عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تأملات في سفر النشيد (3)  

طابع الشركة في سفر النشيد

(تابع ما قبله)

   رأينا في المقال السابق طابع الشركة في سفر النشيد، وكيف أنها تحتاج إلى تدريب، ونادرًا ما يكون هذا لسان حال المؤمن في بداية طريقه مع الرب، حيث يكون مشغولاً بأسس العلاقة الصحيحة مع الله، وراحة الضمير من جهة غفران الخطايا.  فهو يقف أولاً عند مذبح النحاس قبل أن يتقدم ويدخل إلى القدس وقدس الأقداس.  كما رأينا دفء الشركة في أعماق العواطف الإلهية، حيث تُرى العروس في حضن حبيبها في بداية السفر ونهايته.  فهي تسند رأسها على شماله، وتتمتع بيمينه التي تعانقها، وتخرج من البرية مستندة على حبيبها.  ثم رأيناها شركة سرور ومحبة، حيث يمدح العريس عروسه بثلاث قصائد شعرية، معبرًا عن سوره بها.  وأخيرًا رأينا أنها شركة إيمان من جانب العروس، قانع بالسيد ومتمسك به، ولا يمكن أن يرخيه.  فهي مستعدة أن تطيعه وتذهب معه على الجبال، وتبيت معه في القرى، وهناك تعطيه حبها، وتعبر له عن ولائها وتكريسها.  فهي له جنة مغلقة وعين مقفلة وينبوع مختوم، وهي جنة رية ومليئة بالأثمار. 

ونواصل حديثنا عن طابع ومميزات الشركة في هذا السفر النفيس، فهي:

(4) شركة مُمَيزِة: والشركة الحقيقية مع العريس، لا بد تكون بفطنة روحية، وتمييز، وبصيرة.  وإلا لصارت مجرد حماس طبيعي.  وهذا ما فعلته العروس: (1) ففي بداية السفر تطلب قبلات فمه، فهي تتوق لشركة أعمق وعواطف أدفأ.  وأما في نهاية السفر، فنراها، بعد أن تمتعت بعواطفه، تريد أن تغمره هي بقبلاتها.  شهادة له أمام الجميع، معلنة أنه حبيبها وأنها حبيبته.  (2) كما نراها، بعد أن تمتعت بحضنه، مرة ومرتين، تغنت بمحبته، في نهاية السفر، بصورة أرقى بما لا يقاس، عما قالته في البداية.  ففي بداية السفر، تذكر حبه، وتصفه بأجود من الخمر.  أما في ص8، فتنشد قصيدة محبة، ما أروعها: «مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا.  إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا» (8: 7)، ما أجمله تمييزًا! وما أعمقها فطنة!  (3) وإذ صار لها ثديان كبرجين، في كمال البلوغ، أدركت، أنها في عيني حبيبها واجدة سلامة؛ نعمة وحظوة، ومدحًا (8: 10).  (4) وختامًا ما أجمل تمييزها لمجيء عريسها على جبال الأطياب (نش8: 14) أو قل: جبال الأمجاد؛ عند استعلان (ظهور) الرب يسوع المسيح للعالم أجمع. 

هذا ما اتبعته راعوث، يوم ميزت (1) نعمة بوعز، إذ طيب خاطرها، في حقله، وأجلسها على مائدته، وناولها بيده، وأوصى غلمانه بها، فوثقت راعوث به.  وأمكنها ببصيرتها الروحية أن تصدق أن جبار بأس بيت لحم، يمكنه تبني قضية واحدة مسكينة، ملتقطة لحصاد حقله.  وأنها بإمكانها الاقتراب الشديد منه.  ليجعلها له زوجة، وشريكة ثروته، وكرامته، وبانية بيته وسط إسرائيل.  فنزلت إلى البيدر بفطنة وطاعة لنعمي، وفعلت كما أمرتها به حماتها. 

(2) وإذ نزلت إلى البيدر، لتطلب شخصه، ميزت ما فعلت، بكل فطنة (را3).  فهجرت مكانها في الحقل كأقل من جواريه؛ وراء الحصادين (را2).  فإن كانت تطلب يده، فكيف تظل ربيبته (شحاذة)؟، فما نزلت ثانية للحقل.  وما أبرك ما فعلت!!  ليت لنا هذه الشركة المميزة علاقتنا مع عريسنا بفطنة وذكاء روحي.

 ثالثاً: ما ليس في النشيد

 (1) الهدوء في الشركة: وحتى بعد أن نُوجد في الأقداس، عادة ما خرجنا دون إذنه.  قال بوعز لراعوث: اضطجعي حتى الصباح؛ حتى نهاية ليل البرية.  ولم يسألها الانصراف من حضرته إطلاقًا.  ولكنها – كأي واحد منا- مسكينة، لم تهدأ، بل قامت باكرًا.  وهذا ما يحدث مع معظمنا، أن نخرج من أقداس الشركة؛ لمشغوليتنا بذواتنا أو بغيرنا.  وعدم هدوئنا في حضرته.  وهذا ما حدث في ص2 من سفر النشيد.  فبعد وجود العروس في حضن عريسها «شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي»، ورغم حرصها الشديد على هذه الأعماق؛ «أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحُقُولِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ» (2: 6، 7)، نجدها وقد قامت، وبعدت عنه، وها هو «يَتَطَلَّعُ مِنَ الْكُوَى، يُوَصْوِصُ مِنَ الشَّبَابِيكِ» (2: 9).  ليتنا نتعلم الهدوء الجليل في محضر القدير. 

(2) الخطية العلنية ومحطات التوبة:  في هذا السفر لا نجد خطية علنية في السلوك، لا صغائر ولا كبائر، ولا حتى مجرد خطأ قد ترسخ ليصبح عادة تحتاج للدموع والتوبة.  وأسوأ ما نجده واضحًا في هذا السفر هو تبلد في عواطف العروس وليس خطية علنية.  أو قل: مجرد كسل وضعف في الشركة.  يقينًا، هناك خطية فكرية، أو تلوث ذهني، أو سلوك خفي خاطئ غير ظاهر لأي إنسان، مما استلزم تأديبها عن طريق الحرس الطائف (5: 7).  فلولا وجود خطية، ليس بالضرورة علنية، ما لزم التأديب.  وإن كنا لا نعرف طبيعة خطيتها، لكن  نعرف اعترافها ببرودة عواطفها، وما له من طابع الصدق والشفافية في النور.  فقلبها للحضرة الإلهية حساس جدًا، وللشر يستكثر.

 

إن دفء شركة النشيد، حتى لو فتر، سريعًا ما يذيب برودة وثلوج الخطية.


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com