عدد رقم 5 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الانتقاء الطبيعي  

   قد يندهش الكثيرين إذا علموا أن أول من تكلم عن ”الانتقاء الطبيعي Natural selection,“هو ”إدوارد بليث، Edward Blyth ” وليس دارون[1]، فكتب بليث وهو يؤمن بالخلق الإلهي، عام 1835م أي قبل أن يكتب دارون كتابه الشهير ”أصل الأنواع“ عام 1859م، واتفقا كلاهما على تعريف الانتقاء الطبيعي كالأتي: "الكائنات التي تتكيف مع البيئة المحيطة بها، تبقى على قيد الحياة لفترة أطول، وعليه فهي تنقل خصائصها الوراثية للأجيال القادمة أكثر من تلك الكائنات التي يتم تكييفها بشكل أقل، ولا تقدر على مواجهة ظروفها البيئية" ولهذا رأي”بليث“ أن الانتقاء الطبيعي هي عملية استخدمها الله للحفاظ على الأنواع، وهكذا نرى أن الانتقاء الطبيعي في حد ذاته هو أمر طبيعي ليس عليه أي اعتراض، بل يكمن الاعتراض في الطريقة التي وظف بها التطوريون الانتقاء الطبيعي ليخدم نظرية التطور.  فرأى دارون أن الانتقاء الطبيعي يعمل على خلق الأنواع وليس الحفاظ عليها، إذ يعمل على إزالة آثار الطفرات الضارة، ويساعد على بقاء آثار الطفرات المفيدة، (ذلك لو اعتبرنا وجود طفرات مفيدة تحدث تغيرًا في النوع، وهذا عكس ما شرحناه سابقًا). في حين أن الانتقاء الطبيعي لا يمكنه إزالة الطفرات الضارة، فهو لا يلاحظ الطفرات الصغيرة في الجينات، وعليه لا يستطيع إزالة آثار الطفرات الضارة[2]، وبالتالي يظل تأثير الطفرات سلبيًا وليس إيجابيًا. كما أنه لا يمنع انتقال الجينات غير المرغوب فيها، فما زال جين سرطان الثدي يُنقل من جيل للآخر.

   ولأن الطفرات في الجينات لا تحدث نتيجة رغبة عاقلة، بل نتيجة العشوائية والفوضى، كذلك الانتقاء الطبيعي أيضًا لا يحل هذه المشكلة، إذ لا يفسر نشأة التغيير بل يفسر استمراره في النوع، فمثلاً، الانتقاء الطبيعي لا يستطيع شرح تكوين الأعضاء المعقدة كالعين، إذ لا يمثل ملايين البروتينات (كبداية للعين) أي فائدة للكائن، وهذا لا يجعله ملائم للبيئة أكثر من غيره، فلماذا ورث الكائن هذه الجينات أكثر من غيره الذي لا يملك هذا البروتينات، في حين أنها لم تضف إليه أي ميزة أو فائدة، وكيف استمر في تطور منظم مستمر ليكون عين في النهاية؟ فقال شارلز داروين نفسه في هذا الشأن: ”افتراض تكوين العين عن طريق الانتقاء الطبيعي، يعد سخافة في أعلى درجاتها“. ولم يقدم العلم حلاً بديلاً لتكوين مثل هذه الأعضاء حتى يومنا هذا!

   فإذا فشل الانتقاء الطبيعي في منع انتقال الجينات الضارة، وفشل كذلك في نقل الجينات التي ليس لها نفع مباشر في حد ذاته، فهو يفقد بهذا وظيفته في خدمة نظرية التطور، ويبقى دوره قاصرًا على إحداث تغيير في إطار العائلة الواحدة، فيحدث تنوع في شكل ولون الكلاب للمحافظة على النوع دون خلق أي أعضاء أو وظائف جديدة، فهو قد يعمل على استمرار نمو شعر الكلاب في الظروف الباردة، ولكنه يعجز عن تحويل الكلب إلى دب في يوم من الأيام!

                                                                قام بهذا البحث:



[1] Origins (Tv series): Big Problems with Natural Selection

 

[2] Baer, C.F., Miyamoto, M.M. and Denver, D.R., Mutation rate variation in multicellular eukaryotes: causes and consequences, Nature Reviews Genetics 8:619–631, 2007

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com