عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أبْطَال وأفْعَال ... ودروسٌ للأجْيَال (14)  

(قراءة في أبْطَال داود)  (2صم23؛ 1أخ11، 12) 

تحدثنا فيما سبق عن بعض الصفات الأدبية التي يتشارك فيها أبطال داود، وعن مقاييس البطولة الروحية الصحيحة، ونواصل في هذا العدد حديثنا عن:

ثالث عشر: الأبطال الروحيون واقتران السجود والعبادة بالجهاد والحرب من أجل مسيح الرب (1أخ12: 19-22):

إننا نقرأ في ع26-28 عن بَنِي لاَوِي:            

«مِنْ بَنِي لاَوِي أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مِئَةٍ.  وَيَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهَارُونِيِّينَ وَمَعَهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ.  وَصَادُوقُ غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ وَبَيْتُ أَبِيهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قَائِدًا» (1أخ12: 26-28).

لاَوِي هو الابن الثالث ليعقوب من زوجته ”لَيْئَة“، ومعنى اسمه ”اقتران.  وقد اكتسب لاَوِي شهرة بأنه خصم عنيف لا يرحم نتيجة لما فعله هو وأخوه ”شَمْعُونَ عندما قتلا كل رجال مدينة شَكِيم، ثائرين لأختهما دِينَة (تك34: 25-31؛ 49: 5-7).  ولكن في خروج 32: 25-29 يُرى لاَوِي حاملاً سيفه على جنبه مرة أخرى، ولكنه – يا للعجب – لغرض آخر، ولسبب يختلف اختلافًا كليًا عن الماضي.  فليس هو الآن في حالة الغضب والإرادة الذاتية، يقتل إنسانًا لاعتبارات كرامته الشخصية، ولكنه في غيرة مقدسة واهتمام لاعتبارات مجد الله الذي أُهين بسبب خطية الشعب الذي عبد العجل الذهبي.  وعندما «وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ الْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ! ... اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي».  لقد أظهر لاَوِي طاعة قلب بسيطة، ومع أن ذلك قد يؤدي إلى قتل أخ أو ابن أو صاحب - وهو ما قد حدث بالفعل – إلا أن لاَوِي لا يهمه، ذلك لأن الأمر الإلهي هو «امْلأوا أَيْدِيَكُمُ الْيَوْمَ لِلرَّبِّ (أي كرَّسُوا أنفُسكم)، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِابْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً».  وهذا كان كافيًا للاَوِي. ولاَوِي فقط هو الذي لبى الدعوة، ولهذا نال البركة.

ومع أن لاَوِي بحسب الطبيعة كان قاسيًا ووحشيًا، وغير أهل مطلقًا لخدمة الرب والشركة معه، لكننا نراه – بعد أن استلمته النعمة – وقد أصبح المُتقدِّم في الغيرة والدفاع عن اسم الله القدوس وعبادته، ضد أولئك الذين «أَبْدَلُوا مَجْدَهُمْ بِمِثَالِ ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ» (مز106: 20).  وهكذا لا يُرى لاَوِي ”مُقترنًا“ مع أخيه ”شَمْعُونَ“ في إعداد عملية سفك دماء، كما في أيام شره (تك34).  وفي خروج 32 ها أمامنا بداءة مشهد جديد، إذ نراه ”مُقترنًا“ مع الرب وعبده موسى، لتوقيع القضاء العادل على العبادة الوثنية.  لقد كان هو وحده الذي لبى الدعوة «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ!»، ولهذا نال البركة.  لقد انتصر للرب في يوم اشتد ظلامه وعظم شره، ولذلك أكرمه الرب واختصه بعهد الكهنوت، وأصبح في مكان القرب العجيب، حيث يقول موسى عنه:

«وَلِلاوِي قَال: تُمِّيمُكَ وَأُورِيمُكَ لِرَجُلِكَ الصِّدِّيقِ ... الذِي قَال عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ: لمْ أَرَهُمَا، وَبِإِخْوَتِهِ لمْ يَعْتَرِفْ، وَأَوْلادَهُ لمْ يَعْرِفْ، بَل حَفِظُوا كَلامَكَ وَصَانُوا عَهْدَكَ.  يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيل نَامُوسَكَ.  يَضَعُونَ بَخُورًا فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلى مَذْبَحِكَ.  بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ، وَارْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.  احْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ وَمُبْغِضِيهِ حَتَّى لا يَقُومُوا» (تث33: 8-11).   

لقد كافأه الرب بعهد الكهنوت.  ومن خروج 32 فصاعدًا، إذ نتتبع خطوات لاَوِي، سنجد بدلاً من الإسراع في سفك الدم، الإسراع في تتبع تحركات السحابة، والإسراع في إقامة خيمة الاجتماع. 

وعندما اعتلى داود العرش في حبرون، يبدو أن شيئًا عجيبًا قد حدث نحو اللاويين، متضمنًا العائلة الكهنوتية، وهو أنهم كانوا مستعدين لحمل السلاح مرة أخرى، لمناصرة داود، وتحويل مملكة شاول إليه.  وقد قرنوا دور العابد الساجد بدور المُحارب المُجاهد، وهو ما يجب أن يتميز به أيضًا كل مؤمني عهد النعمة.  ولا يمكن أن تكون هناك خدمة حقيقية بدون السجود والعبادة.  والجهاد الروحي، بدون سجود حقيقي وعبادة صحيحة، هو جهاد غير مُعبِّر عن ذلك الشخص الذي نخدمه؛ هي حروب مستمدة مادتها من الجسد ليس إلا، ومهما حاولنا تجميلها، فهي أبدًا لن تكون فعالة.  فيا ليتنا نتحذر من اندفاعنا إلى خدمة غير مؤسسة ومُدعّمة بسجود حقيقي.     

ويُذكر هنا رجلان بالتحديد: يَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهَارُونِيِّينَ، وَصَادُوقُ غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ.  ونستطيع أن نرى فيهما صورة لأحد الآباء في العائلة الكهنوتية، يرافقه أحد الأحداث.  ونحن المؤمنين نتعلَّم أفضل دروسنا من الله بطرق متعددة؛ مِن دراسة الكتاب المقدس، ومن الوعظ ومن التعليم، ومن الخدمة المكتوبة، ومن الصلاة، إلا أن الرب أحيانًا يمنحنا إخوة أو أخوات متقدمين، يُمكننا التدريب تحت إرشادهم، إلا أنه تدريب ليس لوظيفة، بل لتلمذتنا لنصير مؤمنين ناضجين.  فليس دائمًا يكون المؤمن الحديث له التمييز والبصيرة الحادة (خر32: 17، 18).  فثمة دروس مفيدة يمكن تعلّمها من رفقة مؤمن حكيم متقدم في الأيام.  وما أروع أن الكبير يأخذ بيد الصغير!  هذا ما فعله موسى مع يشوع، وإيليا مع أليشع، وبرنابا مع بولس ومع مرقس، وما فعله بولس مع تيموثاوس.  فيجب علينا أن نشكر الله على المُرشدين، ونتعلَّم منهم.  ويُعطينا تيطس 2: 1-8 بعض التحريضات المفيدة؛ فمن ينطبق علية شروط المؤمنين الشيوخ يُمكنه أن يكون مرشدًا بالنسبة للأحداث.

(1)    يَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهَارُونِيِّينَ، كان كاهنًا (1أخ27: 5).  والاسم ”يَهُويَادَاعُ“ معناه ”مَنْ يعرفه يهوه“ أو ”الله يعرفه“.  ويقترن اسم ”يَهُويَادَاعُ“ غالبًا باسم ابنه ”بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ“[1]، أحد أبطال داود الشديدي البأس، الذي قتل أسدًا في عرينه في يوم ثلج (1أخ11: 22-25؛ 2صم23: 20-23)، والذي جعله داود ”عَلَى الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ“ (2صم8: 18؛ 20: 23).  وقد كان لـــــ”بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ“ مِن رفعة الشأن ما مكنه من الاشتراك في مسح سليمان وتتويجه فِي جِيحُونَ (1مل1: 32-38).  وقد خدم أيضًا في أيام سليمان (1مل4: 4).     

(2)    صَادُوقُ غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ.  والاسم ”صَادُوقُ“ معناه عادل أو بار.  وهو على الأرجح صَادُوقُ بْنُ أَخِيطُوبَ مِنْ بَنِي أَلِعَازَارَ بْنُ هَارُونَ (1أخ24: 3؛ 6: 8؛ 2صم8: 17).  وكان أحد الكاهنين العظيمين في أيام داود، وكان أَبِيَاثَارُ بْنِ أَخِيطُوبَ – الذي يُسمى أيضًا أَخِيمَالِكَ بْنِ أَخِيطُوبَ – هو الكاهن الآخر (1صم22: 6-23)[2].  وقد نجا أَبِيَاثَارُ (أَخِيمَالِكَ) بْنِ أَخِيطُوبَ من مذبحة الكهنة في نوب، وذهب إلى داود ومعه الأفود، وكان في ذلك دعمًا لداود.  وفي أثناء فتنة أبشالوم، هربا مع داود من أورشليم، وهما يحملان تابوت العهد، ولكن داود طلب منهما أن يُرجعا التابوت إلى أورشليم، ويُقيما هناك حتى تنتهي الثورة (2صم15: 24-29).  وبعد موت أبشالوم، أرسل داود إليهما طالبًا أن يقنعا شيوخ يهوذا بإرجاعه إلى الحكم (2صم19: 11).

ولما شاخ داود، وأراد أَدُونِيَّا أن يغتصب المُلك، بقىَ صَادُوقُ وفيًا وأمينًا لداود، ولكن رفيقه أَبِيَاثَارُ تآمر مع أَدُونِيَّا على أخذ المُلك له (1مل1: 7، 8).  ولما كُشفت المؤامرة، أمر داود ”صَادُوقَ الْكَاهِنَ وَنَاثَانَ النَّبِيَّ“ أن يمسحا سليمان ملكًا على إسرائيل.  وأمر داود ”بَنَايَاهُوَ بْنَ يَهُويَادَاعَ“ أن يكون معهما لتتميم هذه المهمة (1مل1: 32-45)، «وَطَرَدَ سُلَيْمَانُ أَبِيَاثَارَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاهِنًا لِلرَّبِّ، لإِتْمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى بَيْتِ عَالِي فِي شِيلُوهَ» (1مل2: 26، 27، 35؛ 4: 4).  وبقيَّ صَادُوقُ وحده الكاهن العظيم حتى وفاته في أيام سليمان، وهكذا عادت كرامة الكاهن العظيم إلى سلالة أَلِعَازَارَ.

وفي 1 أخبار 12: 28 يُوصف ”صَادُوق“ بأنه «غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ».  والوصف «غُلاَمٌ (Young Man)» يعني – حرفيًا – في ريعان الشباب، أو في زهوة العمر.  ولكن المعنى الأدبي والروحي يصف الفتيان أو الغلمان أو الأحداث الذين يملكون طاقات روحية، وبصفة خاصة الذين تُميزهم القوة والطاقة الروحية في معرفة كلمة الله (خر33: 11؛ را2: 9)، وهو ما يُذكّرنا بكلام الرسول يوحنا «أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ ... كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ» (1يو2: 13، 14).    

لقد كرَّس صَادُوقُ شبابه لمناصرة الأمور المتعلّقة بداود، وفي فترة لاحقة من حياته – في أيام سليمان – شغل وظيفة رئيس الكهنة، وتشرَّف بأن أصبح أول رئيس كهنة في بيت الرب الذي أقامه سليمان.

ليت قارئي الشاب أن يتخذ القرار بأن يكون ملتزمًا نحو الرب يسوع المسيح، مثلما كان صَادُوقُ نحو داود.  ومن ثم – بلا شك – أنه عندما يسلك بعد ذلك في طريق الحياة، سيُشارك في شرف المسؤولية في خدمة الرب.  ويا ليت هذا النموذج ينطبع على حياة المؤمنين الأحداث في عائلة الله، في يومنا هذا!     

وكان ابن صَادُوق هو أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ“.  وقد بقيَّ أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ وَيُونَاثَانُ بْنُ أَبِيَاثَارَ في أورشليم أثناء عصيان أبشالوم على أبيه داود.  وكانا يعملان على إبلاغ داود بخطط أبشالوم (2صم15: 27، 36؛ 17: 21).  وبناءً على طلبه، كان ”أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ“ أول مَنْ أخبر داود بهزيمة أبشالوم ونهاية الثورة (2صم18: 19-30).  ويُظن أن ”أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ“ كان وكيلاً لسليمان في ”نَفْتَالِي“ «وَهُوَ أَيْضًا أَخَذَ بَاسِمَةَ بِنْتَ سُلَيْمَانَ امْرَأَةً» (1مل4: 15).

ومما يلفت النظر التأثير الأدبي التقوي المؤثر للآباء الأتقياء على الأبناء، سواء في حالة صَادُوق وابنه أَخِيمَعَصُ، أو في حالة يَهُويَادَاعُ وابنه بَنَايَاهُو.  إن أولادنا يجب أن يدركوا أننا للمسيح.  ويجب أن يروا فينا قبل غيرهم، الثمار الجميلة التي للحياة المسيحية، وأننا منفصلون عن كل أشكال الشر، وعن مختلف أشكال الخطية، سالكين في القداسة العملية، وأننا ننمو في مُشابهتنا للرب يسوع المسيح، وأننا نحيا الحياة المسيحية الصحيحة التي هي عبارة عن إظهار حياة المسيح التي وصلتنا بقوة الروح القدس بناءً على مشورة الله الأزلية الصالحة بالنعمة.  وبالتأكيد - والحالة هكذا - أنه ستنشأ تدريبات قلبية عميقة يُجريها الروح القدس داخل أولادنا، وهذا يُنتِج عُمقًا في الفكر، ووداعة في الروح، وجوعًا وعطشًا إلى قداسة القلب والحياة، والانفصال الكُلي عن العالم؛ يُنتج سهرًا كاملاً على النفس والأفكار والكلمات وجميع التصرفات في حياته اليومية.  وبالاختصار يقود إلى نوع من الحياة يختلف كل الاختلاف عما نراه في العالم من حولنا.

                                                                            (يتبع)

                 


[1] سيأتي الحديث عن ”بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ“ بالتفصيل فيما بعد، إن شاء الرب وعشنا.

[2] لأجل بعض الأسباب كانت رئاسة الكهنوت قد انتقلت من بيت أَلِعَازَارَ بن هَارُون إلى بيت إِيثَامَارَ بن هَارُون (ولكننا لا نعلم متى وكيف حدث هذا).  وقد كان عَالِي الكاهن من بيت ِإِيثَامَار.  وقد تكلَّم الرب بأن الكهنوت سيعود مرة أخرى إلى أَلِعَازَارَ.  وقد تمت الكلمات المذكورة في 1صموئيل 2: 35 في صَادُوق الكاهن (1مل2: 27، 35).  وكان داود قد أسند وظيفة الكهنوت إلى أَبِيَاثَارَ (من نسل عَالِي)، وصَادُوق من نسل َأَلِعَازَارَ.  ولكن سليمان طرد أَبِيَاثَارَ من الكهنوت، وبقي صَادُوق ونسله في خدمة الكهنوت حتى وقت السبي.  ولكن الوعد المذكور في 1صموئيل 2: 35 «وَأُقِيمُ لِنَفْسِي كَاهِنًا أَمِينًا يَعْمَلُ حَسَبَ مَا بِقَلْبِي وَنَفْسِي، وَأَبْنِي لَهُ بَيْتًا أَمِينًا فَيَسِيرُ أَمَامَ مَسِيحِي كُلَّ الأَيَّامِ»، والذي تمَّ جزئيًا في صَادُوق الكاهن (2صم8: 17)، سيتم كليًا في ذاك المجيد المعروف عنه أنه كاهن وملك؛ إنه ربنا يسوع المسيح.        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com