عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أبيجايل ونابال ودروس أدبية  

(1صم 25)

   أبيجايل كانت شخصية مُتميزة مولودة من الله تمتلك الطبيعة الجديدة.  ومعنى اسم أبيجايل (فرح الآب).  وكانت جيدة الفهم وجميلة الصورة.  وكانت تُقدِّر بعمق أمور الرب وشعب الرب ومسيح الرب (داود).  وتصوّروا معي لو كانت أبيجايل لا تمتلك تلك الطبيعة التي من الله، ماذا كان يمكن أن يكون حالها إزاء زوجها الشرير الذي يختلف عنها قلبًا وقالبًا؟ كان نابال إنسانًا طبيعيًا لا يمتلك تلك الطبيعة الجديدة مثلها، وانطبق عليه الوصف في سفر أيوب «أما الإنسان ففارغ عديم الفهم، وكجحش الفرا يولد الانسان» (أي11: 12).  ولو لم تمتلك أبيجايل الطبيعة الجديدة بالولادة الثانية لظلت تندب حظها البائس وبلوتها الثقيلة، إذ كيف تتوافق مع زوجها الأحمق الغبي الأناني القاسي ورديء الأعمال، والذي لا يُقدِّر أمور الرب؟ إن كليهما على طرفي النقيض في الفكر والرغبات والاهتمامات.  وهذا يشبه ما قاله بولس في رومية 7 «حينما أريد أن أفعل الحُسنى (بحسب رغبات الإنسان الجديد)، أجد الشر حاضرٌ عندي (الطبيعة القديمة برغباتها».  لكنها في ذات الوقت كانت تعرف أن هذا الشر ليس منها هي، وإنما من نابال (الذي يمثل الجسد في المؤمن).  فلست أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيَّ (نابال).

   لكن ما هوالحل لهذه المشكلة؟ وكيف تتخلص من نابال؟  لم يكن هناك حل لفك الارتباط بينها وبين زوجها سوى الموت.  إما أن تموت هي أو يموت هو.

   وفي العهد الجديد نجد أن الصورة مختلفة بعض الشيء، حيث أن الرسول يرسم هذه العلاقة الزوجية في ارتباطنا بالناموس وليس بالطبيعة القديمة الساقطة.  وعلى أية حال كان الناموس أيضًا سببًا لمعاناتنا وتعبنا، وهو يخاطب الإنسان في الجسد، ويضعه تحت التزام مطاليبه.  ولأن الإنسان عاجز وضعيف بالجسد لم يستطع تنفيذ هذه المطالب العادلة.  والمؤمن تحت الناموس - مثل أبيجايل- يعرف أن ما يعمله نابال سيسبب له ولأهل بيته تعبًا ومرارة.  فمع أنه لم يكن لأبيجايل ذنب فيما فعله نابال، لكنها كانت تعرف جيدًا حجم البلوى التي ستقع عليها وعلى بيتها بسبب تصرفه الأحمق.  هذه هي حالة الانسان المولود من الله.  فهو يدرك أن الطبيعة القديمة فيه مثلها مثل نابال، فهي دائمًا وأبدًا مصدر المشاكل ومصدر التعب والارتباك المستمر لضميره.  وكما ذكرنا، يُقدِّم لنا العهد الجديد حلاً لهذه المشكلة متمثلاً في موت أحد الطرفين.  في قصتنا هذه مات نابال، لكن في العهد الجديد نحن الذين متنا.  لذلك يقول في رو6 «إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضًا للخطية ... كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية» (رو6: 6 – 11).  وفي رو7 يقول « الناموس يسود على الإنسان ما دام حيًا ... أنتم أيضًا قد متّم للناموس بجسد المسيح، لكي تصيروا لآخر، للذي قد أُقيم من الأموات، لنثمر لله» (رو7: 1 – 4).  أي لكي ترتبطوا بشخصٍ آخر، وهذا ما حدث مع أبيجايل.  لقد انقطعت علاقتها مع نابال بالموت، وصارت لشخصٍ آخر هو داود.  ونحن قد ارتبطنا بداود الحقيقي، المسيح، الذي أُقيم من الأموات، لكي نثمر لله.

   ونلاحظ أن ذلك الارتباط بين أبيجايل ونابال والذي كان سببا في تعب أبيجايل، لم يقطعه ويفصله إلا دخول داود في المشهد.  دخول داود في المشهد هو الذي حدّد موقف الطرفين.

   قد يسأل أحدُنا "كيف أميّز بين عمل الروح القدس فيَّ، في الطبيعة الجديدة، من ميول الجسد فيَّ الذي يُمثله نابال؟"

  ونجيب على هذا السؤال بأنه عليك أن تميّز بين موقف كل من أبيجايل ونابال من جهة تقديره لداود.  إن وجدتَ داخلك عدم تقدير وعدم خضوع للمسيح، داودنا الحقيقي، فهذا من نابال أي من الجسد، وإذا وجدتَ تقديرًا وخضوعًا وحبًا للمسيح، كتقدير أبيجايل لداود، حتى أنها كانت راضية أن تقترن به وهو مرفوض، حتى لو كلّفها ذلك أن تترك بيتها وكل ما لها وتذهب معه إلى البريّة، فهي تحبه لشخصه وليس لكونه الملك الجالس على العرش، فهذا بالتأكيد من الروح القدس.

   لقد فعلتْ أبيجايل ما لم يفعله يوناثان.  ولقد سجّل الكتاب أن يوناثان أحبّ داود كنفسه، وقال عنه داود في رثائه له «محبتُك لي أعجب من محبة النساء»، وكان عنده الإيمان أن داود سيملك، لكن عندما جاءت اللحظة الحاسمة التي كان لا بد فيها أن يتقرر موقف يوناثان، ما إذا كان سيتبع داود خارج المحلَّة حاملاً عاره أو يرجع إلى بيت أبيه، فضَّل يوناثان البقاء مع شاول.  ومع شاول وقع عليه القضاء ومات على جبل جلبوع.  أما أبيجايل، فإذ قد اقترنتْ بداود في زمن اغترابه ورفضه، فقد شاركتْه في أمجاد المُلْك المستقبل.

    ياليت هذه الصورة تعرّفنا كيف نميّز بين الجسد الذي يشير إليه نابال في اتجاهاته، وبين عمل الروح القدس فينا بالطبيعة الجديدة، والذي تصوّرُه كلمات أبيجايل الحلوة وموقفها الرائع من داود.  لقد قالت عن داود وهو مرفوض: «سيدي» 14 مرة وقالت عن نفسها «أمتك» 6 مرات.                                                                                                           

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com