عدد رقم 6 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نهضة عند باب الماء (نح8)  


«اجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ وَقَالُوا لِعَزْرَا الْكَاتِبِ أَنْ يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ.  فَأَتَى عَزْرَا الْكَاتِبُ بِالشَّرِيعَةِ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ مَا يُسْمَعُ، فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ.  وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ، مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، أَمَامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْفَاهِمِينَ.  وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ الشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ» (نح8: 1-3).

وضع أحد رجال الله عنوانًا للأصحاح الثامن مِنْ سفر نحميا: “نهضة عند باب الماء”.  عند هذا المكان حدثت يقظة ورجوع للرب بالغ الأثر في نفوس الشعب.

الباب الوحيد، في كل الأبواب التي ذُكرت في الأصحاح الثالث من سفر نحميا، والذي لم يتم عمل ترميم أو إعادة بناء له، هو باب الماء.  هذا ليس غريبًا، فالوحي عندما لا يذكر أي أعمال ترميم، أو مَنْ الذي رَمَّم، فذلك لروعة وعظمة المرموز إليه، الذي لا يحتاج إلى ترميم.  فكلمة الله  تُصلح ولا تحتاج إلى من يُصلحها.  هي تبني ولا تحتاج لمن يبنيها.  مهما ساءت الأحوال، وبادت الأعمال، تبقى كلمة الرب ثابتة «وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» (1بط1: 25)، «إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ» (مز119: 89). 

في كل التدابير نلاحظ أن شعب الرب قد يضعف ويسقط، وأسواره تنهدم والهيكل يخرب، لكن كلمة الله لا تسقط ولا تُهدَم ولا تخرب أبدًا، ولا تضعف البتة.  إن كان الشعب في احتياج دائم أن يُصلح قلبه (حاجة للتوبة)، ويبني أسوار مُدنه (أن ينفصل عن الشر)، ويُرمم مذابحه المنهدمة (يُمارس السجود الصحيح)، لكن فيما يتعلق بالشريعة، لا يحتاج أن يفعل شيئًا سوى أن يرجع إليها لتُصلحه وتبنيه.  كلمة الله لا تحتاج إطلاقًا أن يأتي أي مُصلح - أيًا كان - لكي يُعيد بناءها أو ترميمها.  حاشا! إنها كلمة الرب الثابتة ثبات الله، والكاملة كمال الله، والتي لها ذات عصمة الله، فلا تحتاج إلى تطوير أو تعديل، مهما اختلفت الثقافات أو الأجيال.  كلمة الله هي ناموس الرب الكامل الذي يرد النفس، والسراج الذي في نوره يتم كل إصلاح وبنيان.  بنورها تُرمَّم المسالك والطرق (السلوك)، وتُرمَّم المذابح (العبادة)، وترمم الأسوار (الشهادة).

كلمة الله وتأثيرها في النهضة التي حدثت أيام يوشيا:

 حدثت نهضة في أيام يوشيا الملك، عندما عزم ذلك الملك التقي، أن يُرمِّم بيت الرب، فوجد سفر الشريعة. وعندما قُرأ أمامه ذلك السفر، مزق ثيابه إذ رأى ـ في ضوء الكلمة المقدسة ـ  استحقاق الشعب للقصاص، وأدرك أن غضب الرب عظيم، فاتضع ورجع للرب بكل قلبه وكل نفسه وكل فكره وكل قوته، وتذلل وبكى أمام الرب.  كانت الكلمة لها تأثير عظيم في رجوعه القلبي للرب، وكان لها تأثيرها على سكان أورشليم، بعد أن جمعهم الملك، وقرأ عليهم كل السفر وقطع عهدًا أمام الرب للرجوع إليه. 

كما أن كل من يُكرم الشريعة ويقدّرها، فطوباه.  إذ كلما يقترب منها أكثر - في خشوع وخضوع - يكون في طريق الارتفاع، ويدنو أكثر فأكثر من كاتبها، فيستطيع أن يشتم طيب أنفاسه، بل يحظى بقبلات فمه وأحضان محبته، فيتذوق حلاوة أقواله، ويتمتع بإعلانات ما أمجدها.       

اجتماع فريد في الساحة المقابلة لباب الماء

(1)                        الحاضرون: كل الرجال والنساء والفاهمين (ع2، 3).

(2)                   المكان: أمام باب الماء (ع3).

(3)                   المدة: من الصباح إلى نصف النهار (ع3).

(4)                   وضع الشعب: وقوفًا، احترامًا لكلمة الله (ع5).

(5)                   الرسالة: سفر الشريعة مع تفسير المعاني (7، 8).

(6)                   الصلاة الختامية: سجد كل الشعب على وجوههم إلى الأرض (ع6).

(7)                   تأثير الكلمة: كل الشعب ناح وبكى (ع9).

(8)                   تحريض المعلمين: «كُلُوا السَّمين، واشربُوا الحُلو، وابعثوا أنصِبَةً لمَنْ لم يُعَدَّ لهُ» (ع10).

(9)                   دعوة للفرح: «لا تحزنوا، لأن فرح الرب هو قوتكم» (ع10).

ما أقوى تأثير كلمة الله على الشعب، عندما قرأها عزرا الكاهن! وكم كان تأثيرها على يوشيا، وعلى كل الأتقياء في كل العصور! وما أعظم تأثيرها علينا كأفراد وكجماعة، عندما نُعطيها مجالها في حياتنا!

باب الماء يأتي بعد باب العين ( الينبوع):

ذلك لحاجتنا الشديدة إلى معونة الروح القدس، كي نأخذ الإمكانية والقدرة اللازمة التي تُمكننا من الغوص في أعماق الكلمة، لنخرج الدرر والكنوز المخبوءة في أسفارها. الروح القدس هو وحده الذي يُعيننا على فك الرموز وتفسير كلمة الحق بالاستقامة.  الروح القدس هو الذي يكشف عن عيوننا لنرى عجائب من شريعة الرب.  تلك الأمور المجيدة السامية التي لا تخطر على بال إنسان.

«كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.  فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِه. لأََنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ.  لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ.  وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ» (1كو2: 9 – 11).

باب الماء هو الباب السابع في ترتيب الأبواب المزكورة في نحميا3:

رقم 7 هو رقم الكمال.  ولقد قصد الروح القدس أن يُظهر لنا جمال وكمال وروعة كلمة الله «لِكُلِّ كَمَال رَأَيْتُ حَدًّا، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا» (مز119: 96)، «نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ.  شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا» (مز19: 7).  والرب أكرم كلمته وعظمها «لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ» (مز138: 2).

مز 119 هو أطول فصل في كلمة الله ويتوسط الكتاب المقدس! وما هو موضوع هذا الأصحاح الكبير، بل قل “القصيدة المجيدة” أو “المقطوعة البديعة”؟ إنها شهادة عن جمال وكمال وجلال تلك الكلمة المباركة.

لقد حرض بولس المؤمنين في كولوسي قائلاً: «لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً» (كو3: 16).  “تَسْكُنْ بِغِنىً” أي تتأصل وتضرب جذورها عميقًا، ليكون لها سلطانها على كل جوانب الحياة.  ومن يسمع لها، ويعمل بها، ويخضع لما تقره الكلمة، يُبنى وينمو.  ومن يزدري بها يخرب نفسه.  كلمة الله نُولد بواسطتها، وليس ذلك فقط بل نتغذى ونطعم عليها، نحيا بها، كما ننمو ونتقوى بها أيضًا.

1.  كلمة الله علاجنا ... فهي كالماء والمرآة ... بها نتطهر (أف5: 29؛ يع1: 23).

2.  كلمة الله سراجنا ... فهي كالنور والنار ... بها نستنير (مز119: 105؛ إر23: 29).

3.  كلمة الله سلاحنا ... فهي كالسيف والمنطقة ... بها ننتصر (أف6: 14، 17).

4.  كلمة الله كــنزنا ... فهي كالفضة والذهب ... بها نفتخر (مز12: 6؛ 19: 10)

5.  كلمة الله غذائنا ... فهي كاللبن والعسل ... بها ننمو (1بط2: 2؛ مز19: 10؛ إر15: 16).

فهل نتغذى بها، ونلهج فيها، ونتغير بها، ونتحذر بها، ونتشجع بها، ونحارب بها المحاربة الحسنة؟


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com