عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تأملات في رسالة تيموثاوس الثانية (3)  


تابع المقدمة

   لقد فهمنا من المقال السابق أن السلطان الرسولي هو سلطان استثنائي أعطاه المسيح للرسل، ثم فوَّض الرسول بولس تيموثاوس وتيطس لينوبا عنه مانحًا لهما ذات سلطانه.  كما قد فهمنا أن ما دعا لوجود مثل هذا السلطان هو انضمام المؤمنين من اليهود مع أولئك الذين من الأمم إلى جسد واحد.  ولما كان نظام العهد القديم المتعلق بمقاصد وسياسات الله نحو الأرض يمنح تميزًا لليهود عن الأمم، ولما كانت الكنيسة لا تتعلق بكل ما هو أرضي لكونها كيان سماوي، فكان لا يمكن أن يعتمد الله على كنيسته لتفصل في القضايا الناشئة عن هذا الاختلاف بين تدبيري الناموس والنعمة، ذلك لأن الكتاب لم يكن قد اكتمل بعد، فعمد الله إلى إيجاد السلطان الرسولي بشكل استثنائي حتى تستقر الأوضاع في الكنيسة ويتثبت لدى الجميع الحق المختص بتساوي المؤمنين من اليهود مع المؤمنين من الأمم، ثم تبدأ الكنيسة في ممارسة سلطانها في الحل والربط الذي سبق ومنحها المسيح إياه في (مت18) للفصل في قضاياها الداخلية.  ولقد كانت رسالة تيموثاوس الأولى هي التي بموجبها منح الرسول بولس السلطان لتيموثاوس ليدير ويحكم الأمور في كنيسة أفسس بشكل استثنائي حتى تستقر الأمور كما فهمنا، إلى هذه النقطة انتهينا في مقالنا السابق.

الحالة الروحية للكنيسة في رسالة تيموثاوس الثانية

   إن ما دعانا لتسليط الضوء على مسألة السلطان الرسولي في رسالة تيموثاوس الأولى، هو أننا ينبغي أن نفهم رسالة تيموثاوس الثانية في ضوء الحقائق السابق ذكرها.

   فمع أننا نجد أن الأوضاع في كنيسة أفسس وغيرها من الكنائس في ذلك الوقت تحتاج إلى الكثير من الأحكام الرادعة (2تي2: 18-16)، والتي كان من المفترض أن يستخدم الرسول بولس السلطان الرسولي للفصل فيها، أو يفوض تيموثاوس لذلك، ومع أن بعضًا من القضايا المثارة وقتها كانت بسبب الارتداد عن تعليم الرسول بولس، وهو على أغلب الظن ما يتعلق بعدم الحاجة لأعمال الناموس للحصول على الخلاص، وهي قضية كانت محورية آنذاك، وبطبيعة الحال هي ناشئة عن خلط الناموس بالنعمة ومشكلة التهود.  إلا أننا لا نجد الرسول بولس يطلب من تيموثاوس أن يستخدم السلطان الرسولي الممنوح له للحكم في هذه الأمور، ترى ما هو السبب وراء ذلك؟

   كانت الحاجة تظهر لاستخدام السلطان الرسولي متى توفر الإخلاص لدى المؤمنين، أو على الأقل متى كان سبب المشكلة عدم قدرة البعض على تمييز الاختلاف بين تدبيري الناموس والنعمة.  فمثلاً في (أع21:  20- 22) نجد أن الإخلاص والغيرة للناموس تسببا في اتهام بولس بما ليس فيه، لكن في كنيسة أفسس، حيث خدمة تيموثاوس، كانت المشكلة هي عدم الفهم والتمييز (1تي1: 6- 8).  وأحيانًا تكون المشكلة مزدوجة، فتجد الإخلاص مع عدم الفهم.  والحقيقة إن الرب يقف في صف المخلص حتى لو أنه غير مميز، لا أعني أنه يصادق على ما يفعل، لكنه سيساعده حتى يقبل الحق ويصحح مساره، لكن المشكلة في رسالة تيموثاوس الثانية لم يكن لها هذا الطابع على الإطلاق.

   إننا نقرأ في هذه الرسالة عن أشخاص لهم مسؤوليات كبيرة في الكنيسة ومع ذلك أخذوا مواقف مضادة من بولس وتعليمه.  فإنه حين يذكر أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عنه، يذكر اسم شخصين مما يبدو أن لهما ثقلاً في الكنيسة، وهما فيجلس وهرموجانس (2تي1: 15).  كما أنه في خاتمة الرسالة يشير إلى شخص آخر وهو إسكندر النحاس (2تي4: 14).  إذًا كان الأشخاص الذين يحملون مسؤوليات كبيرة في الكنيسة ولهم تأثيرهم على حال الجماعة، هم أنفسهم من يتزعمون حملة الهجوم على تعليم بولس بل وعدم إعطاؤه التقدير الواجب كرسول المسيح.  وإننا نتعلم من خطابات الرب يسوع للكنائس السبع في سفر الرؤيا أن حالة ملاك الكنيسة (الأشخاص الذين لهم تأثير على الكنيسة بموجب مسؤولياتهم الكبيرة) تؤثر بالتبعية على حالة الكنيسة ككل.

   وهنا يجب أن نتذكر أننا نتكلم بصفة خاصة عن كنيسة أفسس التي كان تيموثاوس يخدم الرب فيها، تلك الكنيسة التي سبق للرسول قبل كتابته لتلك الرسالة أن استدعى قسوسها وأخبرهم أن منهم سيقوم من سيتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم (أع20: 30).  وعليه فإن سؤالاً هامًّا يطرح نفسه الآن: هل انجذاب قطيع الرب وراء أشخاص بعينهم هو مسؤولية هؤلاء الأشخاص، أم مسؤولية قطيع الرب، أم مسؤولية الاثنين معًا؟

   وللإجابة نقول: إن الرسول في خطابه لقسوس كنيسة أفسس في (أع20) حمَّلهم مسؤولية ذلك، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه ينفي المسؤولية عن قطيع الرب.  لأنه من الطبيعي أن يشير فقط إلى مسؤولية القسوس لأنه كان يخاطبهم وحدهم في هذا الموقف.  لكننا لا ننسى في هذا السياق كلام الرب يسوع نفسه عن خرافه وكونها قادرة - بسبب الحياة التي فيها - على تمييز صوت الراعي من صوت الغرباء حتى لا تنقاد لغيره (يو10: 5،4).  لذا فعندما ينجذب القطيع لآخر غير المسيح فهذه أيضًا مسؤولية القطيع.

   بُناءً على كل ما سبق، فإننا لسنا أمام حالة إخلاص مع عدم الفهم والتمييز تُلزم الرب بالوقوف في صف المجموع من شعبه، لكننا أمام حالة رعاة موكلين من السيد على خدمة القطيع لم يكونوا أمناء نحو سيدهم.  وعدم الأمانة هذه ليست في تقصيرهم في خدمتهم له، لكن في قلوبهم الراغبة في أن يكونوا هم أنفسهم من تنجذب الرعية وراءهم.  كما أننا أمام حالة رعية لها القلب البارد نحو راعيها ورأسها ربنا يسوع المسيح، وانجذبت وراء آخر.  إذًا المشكلة تكمن في قلب بارد وليست في ذهن مشوش.

   ولهذا كان من الطبيعي أن ينسحب الرب من المشهد العام ويربط نفسه ببقية قليلة وسط المجموع يكون أهم ما يميزها أنهم يدعونه من قلب نقي (2تي2: 22)

   نعم لقد كانت هناك تعاليم خاطئة قبل أن تصل الحالة إلى ما وصلت إليه في هذه الرسالة.  لكنها كانت ناتجة عن تشويش الذهن بسبب عدم التمييز بين التدابير.  لكن الجسد، وهو يشتهي كل ما هو ضد الروح، فقد وجد في تلك التعاليم ما يشبعه، فوجد فيها مجالاً للتسلط، أو للإبهار وجذب الأنظار، أو طقوسًا جسدية تُسَكِّن الضمير.  ومع برود القلب صار التعليم الصحيح غير مقبول، ليس لأنه غير مفهوم، لكن لأنه غير مرغوب فيه، وبالطبع كانت أعماق القلوب مكشوفة لعيني ذلك الذي معه أمرنا.

   وعلى ذات القياس فإن التعليم الصحيح مهم، لكن أن تنادي بالتعليم الصحيح شيء، وأن يكون مغروسًا في قلبك، حاكمًا لضميرك وفكرك وسلوكك، شيء آخر.  إن الرب يريد قلوبًا نقية تحب الحق بكل جوانبه، وبصفة خاصة تعليم بولس، ذلك التعليم الذي يشطب على الإنسان في الجسد، سواء فيما يتعلق بالتبرير (رسالة رومية)، أو ما يتعلق بكنيسة الله (رسالة أفسس).  ثم بعد ذلك تظهر ثمرة نقاوتها هذه في تمسكها بالتعليم الصحيح أمام الآخرين.  إنه لا يريد مجرد تعليم صحيح ننادي به لنحفظ الشكل الخارجي للكنيسة، ذلك لأننا يجب ألا ننسى أنه لا يُشمَخ عليه.

   إن هذا المستوى هو ما يريده الرب، أن نسير وراءه وحده، ولا نعطي لأحد مكانه ومكانته، سواء رسميًّا أو حتى في قلوبنا.  إنه يريد أن يرانا نصبر معه لكي نملك أيضًا معه.  وبطبيعة الحال إن أنكرنا مركزه الذي أعطاه إياه الآب فإنه سينكرنا.  أما إذا لم ننكره وكنا وغير أمناء نحو حقوقه علينا، إذا صارت رخيصة في قلوبنا، فإنه سيتعامل معنا بالتأديب لأنه دائمًا سيبقى أمينًا لا يقدر أن ينكر نفسه.  وهذا ما سنراه لاحقًا إن شاء الرب.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com