء (أنظر حز47).  على أن البركة في المشهد السماوي تفوق بما لا يقاس ما في المشهد الأرضي.  وعلى هذه الشجرة المجيدة نجد الرقم 12 مطبوعًا، فهي تعطي اثنتي عشر ثمرة (نوعًا من الثمر)، وتعطي ثمرها اثنتي عشر مرة في السنة.  وبالتأكيد أن كل ذلك رمز، ولا يمكن أن يُطبق حرفيًا.  وواضح أن ثمارها للمدينة السماوية، ليتمتع به القديسون السماويون، ولكن ورقها لشفاء الأمم (ع 3).  وذكر الشهور، والأمم والشفاء، يبين أن المشهد كله يخص المُلك الألفي وليس الحالة الأبدية.

«ولا تكون لعنة فيما بعد.  وعرش الله والخروف يكون فيها، وعبيده يخدمونه» (ع3).

لقد وُجِدَت اللعنة على الأرض نتيجة لدخول الخطية فلُعِنَت الأرض (تك17:3)، ولُعِنَ قايين من الأرض (تك11:4)، وكل الذين هم من أعمال الناموس صاروا تحت لعنة (غل10:3).  وفي الأرض الألفية ستكون هناك لعنة جزئية على من يخطئ، «والخاطئ يُلعن ابن مائة سنـة» (إش20:65).  مع أنه بصفة عامة «لا يكون بعد لعن» (زك11:14).  ولكن في المدينة السماوية المقدسة لا يكون أثر للعنة بل ملء البركة لأن «عرش الله والخروف يكون فيها»، وهو مصدر كل غبطة وبركة وهي مضمونة على أساس الفداء.  ومرة أخرى نرى الوحدة بين الله والخروف إذ يذكر «عرش الله والخروف» مرتين في ع1، 3 ثم يذكر أن «عبيده يخدمونه» بصيغة المفرد، فنتذكر قول الرب «أنا والآب واحد» (يو30:10).

«وعبيده يخدمونه» يكون الله معلنًا في الخروف، وإذ نخدم المسيح نخدم الله.  وهذه الخدمة تكون خدمة المحبة الكاملة نؤديها بكل فرح وحرية وبكل سجود وتعبد، بلا ملل وبلا انقطاع وبلا أية شائبة من الشوائب التي تلامس خدمتنا هنا على الأرض، بعد أن نكون قد تحررنا نهائيًا من الجسد بضعفه وفساده، ولبسنا الأجساد الممجدة.  ويا له من امتياز ثمين!  

في وصف الحالة الأبدية، في بداية رؤيا 21، نرى أن كثيرًا من التفاصيل المُعطاة ذات طابع سلبي - أي أنها تذكر الأشياء التي لن توجد هناك «لا دموع، لا موت، لا حزن، لا صراخ، ولا وجع» (21: 4).  ونجد نفس الملمح هنا.  المدينة ليس فيها هيكل، ولا حاجة للشمس والقمر فيها، ولا احتمال للتلوث.  والآن نجد أنه «لا تكون لعنة ما في ما بعد» (الآية 3)، ويتكرر القول «لا يكون ليل هناك» (الآية 5).  فبمجرد أن دخلت الخطية، دخلت اللعنة (تكوين 3).  ودخول الناموس إنما أكد على وجود اللعنة، وسفر ملاخي، وهو آخر كلمة نبوية للشعب في ظل الناموس، يُختَم بالتحذير «لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن» (ملاخي 4: 6).  فاللعنة هي آخر كلمة في العهد القديم.

 

عصيان آدم الأول جلب اللعنة على الجنس البشري.  أما طاعة آدم الأخير، حتى الموت، فوضع الأساس لرفع اللعنة.  وعندما يُقام عرش الله والخروف في المدينة، عندئذٍ تزول اللعنة إلى الأبد.  وكل عصيان لن يوجد.  وسيُعترَف بسلطان الله وبره اعترافًا كاملاً.

 

«وهم سينظرون وججه واسمه على جباههم» (ع4).

نعم ستكون رؤية وجهه الكريم المشرق هي أسمى حالات التمتع «سنـراه كما هـو» (1يو2:3) وهذا دليل على منتهى الحظوة وكمال البركة.  «فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه» (1كو12:13).  ووجهه مرتبط بمجده في إعلانه عن نفسه.  عندما أُعطى الناموس، وكُسِر، وجد موسى نعمة في عيني الله.  وهذا أعطاه الجرأة فطلب: «أرني مجدك» (خروج 33: 18) فأجابه الرب: «لا تقدر أن ترى وجهي.  لأن الإنسان لا يراني ويعيش» (خروج 33: 20).  ولكن في عهد النعمة التباين عظيم، فنستطيع أن نقول: «الله ... أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح».  ولكن ما لدينا هنا يفوق ذلك بكثير.  ففي هذه المكانة المتميزة، ونحن في دائرة القبول والرضى، سنسكن في النور الكامل لمعرفة الله، التي أُعلنت كاملة في المسيح.  وستتحقق طلبة ربنا يسوع «أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي ...  لينظروا مجدي الذي أعطيتني» (يوحنا 17: 24).  وسنرى وجه الله إلى الأبد، في وجه يسوع.

 

«واسمه على جباههم».  هذا يفيد الإشهار العلني لملكيته لنا، والاعتراف الحبي بعلاقتنا به، كما أنه يفيد وجود طابعه علينا، وانطباع صورته فينا «نكون مثله» (1يو3: 2)، وأيضًا «ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين» (رو29:8).  يا له من تباين هائل بين هؤلاء ومَن يحملون سمة الوحش على جباههم (رؤ13: 16).  ونلاحظ الحقيقة البارزة - وهي استخدام ضمير الملكية المفرد «وجهه، اسمه»، وضمير المفعول به المفرد «يخدمونه»، مع أن الكلام هو عن الله والخروف.  بالتأكيد أن لكل منهما وجود متميز، ولكنهما واحد.  وهذا دليل آخر على أُلوهية المسيح.

«ولا يكون ليل هناك، ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس، لأن الرب الإله ينير عليهم، وهم سيملكون إلى أبد الآبدين» (ع5).

سبق ورود هذه العبارة بالذات في ص21: 23 - 25 «مجد الله قد أنارها والخروف سراجها ...» كالسبب في عدم غلق أبواب المدينة السماوية، وأما هنا فترد كحقيقة قائمة بذاتها.  فالليل قد انتهي وأقبل النهار الأبدي المشرق الذي لا يحتاج إلى الأنوار المخلوقة أو الصناعية «لأن الرب الإله ينير عليهم»، وحينئذ يتحقق القول «لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نورًا» (مز9:36). 

لقد بدأ الأصحاح الذي بين أيدينا ”بالحياة“ وتقدم إلى ”النور“.  ولكن لا يَرِد ذِكر ”للمحبة“، إنما يُشار إليها ضمنًا فقط، لأن المدينة هي العروس امرأة الخروف التي تحظى بحبه طول الأبدية.  وهذه الثلاثية واضحة تمامًا في كتابات الرسول يوحنا.  لكن عدم ذكر المحبة صراحة هنا بالارتباط بالمدينة، بلا شك لأنها المدينة التي سيسكن فيها، ومن خلالها سيحكم بالبر، ويقمع الشر، وهذا يجعلها لا تُشع المحبة، بل أن تكون مركزًا للإدارة والمُلك.

«وهم سيملكون إلى أبد الآبدين»... هذا يتضمن مُلك الألف السنة وما بعده إلى أبد الآبدين.  إن مُلك القديسين السماويين لن ينتهي لأنهم «سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح» (رو17:5)، وهذا المُلك أبدي.  إن مُلك الألف السنة على الأرض هو لتتميم مقاصد الله بواسطة الإنسان الثاني، آدم الأخير، بعد أن فشل الإنسان الأول.  وبعد أن يدير الابن هذا المُلك على الوجه الأكمل لنهايته، سيُسلم «المُلك لله الآب» أي المُلك التوسطي (1كو24:15)، أما مُلكه إلى أبد الآبدين فدائم لا نهاية له، وفيه يشاركه القديسون السماويون.  ولأن عرشه أبدي فإن عروش القديسين وتيجانهم أبدية أيضًا، وكما أنهم يخدمونه إلى الأبد، «سيملكون معه إلى أبد الآبدين».


 

 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com