عدد رقم 5 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
درس الألم  

أحد أهم الآثار المفيدة الناجمة عن الألم والحرمان، هو أن نُنحي جانبًا الأمور الحاضرة، ونُستحضَّر إلى محضر الله، وإلى الأمور الأبدية في السماء.  ونتيجة لذلك سيُدهشنا أن نجد كم نحن، في الأحوال الاعتيادية، متجنبين عن أمور الله، وعن السماء.  وهناك أمران متمايزان تمامًا: أن نعرف ما يضمنه لنا الإيمان بالمسيح، وأن نسلك ونختبر عمليًا معرفة المسيح.  أعرف أن الإيمان بالمسيح يجعلني مِلكًا له للأبد، وقد صار مُخلصي ورفيقي، وأن أباه سيُصبح لي أبًا، وأن الروح القدس سيصبح معزيًا لي، وسيقطعني من محجر العالم، وسيؤمِّن لي السماء والأبدية.  ولكن واأسفاه!  أن أمتلك هذه البركات، وأن أكون قادرًا أن أسلك بموجبها، أمران مختلفان تمامًا.  مثلما أن تتعلَّم لغة نظريًا، فهذا يختلف عن القدرة على التكلُّم بها عمليًا.  نعم هناك فرق.

فعندما يحل الألم والحرمان ستنتفي الأمور الحاضرة الزمنية، وتُصبح الأمور السماوية الأبدية واقعًا حيًا لأذهاننا، ويصبح الله والمسيح والأمور السماوية هي موضوع لذتنا وغرض قلوبنا، وسينخلع القلب عن كل ما هو أرضي، وستجف كل الينابيع التي كانت قبلاً مملوءة بالمياه المُنعشة.  سترتفع إلى أعلى، وسيسمو قلبك بالنعمة متجهًا إلى فوق، إلى المسيح غرض محبتك.

ولكن ربما تكتشف حينئذٍ كم أن معرفتك بالله الذي ذهب إليه المسيح، ضئيلة.  ومعرفتك بالمُخلِّص والحالة التي هو عليها الآن، باهتة.  وستدرك عندئذٍ أنه ما أقل إدراكك عن الارتباط بين الينبوع الموهوب لك هنا، وبين النعمة التي وهبتك إياه، وأن الألم الحرمان الحاضر سيُفضي في النهاية إلى الوجود في مجد الله، والتمتع بالامتياز الممنوح لنا مِن قِبَله.

كم تعلَّمتُ في مثل أوقات الألم هذه أنني لم أكن أعيش لمجد الله.  لم يكن لسان حالي: ”هَأَنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ ... لأُتمِّم مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ“.  لم يكن ذلك مبدأ سلوكي.  وفي مثل هذه الأوقات يبدو الله غريبًا وغير مفهوم؛ الله الذي أهملته، وتعودت على العيشة بدون الشعور بمعيته ورفقته.  ومن شأن جهلنا بذواتنا أن يُعطي الشيطان قوة ضدنا في مثل هذه الظروف، لأننا إذا لم ننتبه إلى خطية العيش متجنبين عن الله، بدون ألفة وشركة دائمة معه، وبدون تجاوب مع طرقه ومعاملاته معنا، فإن الشيطان سيتجاسر أن يوحي إلينا بأفكار قاسية من نحو الله، وربما بألفاظ صعبة تجاهه!

هذا وإن الله كامل في حكمته، وفي محبته، وفي قدرته، وفي صلاحه.  ولكن فقط لكوني لست أعيش في ضياء مشيئته ونور حكمته، فإنني أفتكر أنه بمقدوري أن أصنع لنفسي أمورًا أفضل من التي يصنعها هو، تبارك اسمه.  لقد أهداني ينبوعًا، فكان أنني تفكرت وانشغلت بهذا الينبوع، وبكفايته وثباته ولياقته من نحوي ومن نحو الآخرين، أكثر مما عوَّلت عليه هو، الذي وهبني كل شيء.  وعندما جفَّف هذا الينبوع، وجدت أنني كنت أفكر في عطاياه بالأحرى أكثر منه! 

تذكرون أيوب؛ مسكين أيوب.  جهله بذاته جعله لا يُميِّز بين الشيطان وبين الله.  لقد عرفت هذا الدرس أيضًا: كيف أني لو لم أعتبر قساوة قلبي، فإن الله سيبدو قاسيًا بالنسبة لي.  وكيف أنني لو عشت بعيدًا عن الله، ولم أعمل له حسابًا، سيبدو هو بعيدًا عني.  وكيف أنني لو لم أعترف بأنانية الطبيعة البشرية الساقطة التي قادتني إلى الضلال، رغم كوني قديسًا في المسيح، فإنني سأعيش كما لو كان ثمة حجاب بيني وبين الله، وسأشعر وكأن السماوات صارت نحاسًا، كما لو كان الله خلقها هكذا!  وإن لم أعد أعوّل على ذراع الله، وأعترف بذلك بالروح القدس، فسيوحي لي الشيطان أن ذراع الله عاملة ضدي، عوض أن تعمل لصالحي.  وبدل أن أعترف أني نسيت الله، أظن أن الله نسيني!

أما المحبة الإلهية فهي التي صيرتنا كل شيء لدى المسيح.  وهو لا يمل من تعليمنا وتدريبنا، لكي يكون هو – تبارك اسمه – كل شيء لنا، بينما ما زلنا على الأرض.  وغيرة محبة الآب تؤهلنا لأن يكون المسيح، والمسيح وحده، هو شبعنا، وهو نصيبنا وقسمتنا وفرحنا.  وغيرة قلب لا ترضى إلا بأن يكون الآب هو موضوع اختيارنا ونصيبنا.

ليت هذه الدروس تخترقنا، وتهدينا لأن يكون الله والمسيح، اختيارنا وقسمتنا، وموضوع شبع نفوسنا التي تحتاج وتتوق باستمرار إليهما.                        

                                                                                  ج. ف. ويجرام          


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com