عدد رقم 5 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تأملات في سفر النشيد(5)  

الإنجيل في سفر النشيد (2)

والنشيد في الإنجيل 

قارئي المبارك: مازلنا نواصل روعة النشيد، وما يبرزه من مقدسات الإنجيل.  ولنا في هذا المقال لمحة عن امتيازات النعمة، ومعاملاتها مع شعب الله.  وتقدير العريس الشديد لفضائل شعبه، مع غلاوة كل عائلة الله على قلبه.  ويدهشنا في الختام ما سنتابعه من مرتفعات أدبية في سفر النشيد، وروعة بلوغ العروس في ختام السفر.

 

أولا: امتيازات النعمة

 (1) جمال العروس في عيني العريس: في سفر النشيد  ينظر العريس لعروسه، أنها جميلة كلها.  ففي وصفه الثلاثي لها (4: 1-5؛ 6: 4-7؛ 7: 1-9)، أكد في كل مرة منها، أنها جميلة (راجع4: 1 مرتين؛ 7؛ 6: 4، 10؛ 7: 6، 7)وهذه نظرة الإنجيل لنا في المسيح.  (ا) فنحن في المسيح خليقة جديدة؛ كالمسيح تمامًا «إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ» (2كو5: 17)(ب) وفي جمال كهذا لا توجد شائبة واحدة في المؤمن، فبر الله علينا، يغطينا ويكسونا (1كو1: 30، رو3: 21)، ونحن في المحبوب، منعم علينا (أف1: 6)وبلغة النشيد "ليس فيك عيبة" (نش4: 7).  (ج) والإيمان وحده، هو ما خلع علينا، هذا الجمال (رو3: 21)وهذا أيضًا عبر عنه سفر النشيد؛  يوم أخبرنا: أن شفتي العروس كسلكة قرمز (4: 3)، معلنة مجد الفداء (أف1: 7).

(2) روح التبني: والإنجيل لا يكتفي بإعلان جمال النفوس التائبة في عيني الله، لكنه يدعونا، (كقديسيه)، لإدراك التبني، فنحن أبناء الله.  وحقنا التمتع بمحبة الله الكاملة،  وطرح الخوف إلى خارج «لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ» (1يو4: 18).  «فالظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ» (1يو2: 8).  فالمؤمن إذ ينهض، آخذًا مكانه في قلب سيده، يدرك سرور السيد به، وعندئذ ينفض عنه "روح الخوف" (1يو4: 18)، متمتعًا بروح القوة والمحبة والنصح (2تي1: 7)وهذا ما يعلنه أيضًا النشيد «وَصَوْتُ الْيَمَامَةِ (النعمة والتبني) سُمِعَ فِي أَرْضِنَا» (2: 12).   «لأَنَّ الشِّتَاءَ قَدْ مَضَى (الآلام)، وَالْمَطَرَ (الدينونة) مَرَّ وَزَالَ» (2: 11)، «الزُّهُورُ ظَهَرَتْ فِي الأَرْضِ. بَلَغَ أَوَانُ الْقَضْبِ (بركات القيامة)» (2: 12)، وتغريد الطيور (الروح القدس)، قد سمع في أرضنا (قلوبنا).  هنا لنا صوت المسحة والعربون والختم.  فلما الخوف إذًا، يا أولاد الله؟

ثانيًا: معاملات النعمة 

(1) بين النعمة والمسؤولية: والنشيد يرينا جانب مسؤولية العروس، وهي تنتهر الأقدام الخشنة المتطفلة الراغبة إزعاج الحبيب «ألا تيقظن الحبيب، حتى يشاء» (8: 4)والإنجيل يرينا جانب نعمة العريس، وهو يدافع عن عروسه، وهي في حضنه.  يوم كبح جماح ثورة مرثا في بيت عنيا، ضد أختها مريم (لو10: 41)ومرة ثانية يكبح ثورة يهوذا ضد نفس العروس.  وهذا ما فعله بوعز في يومه مع راعوث، إذ أوصى الحصادين ألا يؤذوها، ولا ينتهروها «فَأَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ قَائِلاً: ...لاَ تُؤْذُوهَا.... وَلاَ تَنْتَهِرُوهَا» (را2: 16، 17).

قوة النعمة تتدفق من خلال المسؤولية

(2) التأديب: كذلك يرينا سفر النشيد معاملات التأديب الإلهية.  ولم يفت النشيد أن يبرز، أن قبل التأديب، هناك الإنهاض والتذكرة.  فالعروس إذ نامت؛ ترك لها ذكرى وإنعاشًا "مد يده من الكوة"، بما فيها من مر الجراح والصليب (نش5: 5).   وهناك أيضًا معاملات النعمة.  فجنة النشيد، تعتمد في فلاحتها على ريح الشمال، وريح الجنوب، لتعطي أثمارها، وأطيابها للرب (نش 4: 16).  وإذ فشلت هذه كلها، اضطر الحبيب لتأديب العروس، فالحرس الطائف، في المدينة ضربوها، وجرحوها.  وحفظة الأسوار، رفعوا إزارها عنها (نش5:5).

وهذا ما نجده بوضوح في الإنجيل؛ فمن يحبه الرب يؤدبه (عب 12: 6).  فالرفيق الأمين، ربما يضطر لتأديبنا.  لكن قبل التأديب هناك الإنهاض والتذكرة «اِسْهَرُوا» (1كو16: 13)، «وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا» (مر13: 37).  «أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟» (مر14: 37).  وهناك معاملات الكرام الحقيقي، الذي ينقب حول كرم النفس، ويسمده (لو 13: 7-9).  وكلما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر (يو15: 1).  كذلك فالمؤمن في عبرانيين6، حقل يشرب مطره من السماء (بركات النعمة)، فينتج أثمارًا، تليق بذاك الذي فُلح من أجله.  وإلا فهناك التأديب (عب 12) بصوره المختلفة.

ثالثا: إله كل نعمة 

وبعد إعلان النعمة لنفوسنا، عن امتيازاتنا، ومعاملاتها معنا؛ بالنعمة والإنهاض والتأديب، يأخذنا النشيد ليرينا عائلة الله، وتقديره لفضائل عائلته.

(1) عائلة الله: عَبر سفر النشيد، لنا مستويات مختلفة للنضوج الروحي لشعب الله.  فهناك العروس، والتي قد وصلت إلى مستوى الآباء في عائلة الله (راجع نش 7، 8)، كما سنرى.  وهناك بنات أورشليم (2: 6؛ 3: 5؛ 5: 8؛ 8: 4).  وكلاهما مميز عن الأخت الصغيرة؛ والتي هي صورة للأطفال في عائلة الله «لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ.  فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟» (8: 8).  فليس للجميع ذات البلوغ.  والعروس نفسها، مرت بهذه المستويات الثلاثة، فنراها في مستوى الأطفال (4: 1-5)، ثم الأحداث (6: 4-10)، وأخيرًا مستوى الآباء (7: 1-9؛ ص8).

 وهذا ما يعلنه الإنجيل بقلم يوحنا؛ عن مستويات عائلة الله الثلاثة؛ الأطفال والأحداث والآباء (1يو2: 12 – 27).

(2) فضائل النعمة: ما أجوده – تبارك اسمه-  وكل مستويات عائلته (عائلة الله) لها ذات حبه، وغلاوة عينيه.  الواضحة في مدحه لعروسه في مستوياتها المختلفة.  وما أجمله أيضًا مبتهجًا بفضائل شعبه القلبية.  فالنشيد يرينا (ا) تقدير الحبيب لفضائل شعبه.  نازلاً خصيصًا إلى جنة الجوز (6: 11)، باحثًا عن ثمار جنة عروسه.  (ب) مدركًا مكانها المتضع، في خضر الوادي فإليه يتجه فورًا، لينظر الكروم والرمان؛ فضائل الإيمان في قلب عروسه (6: 11)(ج) وسفر النشيد يعلن لنا تأثير هذه الثمار (الفضائل القلبية) عليه.  فإذ اقتطف الكروم والرومان؛ ثمار النعمة، اشتم فيها رائحة الأمجاد، أو قل:  رأى من تعب نفسه، وشبع.  فحملته، هذه البركات، ليجد نفسه، بين مركبات قوم شريف (6: 11)

وهذا هو فكر الإنجيل، (ا) فالروح الوديع الهاديء، كثير الثمن في نظر الله (1بط3: 4)وهو زينة وجمال شعبه.  (ب) وكل نعم الله هي في وادي الاتضاع؛ فالمتواضعون يعطيهم نعمة (1بط5: 6)ولا نعمة، ولا زينة، للمتكبرين. (ج) والقلوب المنتدبة، المكرسة (مركبات القوم الشريف)، والملآنة بثمار النعمة، تحمل رب المجد إلى الأمجاد.  إذ يرى فيها، له المجد، رائحة السماء ومناخها العطر.  كما يرى لمحة من التتميم النهائي للمشيئة الإلهية، فتحمله إلى بيت الآب مصدرها.  أليس هذا نفس ما حدث،   يوم طلب اليونانيون رؤيته؟! فارتفعت روحه للمجد، مصليًا للآب "مجد اسمك" (يو12: 20 – 28).  وإذ أنعشه قائد المئة الأممي بإيمانه العظيم استطاع أن يرى باكورة الأمم الداخلين للملك "وكثيرون سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب" (مت8: 10، 11).

وللحديث بقية

                                                                                                                                                                                  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com