عدد رقم 5 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أبْطَال وأفْعَال ... ودروسٌ للأجْيَال (16)  

(قراءة في أبْطَال داود)

(2صم23؛ 1أخ11، 12)

تحدثنا فيما سبق عن بعض الصفات والسمات الأدبية التي يتشارك فيها أبطال داود، وعن مقاييس البطولة الروحية الصحيحة، ونواصل في هذا العدد حديثنا عن:

سادس عشر: الأبطال الروحيون والسلوك بلياقة وبحسب ترتيب (1أخ12: 33):

ففي 1 أخبار 12: 33 نقرأ:

«مِنْ زَبُولُونَ الْخَارِجُونَ لِلْقِتَالِ الْمُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ بِجَمِيعِ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ خَمْسُونَ أَلْفًا، وَلِلاِصْطِفَافِ مِنْ دُونِ خِلاَفٍ».

وفي ترجمة داربي، ترد هذه الآية على النحو التالي:

«Of Zebulun, such as went forth in the host, armed for war with all weapons of war, fifty thousand, keeping rank without double heart».

وهكذا يتناول السجل الإلهي رِجَال زَبُولُونَ ويصفهم بصفتين رائعتين:

(1) أنهم «الْمُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ» (armed for war with all weapons of war).

(2) أنهم كانوا «لِلاِصْطِفَافِ مِنْ دُونِ خِلاَفٍ» (keeping rank without double heart).   لقد كانوا يؤازرون بعضهم ويحفظون ترتيب صفوفهم، ولا يعمل أحد بأسلوب مستقل، إذ أنهم متحققون بأن قوتهم في وحدتهم، بالإضافة إلى ذلك فلم تكن قلوبهم مجزأة، وعواطفهم كانت غير منقسمة.  وأَليس هذا سببًا غالبًا في هزيمتنا: القلب المتأرجح بين العالم والمسيح، بين مسراتنا ومباهجنا الحاضرة، وتفرد خدمة الرب يسوع المسيح؟

أولاً: «الْمُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ» ... لقد قيل عن شعب الله عندما خرجوا من أرض مصر «وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُتَجَهِّزِينَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (خر13: 18). 

وكلمة «مُتَجَهِّزِينَ» تعني في صفوف منتظمة“ (In Orderly Ranks)، أو ”بنسق عسكري“(In Martial Array) ، أو ”متسلحين متأهبين للقتال“(In Battle Order)

أو متجهزين للحرب أو متمنطقين، وتُقرأ مُخمَّسين أي في طابور خُماسي.

(Arrayed By Fives or Five In A Rank Or Girded).

فالتخبط في ترتيب الصفوف ليس فقط يُفسد مظهر مسيرة الجيش، ولكن الأكثر خطورة أنه يُدمر فاعلية الجيش.  وفي سياق الحديث عن الكنيسة في العهد الجديد، فإن الذين يشقون ويُفسدون الصفوف يجب أن يُنذروا «أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ» (1تس5: 14).  وكلمة «بِلاَ تَرْتِيبٍ (Unruly)» تتضمن في ذاتها مفهوم ”كسر الصفوف“.  وقد استُخدِمت مرتين في رسالة تسالونيكي الثانية (2تس3: 6، 11)، ويُستدل من ذلك أن البعض في تسالونيكي كانوا يكسرون الترتيب، إذ كانوا عاطلين ولا يشتغلون شيئًا، وفضوليين منشغلين بأمور الآخرين.  وهذا لطخ الشهادة في تلك المدينة، وأفسد فاعليتها في الخدمة.

فيا ليتنا نكون مثل رِجَال زَبُولُونَ الذين كانت لهم القدرة على حفظ النظام والترتيب.  وليس هناك أي خطأ في مراعاة الالتزام بالنظام ما دام هذا الالتزام كتابيًا.  أما الأنشطة التي لا تلتزم بالتعليم الصحيح، سواء كانت شخصية أو كانت كنسية، فهي تُغذي روح الاستقلالية فقط، ولا تفيد شيئًا فيما يتعلق بالشهادة لله.

لقد كان الرسول بولس رجلاً سلك بترتيب، وقال للتسالونيكيين «لأَنَّنَا لَمْ نَسْلُكْ بِلاَ تَرْتِيبٍ بَيْنَكُمْ (we have not walked disorderly among you)»، ولهذا استطاع أن يقول أيضًا: «أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يُتَمَثَّلَ بِنَا» (2تس3: 7)، وأيضًا «لِكَيْ نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً حَتَّى تَتَمَثَّلُوا بِنَا» (2تس3: 9).

ثانيًا: أما عن العبارة «مِنْ دُونِ خِلاَفٍ»، فإنها - كما سبقت الإشارة – ترد في ترجمة داربي ”بدون قلبين(without double heart) “ أو ”بلا قلب وقلب“.  ووردت في الترجمة التفسيرية: ”مُخْلِصين“. 

إن السمة المُميّزة لموحِّدي القلب والفكر هي الولاء والتكريس، أما ”الشِفَاه المَلِقَة“ فهي بضاعة أصحاب القلوب المُجزأة المُوَّزعة المنقسمة «يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ صَاحِبِهِ، بِشِفَاهٍ مَلِقَةٍ، بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ يَتَكَلَّمُونَ» (مز12: 2).  ولكن رِجَال زَبُولُونَ لم يُحاولوا أن يتملقوا شاول أو يُداهنوه ويُجاملوه، فينحازون إليه ثم يتحببون لداود ليستدروا رضاه، فالوقوف عند مفارق الطرق ليس طريقهم.  والحفاظ على الاختيارات المفتوحة لم يكن قط في اعتبارهم.  ولم تكن لديهم الخطة البديلة الاحتياطية.  كلا!  لقد كانوا ملتزمين تمامًا نحو داود.

وبنفس الطريقة المماثلة يطلب الله أيضًا المشاعر غير الموَّزعة لشعبه.  «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خر20: 3).  والسامريون الذين جُلبوا إلى الأرض حاولوا أن يُظهروا التوقير لكل الآلهة إذ «كَانُوا يَتَّقُونَ الرَّبَّ وَيَعْبُدُونَ آلِهتَهُمْ كَعَادَةِ الأُمَمِ الَّذِينَ سَبُوهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ» (2مل17: 33)، وهذا النوع من الترتيبات لا يُرضي الله على الإطلاق.  والله والمال لا يُخدَمان سويًا (مت6: 24)، «وَأَيُّ اتِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟» (2كو6: 15)، «مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ» (يع4: 4).  والله يطلب ولاءً كاملاً.  وهو يسألنا مثلما سأل يَاهُو بْنُ نِمْشِي، يَهُونَادَابَ بْنَ رَكَابٍ: «هَلْ قَلْبُكَ مُسْتَقِيمٌ نَظِيرُ قَلْبِي مَعَ قَلْبِكَ؟» (2مل10: 15).

يا ليتنا يصدق عنا القول إننا ”مُخْلِصين“، «مِنْ دُونِ خِلاَفٍ»، أو بعبارة أخرى ”ليس لنا قلبان“ أو ”بدون قلبين“ أو ”بلا قلب وقلب“ «لِنَتَقَدَّمْ «بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ» (عب10: 22).     

لا يَكُنْ فِي قَلْبِي شَرِيك ٌ لَكَ
وَلْيُكَرَّسْ قَلْبِي لِيَشْبِعْ قَلْبُكَ

 

لَكَ كُلُّ قَلْبِي لَكَ وَحْدَكَ
فَكُلُّ شَهْوَتِي فِي مَجْدِكَ

   سابع عشر: الأبطال الروحيون وخبراتهم الروحية (1أخ12: 34):

في 1 أخبار 12: 34 نقرأ عن الذين جاءوا إلى داود من سبط نَفْتَالِي «وَمِنْ نَفْتَالِي أَلْفُ رَئِيسٍ وَمَعَهُمْ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُونَ أَلْفًا بِالأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ».  ويبدو أن سبط نَفْتَالِي كانت لديه وفرة من الرِجال ذوي الصفات القيادية، لأنه وصل منه إلى داود، إلى حبرون «أَلْفُ رَئِيسٍ (قائد (Captains»، «وَمَعَهُمْ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُونَ أَلْفًا».  وقد سُجِلَ عنهم، وعن آخرين أيضًا، أنهم جاءوا «بِالأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ».  وكان لديهم الحس بأن يعرفوا أنه لم يكن من المتوقع أن يَقْدِر داود أن يُزوِّد هذه الأعداد من المجندين، سوى بأقل القليل من العتاد الحربي، ولذلك أتوَّا مُزوَّدين بأسلحتهم.  وبالنسبة لما يخص المؤمن الآن، فإننا لسنا نتوَّقع أن نوفر مواردنا للصراع الروحي، لأن الله له ترسانة أسلحة مُجهّزة لنا، يصفها لنا الكتاب المقدس باعتبارها أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا «أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ» (2كو10: 4).  ونحن لدينا أسلحة للمحاربة ضد أعدائنا الثلاثة:

(1) في مواجهة الجسد نلبس أسلحة النور (رو13: 12).

(2) في مواجهة العالم نحمل سلاح البر (2كو6: 7).

(3) في مواجهة الشيطان وأجناد الشر الروحية نلبس سلاح الله الكامل (أف6: 11).

ثم في 1 أخبار 12: 35، 36 نقرأ:

«وَمِنَ الدَّانِيِّينَ مُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَسِتُّ مِئَةٍ.  وَمِنْ أَشِيرَ الْخَارِجُونَ لِلْجَيْشِ لأَجْلِ الاِصْطِفَافِ لِلْحَرْبِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا».

والإشارة إلى «الاِصْطِفَافِ لِلْحَرْبِ» في هذين العددين، تُرجمت ”ذوو خبرة في الحرب (Expert In War)، وفي ترجمة أخرى ”مستعدون للحرب“ أو ”جاهزون للحرب“(Prepared for battle)

ولم يُذكر شيء عن سبط دَان سوى القوة العددية الكبيرة التي أرسلها (ع35)، وأنهم كانوا ذوي خبرة في الحرب.  والدرس الذي يُرسم أمامنا بالفعل هو عن الاحتياج الضروري للمؤمن أن يتدرب وأن يكون منضبطًا في الأمور المتعلّقة بالحرب الروحية.  

أما ما ذُكر عن سبط أَشِير فهو قليل للغاية، ولعلها فرصة إلى لفت الانتباه إلى العبارة التي وردت في بعض الترجمات عن أنهم ”ذو خبرة في الحرب (ع36).  وبالاتساق مع هذا الأصحاح، فالعبارة تعطي معنى التعبير ”ينتظمون في المعركة في نسق مرتب“، وهذا يعني أن هؤلاء الرِجِال يعرفون كيف يحركون قواتهم ومواردهم باجتهاد، ليتفوقوا على مناورات العدو بأقصى ما يُتاح لهم من مميزات وموارد ومصادر.

وبالنسبة لأيامنا هذه فإن روح الله في سيادته لا يُعطي فقط المواهب الروحية (1كو12: 11)، ولكنه أيضًا يُوَّجه استخدامها (أع13: 1-3).  ومن ناحيتنا يجب أن نكون مُميِّزين وحساسين نحو قيادته وإرشاده، وأن نعرف حسنًا كيف ننتظم في المعركة في نسق مرتب.

لقد تخلى بنهدد ملك آرام عن مسؤوليته من هذه الناحية، واهتم بشرب الخمر والسكر في الخيام، أكثر من اهتمامه بالحرب، تاركًا لعبيده مسؤولية الاصطفاف (1مل20: 12-21)، ولذلك فلا غرابة أنه باء بالهزيمة في ذلك اليوم.  فيا ليتنا نكون متيقظين، وأن نستخدم الاستراتيجيات الكتابية المحسوبة لنحرز الانتصارات في أرض العدو.  

قِفْ بِجِوَارِ الصَّلِيبْ
سَنَغْلِبُ عَنْ قَرِيبْ
قِفْ حَتَّى يَرْجِعَ رَبُّكَ
مِنْ شَفَتَيْهِ سَتَسْمَعُ

 

أَيُّهَا الْجُنْدِيّْ الْجَبَّارْ
وَنَرْجِعُ بِالانْتِصَارْ
يَجِدْكَ غَالِبًا
كَفَاكَ قِتَالاً مُتْعِبًا

                                                                             (يتبع)

                                                                                             

         

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com