عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
البقية في أيام عزرا 9  

البقية في الأيام الأخيرة (9)                   

الرؤساء المخطئون .. والمصلون المتوسلون

عزرا (9)

نتوقف في هذا الأصحاح الهام في تاريخ تلك البقية الراجعة من السبي أيام عزرا، أمام مباينة عجيبة ولكنها مؤثرة ومليئة بالدروس.  هي مفارقة متكررة عبر التاريخ ولكنها واضحة كل الوضوح في أيامنا الحالية.  أعني بها خطية الرؤساء من الجانب الواحد، وصلوات الأتقياء من الجانب الآخر.  فالجانب الأول قاتم وكئيب يعبر لنا بكل الصدق كيف أن الإنسان - في أفضل حالاته – ليس جديرًا في حد ذاته بأية ثقة على وجه الإطلاق، وأن وصف الكتاب المقدس له صحيح جدًا ودقيق لأبعد مدى.  كيف أن الجسد لا يفيد شيئًا.  وكيف أن أفضل البشر – حتى في المجال الديني – ليس أكثر من مجرد إنسان مسكين بدون نعمة الله.

لكن؛ وعلى الجانب الآخر، كيف أن الله من جانبه لا زال يعمل .. وهو لا يترك نفسه مطلقًا بلا شاهد، وأنه كلما زادت قتامة الصورة، زاد ضياء لمعان النعمة الإلهية الغنية، وهي تعمل في أوانٍ بشرية خزفية عادية، لتصيغ منها أروع النماذج للصورة المشرقة التي يُعتبر شعب الله، وبالأخص في أيامنا الحاضرة، في أشد الاحتياج إليها، وأعني بهم "رجال الصلاة".  الذين لا يصلون فقط لأجل أنفسهم، ولا حتى لمجرد بركة شعب الله وهو في أضعف وأحط حالاته الروحية والأدبية.  ولكنهم – وهو الأهم – يحسبون خطية الشعب كأنها خطيتهم.  لأنهم ليسوا فقط لا يقفون في جانب الشيطان المشتكي على إخوتهم، بل هم أيضًا يقفون إلى جانب الله ضد "خطايا" إخوتهم (وليس ضد إخوتهم أنفسهم).

أولاً: الرؤساء المخطئون

«وَلَمَّا كَمَلَتْ هذِهِ تَقَدَّمَ إِلَيَّ الرُّؤَسَاءُ قَائِلِينَ: لَمْ يَنْفَصِلْ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي حَسَبَ رَجَاسَاتِهِمْ، مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْعَمُّونِيِّينَ وَالْمُوآبِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ.  لأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ وَلِبَنِيهِمْ، وَاخْتَلَطَ الزَّرْعُ الْمُقَدَّسُ بِشُعُوبِ الأَرَاضِي.  وَكَانَتْ يَدُ الرُّؤَسَاءِ وَالْوُلاَةِ فِي هذِهِ الْخِيَانَةِ أَوَّلاً»  (عز9: 1، 2).

إن الانفصال المقدس عن الشر والأشرار هو مبدأ إلهي واضح جدًا من أول أصحاح في الكتاب المقدس.  لاحظ أحدهم أن أقسام العهد القديم الثلاثة، بحسب تقسيم الرب له المجد في حديثه مع تلميذي عمواس (لو24)، وهي: الناموس والمزامير والأنبياء... كل منها يبدأ في أول أصحاحاته بالتركيز على هذا المبدأ عينه: الانفصال.

ففي تكوين 1 فصل الله بين النور والظلمة، وفصل بين مياه ومياه، وفصل بين الأرض ومجتمع المياه، وفصل بين النهار والليل.

وفي مزمور 1 يفصل الله بين الأبرار والأشرار.

أما في إشعياء 1 فنجد فصل الله بين بركة الأبرار ودينونة الأشرار، وفصل بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، فهو لا يطيق الإثم والاعتكاف.

لقد اختلط الزرع المقدس وقتها بشعوب الأراضي وهي بحق مأساة.  «لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟» (2كو6: 14).  ولكن  أن تكون يد الرؤساء والولاة  في هذه الخيانة أولاً فهنا قمة المأساة.  هؤلاء الذين كان ينبغي أن يكونوا قدوة حسنة للشعب، تحولوا عن السبيل المستقيم وصاروا قدوة سيئة بتوجهاتهم وتصرفاتهم فأثروا سلبًا على الآخرين، الذين يتأثرون بهم وبقيادتهم وبأسمائهم كرؤساء بينهم.  هل هذا بعيد عما هو حادث اليوم داخل المسيحية؟  بل وداخل دائرة المؤمنين والقادة؟  ونقول بكل أسف بل وداخل دوائر الشركة الأضيق وسط القديسين الذين طالما تميزوا بالانفصال إلى اسم الرب فكرًا وسلوكًا وعبادة؟  الإجابة المؤلمة معروفة وواضحة بالطبع.  إن هدم أسوار الانفصال هي خيانة ضد الرب وضد الحق.

ثانيًا: المصلون المتوسلون

لكن نرى؛ كيف كان رد عزرا والأتقياء إزاء هذا الوضع المخزي والمؤلم؟  هل هو إلقاء اللوم على المخطئين؛ وهم فعلاً مخطئون؟  هل هو التذمر والشكوى والأنين؟  هل هو ترك الأمور وارتخاء الأيادي وإشاعة الفشل – وهو بالفعل موجود – بين شعب الله؟  كلا أحبائي... لنواصل القراءة: «فَلَمَّا سَمِعْتُ بِهذَا الأَمْرِ مَزَّقْتُ ثِيَابِي وَرِدَائِي وَنَتَّفْتُ شَعْرَ رَأْسِي وَذَقْنِي وَجَلَسْتُ مُتَحَيِّرًا. فَاجْتَمَعَ إِلَيَّ كُلُّ مَنِ ارْتَعَدَ مِنْ كَلاَمِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَجْلِ خِيَانَةِ الْمَسْبِيِّينَ، وَأَنَا جَلَسْتُ مُتَحَيِّرًا إِلَى تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ قُمْتُ مِنْ تَذَلُّلِي، وَفِي ثِيَابِي وَرِدَائِي الْمُمَزَّقَةِ جَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَبَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي، وَقُلْتُ: اللّهُمَّ، إِنِّي أَخْجَلُ وَأَخْزَى مِنْ أَنْ أَرْفَعَ يَا إِلهِي وَجْهِي نَحْوَكَ، لأَنَّ ذُنُوبَنَا قَدْ كَثُرَتْ فَوْقَ رُؤُوسِنَا، وَآثَامَنَا تَعَاظَمَتْ إِلَى السَّمَاءِ. مُنْذُ أَيَّامِ آبَائِنَا نَحْنُ فِي إِثْمٍ عَظِيمٍ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَلأَجْلِ ذُنُوبِنَا قَدْ دُفِعْنَا نَحْنُ وَمُلُوكُنَا وَكَهَنَتُنَا لِيَدِ مُلُوكِ الأَرَاضِي لِلسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَخِزْيِ الْوُجُوهِ كَهذَا الْيَوْمِ.  وَالآنَ كَلُحَيْظَةٍ كَانَتْ رَأْفَةٌ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِيُبْقِيَ لَنَا نَجَاةً وَيُعْطِيَنَا وَتَدًا فِي مَكَانِ قُدْسِهِ، لِيُنِيرَ إِلهُنَا أَعْيُنَنَا وَيُعْطِيَنَا حَيَاةً قَلِيلَةً فِي عُبُودِيَّتِنَا. لأَنَّنَا عَبِيدٌ نَحْنُ، وَفِي عُبُودِيَّتِنَا لَمْ يَتْرُكْنَا إِلهُنَا بَلْ بَسَطَ عَلَيْنَا رَحْمَةً أَمَامَ مُلُوكِ فَارِسَ، لِيُعْطِيَنَا حَيَاةً لِنَرْفَعَ بَيْتَ إِلهِنَا وَنُقِيمَ خَرَائِبَهُ، وَلْيُعْطِيَنَا حَائِطًا فِي يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ.  وَالآنَ، فَمَاذَا نَقُولُ يَا إِلهَنَا بَعْدَ هذَا؟ لأَنَّنَا قَدْ تَرَكْنَا وَصَايَاكَ الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا عَنْ يَدِ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ قَائِلاً: إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي تَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا هِيَ أَرْضٌ مُتَنَجِّسَةٌ بِنَجَاسَةِ شُعُوبِ الأَرَاضِي، بِرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي مَلأُوهَا بِهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ بِنَجَاسَتِهِمْ. وَالآنَ فَلاَ تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِبَنِيهِمْ وَلاَ تَأْخُذُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكُمْ، وَلاَ تَطْلُبُوا سَلاَمَتَهُمْ وَخَيْرَهُمْ إِلَى الأَبَدِ لِكَيْ تَتَشَدَّدُوا وَتَأْكُلُوا خَيْرَ الأَرْضِ وَتُورِثُوا بَنِيكُمْ إِيَّاهَا إِلَى الأَبَدِ. وَبَعْدَ كُلِّ مَا جَاءَ عَلَيْنَا لأَجْلِ أَعْمَالِنَا الرَّدِيئَةِ وَآثَامِنَا الْعَظِيمَةِ، لأَنَّكَ قَدْ جَازَيْتَنَا يَا إِلهَنَا أَقَلَّ مِنْ آثَامِنَا وَأَعْطَيْتَنَا نَجَاةً كَهذِهِ، أَفَنَعُودُ وَنَتَعَدَّى وَصَايَاكَ وَنُصَاهِرُ شُعُوبَ هذِهِ الرَّجَاسَاتِ؟ أَمَا تَسْخَطُ عَلَيْنَا حَتَّى تُفْنِيَنَا فَلاَ تَكُونُ بَقِيَّةٌ وَلاَ نَجَاةٌ؟ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ بَارٌّ لأَنَّنَا بَقِينَا نَاجِينَ كَهذَا الْيَوْمِ. هَا نَحْنُ أَمَامَكَ فِي آثَامِنَا، لأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَقِفَ أَمَامَكَ مِنْ أَجْلِ هذَا» (عز9: 3-15).

   وإن كانت المأساة في هذا الأصحاح قد سُجلت في عددين، فإن سائر الأصحاح بأكمله يسجل لنا في حوالي 13 عددًا رد الفعل الوحيد الصحيح، وهو تذلل عزرا ونواحه وصلواته التوسلية التي فيها برر الله من الجانب الواحد، واستذنب نفسه مع الشعب باعتباره واحدًا منهم، عالمًا أن الله يرى شعبه دائمًا ككتلة واحدة وكيان واحد.  وفي صحو تام لحيل إبليس في مثل هذه الأوقات التي لا يجد أفضل منها ليحقق غرضه في زرع الخصومات والانشقاقات والتحزبات بين القديسين! هل فهمنا نحن الدرس اليوم؟  إن الجسد يجد ألذ أطايبه في انتقاد الآخرين المخطئين فعلاً، والحديث الكثير عن الخطايا المنتشرة... لكن الروحي ورجل الصلاة يعرف كيف يقف فعلاً في صف الله، ويجاهد لأجل شعب الله مدركًا أنه واحد منهم.  يأكل من ذبيحة خطية إخوته كما تُعلم الشريعة في سفر اللاويين (لاويين10: 19)، ويتوسل لأجلهم لدى الله.

أعزائي الشباب

بلا أدنى مبالغة.. هناك فرصة وحيدة حقيقية لبركتنا في أيامنا الأخيرة والموجعة لكل تقي، هي أن نجلس أمام الرب في اتضاع وانكسار، في تذلل ومسكنة لنعترف ببره هو وبخطئنا نحن (كلنا)، ونطلب المراحم أمام الرب من أجل هذا.  وهذا متاح للكاتب والقارئ ولا يحتاج معرفة عظيمة ولا موهبة جبارة، فقط يحتاج لتقوى حقيقية والنتيجة ستكون بركة لكل الشعب.

 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com